‘واشنطن بوست: الشعبوية في حالة استراحة’
30 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
أحمد عيشة
أحد مؤيدي المرشح الرئاسي الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلق ملصقًا للحملة الانتخابية (بوب إدميه/ أسوشيتد برس)
حكمة البارحة التقليدية: موجة من الشعبوية المتمردة تجتاح الغرب، وتهدد مؤسساتها التأسيسية -الاتحاد الأوروبي، والتحالف الغربي، وحتى الديمقراطية الليبرالية نفسها-.
حكمة اليوم التقليدية (الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد الجولة الأولى): لقد تُوجت موجة الشعبوية، وسرعان ما تتراجع.
هناك احتمالات بأن كلا الحكمتين خاطئ. إنَّ المشاعر المناهضة للمؤسسة التي أنتجت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم انتخاب دونالد ترامب، بدت أنها مستعدة لتوصلنا إلى مارين لوبان، لكنها هبّت واستقرت بالفعل، وعلى الرغم من احتمال هزيمتها في الجولة الثانية، إلا أنَّ النصر للوسطي البارز، إيمانويل ماكرون، لا يكاد يشكّل انتصارًا للمؤسسة.
كشف ماكرون، بوضوحٍ، عن الشيوعي العتيق (جان لوك ميلانشون)، وعن قومي متعصب للدم والأرض (لوبان)، ومرشح يمين الوسط الملاحق بتهم المحسوبية والفساد (فرانسوا فيون). وجاء مرشح الحزب الاشتراكي الحاكم في المركز الخامس، وحقق 6 في المئة من الأصوات، بشكلٍ يثير الشفقة.
من ناحية أخرى، لا يمكن أنْ يشجّع الشعبويون ما حدث، بعد خروج بريطانيا وترامب. في الانتخابات الهولندية، حيث تهاوى خيرت فيلدرز القومي نحو النهاية، ولم يحصل على السلطة؛ والانتخابات النمساوية، حيث تراجع تحدٍ قومي آخر؛ والانتخابات الألمانية القادمة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن القوميين اليمينيين المتطرفين لا يكادون يشكلون 10 في المئة ويتناقصون. وبطبيعة الحال، فرنسا.
في وقتٍ لاحق، قد يكون الذعر الشعبوي مبالغًا فيه. وفي ما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، كانت بريطانيا دائمًا مترددةً جدًا تجاه أوروبا، مستذكرة على الأقل العودة إلى هنري الثامن وفجوته مع روما. في السنوات الـ 500 التي انقضت على ذلك، رأت بريطانيا عمومًا نفسها جزيرةً، أكثر من أنها جزءٌ من أوروبا.
كان الشذوذ التاريخي الحقيقي هو عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مع كل ما يصاحب ذلك من نقل السيادة من وستمنستر إلى بروكسل؛ فكان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عودةً وحشية نوعًا ما إلى الوضع الطبيعي خارج أوروبا، ولكنه الطبيعي.
أما الانتصار الشعبوي البارز الآخر، وهو انتصار ترامب، فقد تبيّن أنّه أقل مما بدا عليه. إنه بالتأكيد اشتغل كشعبوي، وفاز كشعبوي ولكن، في مئة يوم انقضت في منصبه، بدا أنّه يحكم بوصفه تقليديًّا.
مقترحات استبدال أوباماكير هي إصلاحات حكومة صغيرة تقليدية، وإصلاحه الضريبي هو متابعة لإصلاح ريغان من عام 1986، واختياره المحكمة العليا هو محافظة صارمة على الدستور. وفُسرت أوامره التنفيذية الشهيرة على أنها قائمة بالميزات المرغوبة لنزعة المحافظة التقليدية الموجهة نحو الأعمال “البزنس” أكثر من أنها إصلاح تنظيمي بالنسبة لخطوط أنابيب كيستون وداكوتا النفطية (في كندا والولايات المتحدة).
أنا أؤيد كل هذه التحركات، لكنها لا تُصنّف شعبويةٍ متمردة، وقد يكون الاستثناء الوحيد هو السياسة التجارية، ولكن، حتى الآن لا تزال مخصصةٌ، وذاتية.
قام ترامب بإيماءاتٍ وتهديدات للمكسيكيين الماكرين، والصينيين، والآن للكنديين، ولكن لم يتضح بعدُ إن كان جادًا، على سبيل المثال، الانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، أو الانخراط في سلسلةٍ من حيل التفاوض المفتوحة.
نزاع الأخشاب اللينة مع كندا لا يكاد يكون جديدًا، ويعود تاريخه إلى 35 عامًا. وقد اعترضت كل إدارة متطفلة على شروط التبادل التجاري في مختلف المحافل. إنّ حربًا تجارية واسعة النطاق مع شركائنا التجاريين الرئيسين من شأنها أنْ تُفسح مجالًا جديدًا. ومع ذلك، أيّ نقصٍ في ذلك هو فن الصفقة/ الاتفاق.
إنّ تطبيع ترامب مؤشرٌ وحيد على أنّه قد يكون التمرد الشعبوي هناك أقلَّ مما يُتصور. ومع ذلك، فإن المفتاح هو أوروبا، حيث الرهانات أعلى بلا حدود. المسألة هناك هي مستقبل الدولة القومية نفسها، لأنَّ قرونًا من السيادة حلّتْ داخل الدولة الجبارة المتوسعة، وبالتالي؛ فإنها تؤثر على كلّ جانبٍ من جوانب الحياة اليومية، من التركيب العرقي للجوار إلى العملة التي تتناقلها الأيدي في البِقالة.
الأخبار من فرنسا، حيث ماكرون هو موالٍ لأوروبا علنًا، بتباه وتفاخر، (على مقر حملته، يرفرف علم الاتحاد الأوروبي) هي أنَّ فرنسا ليست مستعدةً تمامًا للتخلي عن التجربة العظيمة. لكن النخب الأوروبية النزعة كان من الأفضل لها ألا تتخيل بأن يكون هذا رأيًا دائمًا.
كانت الثورة الشعبوية ردّة فعلٍ على اندفاع النخبة المتهور، وغير الديمقراطي، لتحقيق المزيد من الاندماج. وتتمثل المهمة اليوم في معالجة مصادر الركود الاقتصادي في أوروبا، والاغتراب الاجتماعي، بدلًا من مواصلة السعي وراء هذه الحملة التي أدت إلى هذه اللحظة الهشة.
إذا تبين أنَّ التهديد الشعبوي قد أخاف القوى القائمة بعيدًا عن رضاها المتغطرس، وينبغي أنْ يُعدّ هذا نجاحًا. ولكن علينا ألا نخطئ، فالانتخابات الفرنسية لم تكن انتصارًا للوضع الراهن. إنها عفوٌ مؤقت. في الوقت الراهن، موجة الشعبوية ليست في تراجع، إنّها في استراحة.
اسم المقالة الأصلي Populism on pause الكاتب تشارلز كراوثامير، Charles Krauthammer مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 27/04/2017 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/populism-on-pause/2017/04/27/c9aa2edc-2b7b-11e7-be51-b3fc6ff7faee_story.html ترجمة أحمد عيشة
[sociallocker] [/sociallocker]