مؤتمر المركز العربي: أكراد سورية يحاولون استنساخ التجربة العراقية


أكد باحثون عرب وأكراد على تذبذب العلاقات التركية–الكردية تاريخياً، مشيرين إلى تباين التعاطي التركي مع الملف الكردي، إن كان على مستوى دعم أطراف كردية عراقية مقابل مواجهة الأكراد في الداخل التركي، أو محاولة خلق تيارات كردية في تركيا بديلة عن حزب “الشعوب الديمقراطي”، أو السعي لعدم انتقال مطالب أكراد سورية إلى أكراد تركيا.

وأوضح أستاذ التنمية البشرية في إقليم كردستان، علاء الدين جنكو، في ورقة ألقاها يوم أمس الأحد، في المؤتمر الأكاديمي الذي ينظمه “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في العاصمة القطرية الدوحة، حول موضوع “العرب والأكراد: المصالح والمخاوف والمشتركات”، أن التشدد في القضية التركية “كان متصاعداً تاريخياً حتى 2003 وصعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة”، إذ رأى أن العلاقات التركية–الكردية شهدت بعض الانفراج بعد 2003. ولفت إلى أن ملف الأكراد كان بمثابة “المحرمات” في السياسة التركية، إلى أن كسره الرئيس التركي الراحل، تورغوت أوزال، في عام 1991 بلقائه الزعيم الكردي العراقي جلال الطالباني، وحديثه عن وجود “ملف كردي”.

ويفسر جنكو فتح الأتراك لعلاقات مع أكراد العراق، بقولهم إن الأتراك، في تعاملهم مع إقليم الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، “لا يريدون لإيران، منافسهم التاريخي، الهيمنة على الإقليم”، وفق تعبيره. وشدد على أن علاقات الأتراك مع أكراد العراق أدى إلى “دعم مسيرة السلام، وتوفير الطاقة، ودعم الأمن الداخلي الكردي”. وتابع أن الأكراد استفادوا من الأتراك أيضاً “فتركيا البوابة الاقتصادية لإقليم كردستان مع العالم”، على حد وصفه.

إلا أن العلاقة التركية مع أكراد سورية كانت مختلفة. فمنذ تأسيس حزب “العمال الكردستاني” رأت تركيا في أكراد سورية “حاضنين ومشاركين لحزب العمال الكردستاني لا سيما بعد انتقال (زعيم الحزب عبدالله) أوجلان إلى سورية عام 1979، ومع تسهيل السلطات السورية انتقال أكراد من سورية إلى تركيا”، وفق قول جنكو. إلا أن ما يؤكد عليه الأخير هو “تراجع انفتاح حزب العدالة والتنمية على الأكراد، بعد الأزمة مع حزب الشعوب الديمقراطي”، مشيراً إلى أن تركيا “تخشى من انتقال مطالب أكراد سورية إلى أكرادها”.

من جانبه، رأى الباحث ومدير قسم التحرير في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، عماد قدورة، أن السلطات التركية صاغت سياسة جديدة تجاه الأكراد أخيراً، ترتكز على ثلاثة محاور، تتمثل بـ”تكريس فكرة غياب المُحاور الكردي، وإضعاف حزب الشعوب الديمقراطي والمواجهة العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، والانفتاح على بدائل كردية جديدة”. ونفى أن تكون القطيعة مع حزب “الشعوب الديمقراطي” مجدية، إذ “من الصعب تقويض نفوذ الحزب حتى لو خرج من البرلمان، لأن له نفوذاً على الأرض” علاوة على “فشل المقاربة الأمنية مع الأكراد خلال ثلاثة عقود مضت”، وفق تعبير الباحث نفسه. وجاء ذلك في ورقة ألقاها في المؤتمر بعنوان “المقاربة التركية الجديدة للقضية الكردية وانعكاسها على أكراد العراق وسورية”.

استخدام الورقة الكردية
وخلال الجلسة الأولى للمؤتمر، يوم أمس الأحد، والتي حملت عنوان “المسألة الكردية في سورية: تصورات النخب وحدود المشاركة السياسية”، أكد رئيس الجلسة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون في باريس، برهان غليون، على محاولة أطراف متعددة اللعب بورقة الأكراد في سورية. وقال غليون في حديث لـ”العربي الجديد”، أن قادة المجلس الوطني الكردي “كانوا غير متجاوبين معنا أثناء تشكيل المجلس الوطني السوري، وكانوا يشتكون للحكومات الغربية، وينسحبون من الاجتماعات مع قادة المجلس، تعبيراً عن امتعاضهم” باعتبار أن المجلس لا يعطي للأكراد حقوقهم. إلا أن المجلس اقترح “احترام الحقوق الكردية القومية، والثقافة والهوية الكردية، واللامركزية”، وفق تأكيد غليون.

وأضاف غليون “بعد هذه الاقتراحات ذهبنا (وفد المعارضة السورية) إلى (رئيس إقليم كردستان العراق) مسعود البرزاني، في عام 2011 واستقبلنا استقبالاً رائعاً، وتحدثنا معه عما نقدمه للأكراد، في سريّة، فعبّر عن ارتياحه”. وأكد غليون أن البرزاني قال في حديثه له آنذاك: “لا يوجد أكثر من ذلك لتقدموه للأكراد”. إلا أن البرزاني لاحقاً – والحديث لغليون – وبعد أشهر من هذا اللقاء، أشار إلى أن “المعارضة السورية لا تمنح الأكراد حقوقهم”. وأضاف غليون أن البرزاني قال في حوار صحافي “التقيت مع المعارضة ومع برهان غليون ورفض الاعتراف بالحقوق الكردية إلا على رأس شفتيه”. لكن غليون يعلق قائلاً إن هذا الحديث هو “عكس ما كان يقول لنا عندما التقيناه في أربيل”. ويعتقد غليون أن البرزاني كان يريد أن يوسع نفوذه داخل المجلس الوطني الكردي.

أكراد سورية… اختلاف تاريخي وجغرافي
من جهته، اعتبر الباحث السوري مهند الكاطع، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “ما أصبح يسمى بالمسألة الكردية في سورية تختلف اختلافاً جذرياً عن الحالة العراقية”. وقال إن المسالة الكردية في العراق لها “جذور تاريخية وأسس ديموغرافية”، مضيفاً أن “هناك ثلاث محافظات في الشمال العراقي ذات أغلبية كردية ساحقة، والحكومة العراقية في فترة تاريخية مبكرة كانت تتحدث عن الأكراد بصفتهم قومية ثانية في البلاد”. ورأى أنه حتى الحكومة العراقية في عهد صدام حسين “منحت الأكراد حكماً ذاتياً في عام 1971 ما جعل للحكم الذاتي اليوم أسساً مؤسساتية وأطراً تنظيمية”، وفق قوله. وتابع أن الأوضاع مختلفة تماماً في سورية، لعدة أسباب “فأكراد سورية كان ينظر إليهم تاريخياً باعتبارهم أكراد منفى أو أكراداً خارج أرض كردستان”. وأشار إلى أن “الواقع الجغرافي والديموغرافي لا يساعد أكراد سورية على استنساخ تجربة أكراد العراق، فالأكراد في سورية موجودون في ثلاث مناطق منفصلة عن بعضها، ولا يشكلون أغلبية إلا في منطقة واحدة هي عفرين”. وبيّن الكاطع أن أكراد سورية “بدأوا باستخدام مصطلحات أكراد العراق، مثل كردستان سورية، والقومية الثانية، والأراضي ذات الأغلبية الكردية، بعد الاحتلال الأميركي للعراق في 2003″، أي أن رغبتهم بمحاكاة النموذج العراقي لم تأت إلا متأخرة، وفق تعبيره.

ويواصل مؤتمر “العرب والأكراد: المصالح والمخاوف والمشتركات” جلساته اليوم، بأربعة محاور، تتناول “المسألة الكردية في سورية والعراق بين الفيدرالية واللامركزية” و”صورة الآخر في العلاقات العربية الكردية”، إضافةً إلى “آفاق العلاقات العربية الكردية في العراق”.



صدى الشام