الشبيحة الأسدية في سورية – نماذج

2 مايو، 2017

بسام جوهر

ارتبط مصطلح الشبيحة في سورية بالدائرة الضيقة للعائلة المالكة الأسدية وأقربائهم، فقد كان لكل شخصيةٍ من هذه العائلة مجموعةٌ من الحراس الشخصيين، يتم انتقاءهم بعناية فائقة، وعلى الرغم من تنوع الأهداف لدى كل شخصية، فهناك هدف مشترك يجمعهم، وهو التذكير الدائم بقوة وسطوة العائلة الأسدية وأقربائها من أمثال آل مخلوف في اللاذقية وريفها، وآل نجيب في جبلة وريفها.

إن كلمة “الشبيح” في سورية هي المعادل الموضوعي لكلمة البلطجي التي سمعنا بها في أثناء الثورة المصرية، وكذلك الأزعر في الأردن، وإلى حد ما المرتزق في ليبيا، وكلها مرادفات لمعنى واحد، وهو كل من يستخدم العنف والإكراه خارج القانون في سبيل تحقيق أهداف خاصة به أو بآخرين مقابل عائد مادي.

أغلب الناس يُرجع نشأة الشبيحة إلى آل الأسد، مع الاختلاف في تحديد من بدأ ذلك، لكنّ المؤكد أنّ هناك أسماء لمعت في عالم التشبيح، وكلّها من عائلة الأسد وأبرزهم:
منذر الأسد، هلال الأسد، هارون الأسد، أمير الأسد، نمير الأسد، علي الأسد، فوّاز الأسد، مالك الأسد ومحمد الأسد المعروف بشيخ الجبل. لكن هناك من يرى أنّ مالك الأسد (ابن الشقيق الأكبر لحافظ الأسد) وبعضهم يقول إن نمير الأسد هو صاحب الرّيادة في تأسيس هذه المجموعات، وذلك بعد دخول “الجيش السّوري” إلى لبنان عام 1976،حيث اقتصر عمل مجموعته على التهريب (دخان، وأدوات كهربائية) من لبنان إلى سوريّة، لكن التأسيس الفعلي كان على يد محمد توفيق الأسد المعروف بشيخ الجبل (وهو ابن عم بشار الأسد) الذي طوّر عمل الشبيحة، ابتداءً من انتقاء الأشخاص الذين يريدون الانضمام إلى هذه المجموعات، وانتهاءً بتنوع الأعمال المنوطة بهم، فقد كان الدخول إلى عالم الشبيحة يستلزم بعض الشروط التي لا بدَّ منها، وهي أوّلًا، وقبل كلِّ شيء، انعدام الثّقافة، الطّاعة العمياء، البنية الجسدية القوية والولاء للمعلّم، ولا مانع من أن يكونوا مجرمين وأصحاب سوابق. وقد تطوّر عملهم ليشمل تهريب المخدرات والخمور والأسلحة والسّيارات المهرّبة والمسروقة والأدوات الكهربائية والمنزلية، حتّى وصل بهم الأمر إلى فضّ النزاعات بين الناس والحكم لصالح من يدفع أكثر، وهذا التّطوّر في العمل استلزم وجود سجون خاصة بهم، يسجنون بها من يخطفونه إلى حين قبوله بما يُفرض عليه.

لكل مجموعة منهم زعيمٌ يُعرف باسم (المعلّم) -يطلق الاسم نفسه على رئيس فرع المخابرات أو القائد المدعوم في الجيش- وهو الذي يقود المجموعة ويخطط ويفضُّ النزاعات بين أفراد المجموعة، ويكون صلة الوصل بين عناصر المجموعة وبين (المعلّم) الكبير الذي هو أحد أفراد آل الأسد أو من في حكمهم، وفي بعض الأحيان يقود (المعلّم) الكبير بنفسه المجموعة، كما كان الحال مع شيخ الجبل الذي كان يقود تشكيلًا ضخمًا من عناصر الشبيحة حتى إنه لُقَّبَ بـ “حاكم اللّاذقية”، وقد كان له دور بارز مع اندلاع الثّورة السّورية، بوصفه أحد أقوى رجالات النظام في اللاذقية. (قُتِلَ شيخ الجبل في آذار/ مارس 2015، مع إشارات تدل على أنّ بشار الأسد كان وراء مقتله، وذلك لنفوذه الواسع في اللاذقية وما حولها، ومحاولاته اتخاذ بعض القرارات خارج دائرة السّلطة الأسدية).

أغلب الشبيحة ينتمون إلى الطائفة العلوية بحكم أن (المعلّم) ينتمي إلى آل الأسد وبحكم علاقات القربى والثّقة، لكن هذا لا يعني أنّ هذه المجموعات لا تضم أفرادًا من طوائف أخرى.

ومن المثير للاهتمام أنّ باسل الأسد، قبيل مصرعه في 1994، سعى إلى الحدّ من نفوذ الشبيحة خوفًا من أن يكون لهم شأنٌ وقوّة في المستقبل تخرج عن سيطرة “الّدولة”، وكذلك رغبةً منه في تقليص دائرة نفوذ العوائل التي تعتمد على الشبيحة، بخاصةً أنّ نمو هذه الظاهرة كان يتعارض إلى حدٍ ما مع التّوجّه إلى تسلم باسل الأسد السّلطة، وكذلك توجّه الشّخصيات في العائلة المالكة ومن حولهم من كبار رجالات الحزب والجيش إلى إقامة مشاريع وإنشاء شركات تجارية، وهذا يتعارض مع وجود مجموعات الشبيحة الخارجة عن القانون الأسدي. وبالفعل استطاع باسل الأسد أن يعتقل كثيرًا منهم ويزجهم في سجن صيدنايا مدة قصيرة، حيث خرجوا بعد موت باسل الأسد ليعودوا إلى الظهور بقوّة أكبر بعد اندلاع الثورة السّورية.
الشبيحة والثورة السورية:

تغيّرت بنية الشبيحة، بعد ثورة الكرامة في سورية، فبعدما كان يُختار أفرادها وفق الشروط التي ذكرناها آنفًا، وهي (انعدام الثقافة، الطاعة العمياء، البنية الجسدية القوية، الولاء المعلّم) فقد أصبح الولاء المطلق لبشار الأسد هو العنصر الأول والأهم، ويُلاحظ ذلك من خلال شعاراتهم وعباراتهم التي يكتبونها على الجدران مثل (يا بشار لا تهتم.. عندك رجال بتشرب دم، منغيّر الله وما منغيّر بشار)، وكذلك تغيّرت المهام، فبعد أن كانت مهامها هي التهريب من لبنان إلى سورية وبالعكس وخدمة (المعلّم) من آل الأسد في كل ما يسعى إليه، فإن الوضع الجديد اقتضى إنشاء مجموعات جديدة من الشبيحة في كل منطقة في سورية، وليس مهمًا في الحالة الجديدة أن يكون (المعلّم) من آل الأسد، وكذلك ليس مهمًا أن يكون علويًا، لأن المهام الجديدة والمتمثلة في قمع انتفاضة الشعب السوري تقضي تغطية كافة نقاط التظاهر، ولا سيّما في المدن الحساسة. إذن مع تغيير البنية وتغيير المهام وأيضًا التجديد في التمويل (التعفيش) أصبحت الشبيحة هي الذّراع غير الرسمي لنظام الأسد، وهي بمنزلة القوات الخاصة له، إذ إنها تقوم بكل ما هو قذر وبشع في كافة أنحاء سورية.

لن تستطيع هذه المقالة تغطية كافة مجموعات الشبيحة التي تعمل في سورية، وسيقتصر البحث على ثلاث مناطق: هي حمص وسلمية وصبورة.

حمص:

تُعد مدينة حمص من أوائل المدن التي شهدت تظاهرات ضد النظام، وهي أكثر المدن السورية فرزًا بين الطوائف، حيث إن هناك أحياء كاملة يقتصر العيش فيها على طائفة معينة دون الأخرى، مثل حي الزهراء الذي يُعدّ المعقل الأساس للشبيحة وحي الخالدية الذي كان الحاضنة الأساسية لتظاهرات ضد النظام.

ومع بداية الثورة، أوعز العميد (بسام حسن)، وهو ضابط رفيع المستوى في القصر الجمهوري وأحد مستشاري بشار الأسد، إلى ابن اخته المهندس (صقر رستم) بتشكيل ميليشيا، عُرفت في ما بعد باسم (اللجان الشعبية) حيث شكلها سريعًا من المتطوعين الموالين لبشار الأسد، ثم أتبع ذلك بتشكيل سرية للمهام الخاصة من الثُقات، وهي التي تقوم بأعمال القتل والخطف والتعفيش، وكان المهندس صقر، قبل أن يصبح حاكمًا لحمص، معاونًا لمدير منطقة حسياء الصناعية حيث طُرد من عمله في إثر فضيحة فساد. من أهم الأسماء التابعة لصقر رستم في حمص:

  • علي شنق، لقد تم تداول هذا الاسم كشبيح رقم واحد، في مجموعة صقر رستم، في بداية الثورة إلا أنه اختفى أو أُبعد أو قُتل.
  • محمد علي، وهو المسؤول عن حواجز الخالدية وكرم ميسّر، وكذلك يكلفه رستم بأعمال القتل والخطف والنهب على طريق حمص- طرطوس.
  • أحمد السايس، وكان المسؤول الرئيس عن تصفية عائلات كاملة في حي جوبر والسلطانية، بعد أن داهم الجيش تلك الأحياء.
  • عيسى السايس، وهو مندوب صقر رستم إلى طريق دمشق – حمص، حيث نهب وسرق بلدات النبك وقارة ويبرود، وهناك من يقول، من أهالي حمص، إنه في أثناء قيادته قافلة من المسروقات من تلك البلدات، حاول أحد حواجز الجيش إيقافه، لكنه أطلق النار على الحاجز وقتل ضابطًا برتبة رائد مع ثلاثة عناصر، من دون أن يُحاسب بعد فعلته.
  • تيسير إسماعيل، وهو اليد اليمنى لصقر رستم وضابط أمن الميليشيا، وهناك شائعات تقول إنه يفتخر بأن لديه أذنًا مقطوعة لكل شخص قتله، وهو المسؤول عن عمليات الخطف ضمن أحياء المدينة.

أما تمويل هؤلاء الشبيحة الذين يزداد عددهم يومًا بعد يوم، فقد كان يعتمد على اقتصاد الحرب، كما يقول الباحث الاقتصادي كمال يوسف، في تصريحات صحفية: “إن عمليات التعفيش تجري كجزء من اقتصاد حرب متنامٍ في سورية، حيث إن النظام يعدّ أعمال السلب والنهب بمنزلة تمويل ذاتي لمقاتليه ومكافأة لهم، خصوصًا مع تدنّي الرواتب التي كان النظام يقدمها لهم”.

طبعًا عمليات التعفيش لم تقتصر على الأحياء السّنية في المدينة، وإنما طالت حتى الأحياء الموالية، وحادثة الانفجار الضخم في مستودع الأسلحة التابع لصقر رستم في المدينة الرياضية التي تقع جنوب حي مساكن الشرطة، خير دليل على ذلك إذ إنه، في الأول من آب عام 2013، حدث انفجارٌ ضخم هزَّ مدينة حمص بأسرها، وقال إعلام النظام وقتئذٍ إنّ المستودع استُهدف من قبل المعارضة المسلّحة بصورايخ محلية الصنع، لكنّ معظم السكان كان يقول العكس إذ يعتقدون أن الانفجار مفتعل، لأنه، بعد الانفجار مباشرةً قامت الميليشيات بالانتشار في الأحياء القريبة من موقع الانفجار وبدؤوا بنشر الذعر بين المدنيين، وقالوا إنّ جبهة النصرة قادمة إلى الحيّ، فأصبح الحي خاليًا من سكّانه، وكان هذا الإخلاء هو الأرضية المناسبة لسرقة الحي بكامله، حيث قال بعض الأهالي إنّ الشبيحة أغلقوا الحي مدة أربع ساعات وكانت كافية لسرقة ما يزيد عن خمسمائة منزل، بعد ذلك خرجت مظاهرة في الحي تندّد بـ صقر رستم الذي وعد بإجراء تحقيق في عمليات السّرقة والنّهب لكنّ ذلك لم يتم.

السّلميّة:

تعدّ السّلميّة من أكثر المدن السورية غنًى على الصّعيد الثّقافي وأكثرها فقرًا على الصعيد الاقتصادي، وقد شاركت هذه المدينة في الثّورة السّوريّة بفاعلية عالية، لذلك كان نصيبها من انتهاكات الشبيحة عاليًا أيضًا.

بعد اندلاع تظاهرات ضد بشار الأسد في السّلميّة تأسس الشبيحة على يد شخص يدعى (مصيب سلامة) وهو شقيق اللواء أديب نمر سلامة (الذي كان رئيس فرع المخابرات الجّويّة في حلب، وقد عُزل في عام 2016، ونُقل إلى دمشق ليكون معاون مدير إدارة المخابرات الجويّة)،يمارس (مصيب سلامة) عمله التّشبيحيّ في منطقة السّلميّة وما حولها، ويُعدّ حيّ (ضهر المغر) جنوب السّلميّة مقرّه الرّئيس كما أنّ قرية (خنيفس) أحد أهم معاقله التي يمارس على ساحتها عمليات الخطف والسّلب، وهي قرية غرب السّلميّة على طريق حمص، وتسمّى (جمهوريّة الشبيحة).

يتبع (مصيب سلامة) مجموعات من الشبيحة يتولّى زعامة كل مجموعة شبيح متمرّس في الخطف والقتل والسّلب، ويأتي على رأس هؤلاء المدعو
علي حسن الملقّب بـ علي حمدان، محمود عفيفة، طالب بشور الملقّب بـ أبو علي اللبناني (وهو من سكان جبل محسن في لبنان سابقًا)، إبراهيم الصالح (وقد قتل في خلاف مع أحد الشبيحة على المال المسروق).

لدى (مصيب سلامة) شبكة من العلاقات داخل النظام، يقومون بتسهيل حركته والتّستّر على جرائمه وقبض أتعابهم مقابل ذلك.

ويعتبر (محمود عفيفة) من أتباع مصيب سلامة، وهو من قرية (خنيفس)
لكن مع تطور عمل الشبيحة استقلّ بنفسه وأسس مجموعته الخاصة في قريته على طريق حمص- السّلميّة. عمِل منذ البداية على قمع التظاهرات في السلمية وحماة، وقد اشتهر بطرق تعذيبه للمخطوفين، إذ كان لديه ضبع في مزرعته وضعه في قفصً حديدي وكثيرًا ما كان يرمي بالمخطوفين وهم أحياء إلى الضّبع، ومنهم شاب من مدينة إدلب يدعى بكري (كما روى أحد المنشقين عنه) كذلك كان لديه بئر يرمي بها جثث المخطوفين الذين يموتون تحت التعذيب والذين لم يستطع أهلهم دفع الفدية.

لقد تغوّل هؤلاء الشبيحة على مدينة السلمية وما حولها وطالت عملياتهم حتّى القرى العلوية مثل أبو حكفا، وكان الحاجز التّابع لهم يسمّى (حاجز المليون) حيث إنّ الشبيح لا يبرح الحاجز ما لم يجمع مليون ليرة يوميًا، ونتيجة تغوّلهم هذا وقتلهم لأحد أبناء السلمية وهو صاحب كازية، قام أهالي السلمية في عالم 2014 بتظاهرة ضدهم، حيث هتف المتظاهرون، على مسمع من أجهزة النظام: (سلمية إيد وحدة، بالروح بالدّم نفديك سلمية، بدنا نعيش بكرامة وما بدنا بيت سلامة، بدنا نعيش بأمان وما بدنا بيت حمدان) وفي إثر تلك الاحتجاجات عمد النّظام إلى استدعاء (مصيب سلامة) وكبار أعوانه وعلى رأسهم (علي حمدان) إلى دمشق، لكن سرعان ما تمّ لفلفة الموضوع وأُعيدوا إلى السّلمية تحت قناعٍ جديد، حيث أُنشئ ما سمّاه النظام (الدوريّة المشتركة) التي تضم أفرادًا من جميع فروع الأمن في المنطقة، وأسند قيادتها إلى الشبيح علي حمدان.

الصبورة:

أما الصبورة، فهي مركز ناحية تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة السلمية ويبلغ عدد سكانها نحو 20 ألف نسمة وتعدّ من القرى الموالية لبشار الأسد وأحد أهم روافد الشبيحة في المنطقة، وعلى الرغم من الحالة الاقتصادية المزرية التي تعيشها البلدة (إذ يعتمد أبناؤها على وظائف الدولة والجيش وعلى الزراعة التي بدأت تنحسر مؤخرًا بسبب الجفاف الذي أصاب المنطقة) إلا أنّ الكثيرين من أبنائها ماتوا دفاعًا عن بشار الأسد في أماكن مختلفة من سورية، ويضم تل الصبورة (وهو مقبرة البلدة) أكثر من خمسمائة رفات من بينهم ضباط ذوو رتب عالية، مثل العميد جهاد قدور الذي مات في الزبداني، وكذلك العقيد محمود حسن الطويل وأخوه العقيد محمد حسن الطويل، والملازم أوّل أمين محمد العلي، وكذلك العقيد زهير محمود رمضان، والطّيار كمال خلّوف، وجميعهم من عائلات فقيرة انتسبوا إلى الجّيش لتحسين حياة أهاليهم المادّية.

يُعدّ (وريس يونس)، المكنى أبو جعفر، مؤسس الشبيحة في الصبورة وقد كان رجلًا مغمورًا لكنه اشتهر فيما بعد على مستوى محافظة حماة كلها، فبعد أن فشل في الحصول على الشهادة الإعدادية، وبسبب فقر الحال، تطوّع في الشرطة العسكرية وأعلى منصب وصل إليه، قبل الثورة، هو مسؤوليته عن مفرزة الدخول إلى مشفى تشرين العسكري. بعد الثورة ونتيجة علاقته بالمخابرات الجوية اعتُمد ليتولى تشكيل الشبيحة في صبورة والقرى المجاورة، مثل عقارب الصافي والمبعوجة وغيرهم، وبالفعل شُكلت هذه المجموعات من الفقراء والعاطلين عن العمل، وأصبحت من القوة بحيث تضاهي مجموعة مصيب سلامة في السلمية، وكان أول عمل لهذه المجموعة هو قمع الأصوات المعارضة في الصبورة وما حولها، وهذا ما حصل مع السيد  ناصر ديوب (وهو أحد السجناء السابقين في حزب العمل الشيوعي) حيث ضُرب وعائلته ورُحّلوا، وكذلك أُطلقت النار على منزل السيد نزير دنيا وأُجبِر على النزوح خارج القرية.

عُيّن (وريس يونس) فيما بعد عضوًا في مجلس الشعب عام 2012، لكنه بعد عامين قُتل على طريق حماة – السلمية، وهي منطقة تقع تحت نفوذ آل سلامة، حيث قال الإعلام السوري آنذاك إن العصابات هي من قتلته، لكن لبعض أهل الصبورة رأي آخر إذ يقولون إنه صُفّي بعد أن كان عائدًا من فرع المخابرات الجوية في حماة، محملًا برواتب شبيحته.

استلم المجموعات بعد قتل (وريس يونس) أحد أهم رجاله إجرامًا وهو المدعو (غزوان السلموني) الذي كان يعمل جابي عدادات مياه في الصبورة، قبل أن يتحول إلى ملياردير خلال فترة قصيرة، لكن في أثناء استلام (غزوان السلموني) قيادة الشبيحة، حدث أمر مهم كان له أثر على عمل الشبيحة، وهو أن ستة أشخاص إيرانيين قدموا إلى الصبورة وأنشؤوا مستشفى حديثًا وزودوه بأفضل التجهيزات، ومن ثم استقروا في القرية وأخذوا بتجنيد الشباب الصغار (لا يأخذون من عمره فوق الخامسة والعشرين) ويرسلونهم إلى إيران في دورات تدريبية مدة أشهر، ثم يعودون إلى القتال في صفوف الميليشيات المرتزقة ليعودوا في النهاية إلى الصبورة في توابيت.

أصبح الإيرانيون مصدر منافسة لـ (غزوان السلموني) ولا سيما أنهم يدفعون رواتب أعلى من رواتب (غزوان)، وما زالوا حتى كتابة هذه السطور يمارسون عملهم في مقر إقامتهم في الصبورة.

في العشرين من آب 2015، وهو يوم لا ينساه أهل السلمية، قام (غزوان) وشبيحته بإطلاق النار على عناصر حماية السرايا الحكومية في السلمية (وهو بناء يضم مكتب مدير المنطقة والمحكمة) وأصاب عددًا منهم، وذلك بعد منعه من دخول المحكمة بسلاحه مما أدى إلى مشادّة كلامية بين الطرفين أعقبها إطلاق النار من قبل (غزوان) ومجموعته، بعد ذلك انسحب إلى مقره في الصبورة من دون أن يترتب على ذلك أي إجراء.

يقول بعض أهالي الصبورة إن (غزوان السلموني) قام مؤخرًا بترخيص محطة فضائية اسمها (شام) وتبث من السلمية، حيث دفع مبلغ خمسين مليون ليرة لترخيص المحطة.

بعد مجزرة المبعوجة التي قام بها تنظيم الدولة، في 31 آذار/ مارس 2015 وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء، قام النظام باعتقال (غزوان) وذلك بسبب هروبه وشبيحته من المبعوجة في إثر هجوم داعش، لكن بعد فترة قصيرة أُفرج عنه وأخلي من مسؤوليته، فعمّت الأفراح ناحية الصبورة حيث جرى إطلاق رصاص كثيف ابتهاجًا بهذه المناسبة (العظيمة)، حتى إن أحد الأهالي علّق ساخرًا: (لو أن هذا الرصاص اُستخدم ضد داعش في المبعوجة لما استطاعت أن تنفذ جريمتها).

يُعدّ عضو مجلس الشعب (فاضل وردة) هو المسؤول عما يُسمى ميليشيات الدفاع الوطني، أي الشبيحة، في ريف حماة الشرقي، ومقره السلمية، ومن المفترض أن يتبع له كافة الميليشيات، سواء في الصبورة أو غيرها، لكن الواقع أن قائد كل مجموعة هو رئيس عصابة، ويمارس عمله مستقلًا وبارتباط مباشر مع أحد فروع المخابرات.

في النهاية يمكن القول إن مفهوم الشبيحة تطوّر خلال فترة حكم بشار الأسد ليصبح أداة قمع رديفة ومساندة لأدوات القمع التقليدية، وإن الأعمال التي تُناط بها هي من القذارة والبشاعة بحيث تعفّ عنها، أحيانًا، بعض أدوات القمع التقليدية، ويمكن القول أيضًا أن الشبيحة في عهد بشار الأسد لم تعد بالضرورة تقتصر على طائفة محددة أو منطقة محددة، بل شملت جميع الطوائف وغطّت كافة مناطق سورية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]