براءة اكتشاف

2 مايو، 2017

فوزات رزق

أحد أدبائنا المفعمين بالروح القومية اكتشف مؤخرًا، وبلحظة تجلّ، اكتشافًا يستحق عليه براءة اختراع. ولمكانة هذا الاكتشاف المهم، رأينا نشره على الصفحات الإلكترونية وشبكة التواصل الاجتماعي، كي تعم الفائدة، لعل الروح القومية التي كادت أن تموت في نفوس النشء، تحيا من جديد. فقد اكتشف هذا الزميل الباحث أن سبب تأخرنا في سورية، وعدم قدرتنا على اللحاق بركب الأمم المتقدمة، وعجزنا عن تحرير الأجزاء المغتصبة من بلادنا الحبيبة، من لواء إسكندرون وكيليكيا؛ حتى عربستان وفلسطين وسبتة وملولة؛ إنّما يعود إلى اهتمام طلابنا في المدارس بالمواد العلمية، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، وغيرها من هذه العلوم التي لا يأتي منها غير وجع الرأس! وذلك على حساب مادة الثقافة القومية التي أهملها الطلاب أيّما إهمال، كما أهملها المدرسون.

جاء ذلك في حوار متخيل، نشره الزميل في الأسبوع الأدبي العدد 1456 تاريخ 13 أيلول/ سبتمبر 2015؛ إذ تخيل الزميل أنه قابل في الحلم قائد الثورة السورية الكبرى، المغفور له سلطان باشا الأطرش، وجرى بينهما حوار؛ وجّه فيه الزميل سؤاله إلى قائد الثورة عن سبب تخلفنا وانحطاطنا؛ فكانت الإجابة التي أقتطف منها ما نصّه بالحرف، وذلك على لسان قائد الثورة، مخاطبًا صديقنا الأديب:

“يا بني! يبدو أنكم لم تحسنوا زرع الثقافة وحب الوطن في أجيالكم؛ فكان هذا حصاد سوء الزرع. لقد أعطيتم الأولوية للتحصيل العلمي على حساب التحصيل الثقافي الوطني والقومي. انظر إلى اهتمام الطالب لديكم اليوم، فهو يكاد يقتصر على الاهتمام بتحصيل علامات في الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللغة العربية والفلسفة، وغيرها من العلوم، في حين غدت مادة الثقافة القومية والوطنية في مدارسكم وجامعاتكم في الدرك الأسفل من الاهتمام، فهي لا تعني للطالب شيئًا! وهل هنالك أسخف ممن استخف بالثقافة القومية والوطنية حين حوّلها إلى مادة أتمتة؟”.  

حين قرأت هذا المقال تبيّنت بعد نظر زميلنا وقدرته على قراءة الواقع الأليم، ووضع يده على الجرح. وقد تأكد لي ذلك من خلال تجربة شخصية حصلت لي. كان ذلك حينما كنت أقوم بزراعة بعض الخضروات في الحاكورة، فاستخدمت أوراق أحد الكتب المستهلكة في لف سيقان شتلات البندورة، كي أحمي سيقانها الضعيفة، من الديدان القارضة، وكانت المفاجأة أن أخذت الشتلات تنمو بسرعة فائقة. أدهشتني هذه الظاهرة العجيبة الخارجة عن قوانين الطبيعة؛ ما جعلني أبحث عن السبب الكامن وراء هذا النمو السريع. وحين عدت إلى الكتاب الذي انتزعت منه الأوراق كي أعرف السر؛ تبيّن لي أنه كتاب الثقافة القومية للصف الثالث الثانوي.

وخطر لي ساعتها أن أتبين الفصل الذي انتزعت منه تلك الأوراق؛ وإذ بي قد “هبشت” فصل منجزات الحركة التصحيحية كاملًا، بدءًا من إعلان قيام الجبهة الوطنية التقدمية، وانتهاء بحرب تشرين التحريرية التي أنجزنا فيها تحرير الجيب الذي احتلته القوات الإسرائيلية المعادية في تلك الحرب، مرورًا بالدستور السوري، وبخاصة المادة الثامنة الشهيرة.

ومما زاد في عجبي أن إحدى تلك الشتلات التي غرستها للتو، قد أثمرت رؤوسًا من البندورة لم أرَ مثيلًا لها في حياتي. فجازفت وأزلت التربة من حول ساق تلك الشتلة، وانتزعت الورقة التي لففت بها ساقها، وإذا هي تحتوي على النص الكامل لخطاب السيد الرئيس في مجلس الشعب، وهو الخطاب الشهير الذي عُرف في ما بعد بخطاب العهد.

فما كان من أم رباح إلا أن أزالت الغبار عن الورقة ولفّتها على شكل حرز كتلك التي كانت الوالدة تأتينا به، من بركات الشيخ أبي سلمان، وغلفته بقماش أنيق وأخذت تعيره حسنة عن روح أمواتها، لكل من أصيب بالصداع أو آلام المعدة. ولقد تبين لي من خلال هذه التجربة، كم كان زميلنا الأديب بعيد النظر في رؤيته، عن سبب تخلفنا، فاستحق على ذلك براءة اكتشاف.

ولله في خلقه شؤون

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]