مسارات الثورة في محطتي إدلب وحلب

2 أيار (مايو - ماي)، 2017
6 minutes

هشام أسكيف

بعد تخلخل قوة الثورة، وظهور فكرة تحرير إدلب، وتحرّك درعا على التوازي، وعجز النظام عن استرجاع الأرض وعن حماية ما تحت قدميه، كاد النظام أن يفقد كلّ أوراقه مع حليفته إيران وذراعها “حزب الله”؛ فجاء التدخل الروسي الذي إن لم يكن بمباركة غربية فقد كان مسكوتًا عنه، لأن الولايات المتحدة لا تريد أن يربح أحدٌ في الساحة السورية، وتريد للجميع أن يكونوا غارقين في المستنقع، لتصبح هي المُخلّص الوحيد، فتفرض الحل الذي يُرضي مصالحها.

هذا التدخل الإسعافي قلبَ موازين القوة، وفرض روسيا قوةً فاعلةً، كما ألحقت روسيا بها إيران (الزوج المخدوع) التي استقوت بروسيا من زاوية، وتجرعت مرارة الشراكة معها، من زاوية أخرى، وحاولت الهيمنة العسكرية على ما يعدّه كثيرٌ من مُنظّري الخامنئي “المحافظة الإيرانية الـ 35”.

لم يكن الروس، حينئذٍ، قد أنهوا تجميع المعطيات الكاملة عن طبيعة القوى المعارضة العاملة على الأرض، وبقي الثوار في حالة الصدّ حتى بلغت ذروة الهمجية الروسية بداية 2016 في ريف حلب الشمالي، لفتح الطريق إلى نُبّل والزهراء، وبعدها تسليم الشمال، أو أجزاء منه، إلى “قوات سورية الديمقراطية” التي كانت تجمع بين الدعم الروسي والأميركي لمناكفة تركيا.

عند مارع وإعزاز توقفت الضربات، وخففت تركيا من حدة لهجتها، وكانت ملفاتها الداخلية تُربك خطواتها التي اختتمت -كما رأينا- بمحاولة الانقلاب الفاشلة.

تجمعت كل الخيوط في الشمال السوري، ولوّح النظام أكثر من مرة بعملية استعادة حلب، ورفض الروس أو ناوروا، إذ لم يكونوا يريدون الدخول مع الأتراك في صراع مباشر في حلب، لكن المدينة تحمّلت كثيرًا من القسوة والإجرام الروسي والإيراني، وكانت قوات النظام مجرد ساعي بريد أو مؤدي خدمات عند الإيرانيين والروس، وفعلًا جاءت معركة الريف الجنوبي، واجتاحته الميليشيات الطائفية سعيًا من الروس للجلوس على طاولة جنيف وفيينا، وفي يدهم طريق دمشق – حلب الدولي، لكن نجح الثوار بالصمود ثانية.

لم يكن المقاتلون “صخرة” تتحطم عليها أحلام روسيا بالحسم، وإيران بالسيطرة، لكن ظلت قوى الثورة العسكرية، في حلب، تُعاني من فقدان استراتيجية الفعل ومنظومة القيادة والسيطرة التي تُشكّل أهم عوامل صناعة الإنجاز العسكري، وعلى الضفة الأخرى كان تحالف “جيش الفتح” يُحاول إثبات الذات في الإدارة المدنية، فنجح قليلًا وفشل كثيرًا، نظرًا إلى وجود بعضٍ من مكوناته لا تؤمن بفكرة الدولة أصلًا، بغض النظر عمّن يحكم هذه الدولة، أو بأيّ شيء تُحكم، وهو يُفكّر كثيرًا ومليًا في توسيع رقعة نشاطه، لكن إلى أين؟

بين جبال التركمان والساحل وريف حلب الجنوبي، كانت خيوط “جيش الفتح” تنسج رقعتها، وتحاول بسط السيطرة؛ فأذاقت الميليشياتِ الإيرانية مرارةَ الهزيمة في الريف الحلبي الجنوبي، وكسرت ما حاكه من أساطير، ولقّن الروس إيران درسًا في الطاعة، إذ تركوا الميليشيات من دون تغطية جوية تُذكر أو تغطية جوية بلا فاعلية؛ ما فتح المجال للمقاتلين و”جيش الفتح” في الوصول إلى مشارف الحاضر، أي نقطة البداية التي شنت منها ميليشيات قاسم سليماني هجومَها على حلب.

بقيت الفصائل كما هي، وفشلت في محاولاتها لتوحيد الصف، وكانت محاولاتها نسخًا من تجارب سابقة، ومشاريع على الورق أكثر من محاكاتها للواقع، ومنها ما كان طموحًا لدرجة الإنجاز، لكنّه اصطدم بعقبات مجملها كان السلطة الوهمية، وتحوّل القادة الذين أفرزتهم الثورة إلى حكام مقاطعات ومناطق نفوذ، فلا سلطة قضائية واحدة، ولا ضابطة عدلية واحدة، ولا شرطة مدنية، بل كان كل حاكم منطقة يُسيّر ما فيها من إدارات مدنية، كما يحب ويهوى، أو بطريقة لا تعاديه أو تنتقص من سلطته، وبقيت القوى الثورية المدنية تُحاول وتُصارع من أجل البقاء، وكانت الجدار الأخير الحاضنة الشعبية التي كادت أن تتململ من هذا الواقع المؤلم.

عسكريًا، صمد الجيش الحر في محاولات النظام وروسيا لقضمه، وتوقفت مؤتمرات جنيف، وكان على الفصائل الثورية دفع ثمن عصيانها الإرادات الدولية، لجلب الشعب السوري مرة أخرى إلى بيت الطاعة الأسدي أو نظامه، وكانت روسيا الرافضة معركة حلب تقتنص الفرصة لمناكفة أميركا وتركيا لكي تجلس معها الدول الغربية على أساس الشراكة في المصالح الاستراتيجية، وليس على أساس الفتات الذي كان يُرمى طوال العقود التي تلت انهيار الاتحاد السوفيتي، كل هذا دفع إلى اندلاع معركة سيطرة النظام على حلب، وكان ما كان.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]