أستانا الغارقة بدم الغوطة

3 مايو، 2017

هنادي الخطيب

مظاهرات، لهجة سورية، عبارات “الله أكبر” تتعالى شيئًا فشيئًا، رصاص حيّ لتفريق المتظاهرين.. انتظر.

انتظر! المظاهرات لم تخرج ضد نظام الأسد، ولم تهتف بالحرية. المظاهرات خرجت في الغوطة الشرقية ضد اقتتال الفصائل العسكرية المسيطرة هناك. ما حدث أن القتلى قارب عددهم المئة، واستُخدم الرصاص لتفريق المظاهرات التي طالبت تلك الفصائل بوقف الاقتتال، وقالت مصادر: إن ثمة إعدامات ميدانية نفذها جيش الإسلام في بعض المناطق، وعاد بعض السوريين الحالمين لسماع أغنية سميح شقير التي انتشرت في أول الثورة السورية “اللي بيقتل شعبو خاين”، عن أي شعب وعن أي قاتل كانت تتحدث تلك الأغنية التي دخل كل من سمعها علانية معتقل الأسد، واليوم سيدخل كل من يغنيها معتقل جيش الإسلام او فيلق الرحمن أو هيئة تحرير الشام.

ظهرت بيانات الفصائل المتحاربة، في غوطة دمشق، باهتة ومضحكة، حرب بيانات اتخذت الصفة الدينية شكلًا، والحفاظ على الدم شعارًا، ليكون الدين هو الغائب الأول عن القتل والإعدامات الميدانية التي مارسها جيش الإسلام وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام في ما بينهم؛ أما الحفاظ على دم السوري فهو الهمّ الوحيد الذي لم يخطر على بال أولئك القادة والأمراء المتحاربين، وبالطبع، غني عن القول أن النظام “العدو الأساس للسوريين ولتلك الفصائل المتناحرة على السلطة حسب ادعاء قاداتهم” بقي الضاحك والشامت متفرجًا على أعدائه، يصفون بعضهم ويقتلون مدنيين وعسكريين، ويطلقون النار على المظاهرات، وكأنهم ينافسونه بالوحشية والقدرة على القتل للحفاظ على كراسيهم.

لم يرضَ فيلق الرحمن بالوقوف جانبًا في حرب جيش الإسلام وهيئة تحرير الشام، فالعداء بينهما قديم، وبالطبع ثمة مئات من الضحايا سقطوا العام الماضي، وهم ينفذون فتاوى تحريضية لمن يسمون أنفسهم “مشرعون”، وبالتالي؛ يبدو أنه أدرك أنه سيكون الهدف التالي لجيش الإسلام الساعي للسيطرة على الغوطة الشرقية.

أما كذبة الخلاف العقائدي، وحرب الفتاوى التي انطلقت بين الأطراف المتصارعة، فالواقع والعقل يقول إنها الكذبة الأكثر ميوعة واستفزازًا للقاصي والداني، وتحول أهل الغوطة إلى مشروعات ضحايا سلاح إخوة لهم تحت تسميات دينية جوفاء بعيدة عن الحقيقة التي تقول “حب السلطة”، أو الاستجابة لترددات الصراع الدولي السياسي فوق سورية ورغبات الحكومات الداعمة لكل فصيل.

الكارثة -اليوم- أن أستانة تنطلق برئاسة أحد أبطال الاقتتال بين الفصائل في الغوطة، وهو الذي كان في جنيف الماضي رئيسًا لهيئة التفاوض، وكأن ما يحدث في الغوطة، وما سيحدث في أستانة، كل منهما في كوكب.

محمد علوش الذي تجاهل حرب الغوطة، في تغريداته، يترأس الوفد الذاهب إلى أستانة، أي أستانة التي يقولون إنها لوقف إطلاق النار بين النظام والفصائل المعارضة.

ربما يجب أن تكون تلك الأستانة ما بين الفصائل نفسها، وليبقَ النظام جالسًا على كرسي المشاهدين، يتفرج على إمكان الاتفاق ما بين الفصائل المتحاربة، وإمكان أن يجلس هؤلاء المتحاربون.

لكن السؤال البارز: هل ما حدث من اقتتال بين الأمراء كان مفاجئًا ومنفصلًا عن سياقه خلال السنين المريرة الماضية؟ في الواقع، وبنظرة سريعة وخاطفة، وبقبول كل التبريرات والتفسيرات، نجد أنها ربما المرة المئة التي يتقاتل بها قادات الفصائل المسلحة الحاملين لراية إسلامية شكلًا، على كل أرض سورية سيطروا عليها؛ وفي كل اقتتال كان السوريون المدنيون هم ثمن صراع القادة وفتاوى شيوخهم، ومثلهم المحاربون المصدقون أن هناك قيادة تسير بهم نحو الهدف الأسمى للسوريين، وهو الخلاص من النظام الأسدي وبناء الدولة السورية الواحدة المستقرة الآمنة؛ وفي كل مرة كنا نجد خيوطًا بل ربما حبالًا غليظة، تربط خلافات ولاة الأمر بتغيرات التفاهمات السياسية بين الدول المتصارعة فوق سورية.

كما أن أهم ما قامت عليه الثورة السورية التي يعود فضل تفجيرها إلى شبان وشابات المظاهرات السلمية الذين تصدوا للدبابات بصدورهم العارية، كان طرح المثال والنموذج الأرقى والأصح بعيدًا عن أسلوب النظام وإجرامه؛ لكننا، مع الأسف، لم نستطع تجنب سماع ورؤية معاناة السوريين تحت حكم كثير من قادات هذه الفصائل وبخاصة في الغوطة، ولا زالت كلمات أبو ليلى من عربين في الغوطة، وهو يصرخ غضبًا وحزنًا على جوع عائلته وأبقاره: “كنا ببشار واحد، صرنا بستين بشار”؛ ثم أتى الدليل الحاسم، يوم قررت قيادة جيش الإسلام استخدام النساء والأطفال المحبوسين في أقفاص دروعًا بشرية، بحجة، هي أوقح من الذنب، أنهم علويون، وأن النظام مارس أبشع من ذلك بكثير؛ وهنا يحار السوري سائلًا باكيًا: وهل ثرنا واستشهد أولادنا وبناتنا وبكت أمهاتنا وأباؤنا ليصبح نظام الأسد مثالًا أو مبررًا أو نموذجًا؟

لنعترف، بشجاعة ومرارة، نحن –السوريين- سكتنا على الأخطاء، وكذبنا على أنفسنا، وقلنا إنها أخطاء سنتجاوزها بعد أن يسقط النظام، لكن ها هو النظام مستمر، والأخطاء صارت جبالًا من الخطايا، وأهلنا السوريون في الداخل يدفعون الثمن باهظًا، فقط لأننا قبلنا أن نعطي الأولوية والتبرير لقيادات وأمراء وشيوخ وإعلام لم يمثلنا ولن يمثلنا.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]