‘المحلل السياسي ناصر تركماني لـ صدى الشام: أنقرة تملك خيارات عديدة إذا واصت واشنطن دعم الوحدات الكردية’

3 مايو، 2017

 

طرحَ التصعيد العسكري التركي ضد وحدات الحماية الكردية في شمال سوريا وردود الفعل الأمريكية على ذلك، تساؤلات عديدة حول مستقبل المنطقة، ومصير العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

وقد جاءت الضربات الجوية التركية الأخيرة ضد مواقع عسكرية تابعة للوحدات في سوريا “مفاجئة للجميع” على حد قول المحلل السياسي الخبير بالشأن التركي، ناصر تركماني.

وتطرق تركماني، في حوار مع صدى الشام، إلى تبعات ودلالات هذا التصعيد، معتبراً أن” نشر الولايات المتحدة لقواتها لا يعني حماية الوحدات من الضربات التركية”، مشيراً في الوقت ذاته إلى وجود حالة من الانقسام داخل حزب العدالة والتنمية، لجهة التعامل مع الملف الكردي السوري.

 

وفيما يلي نص الحوار:

– هل ستتجه تركيا للتصعيد العسكري ضد وحدات الحماية الكردية بدرجة أكبر من تلك التي حدثت في جبل كراتشوك بريف الحسكة؟

 

جاءت الضربات الجوية التركية مفاجئة، فقد توقعنا تصعيداً عكسرياً على منطقة سنجار بالعراق ضد حزب العمال الكردستاني، لأن تركيا تصر على ضرورة انسحاب هذا الحزب من هذه المنطقة تمهيداً لدخول قوات البمشركة إليها. أما ما شاهدناه من قصف تركي لمواقع عسكرية في “كراتشوك”، فقد جاء مفاجئاً للجميع داخل تركيا وخارجها، وذلك بسبب تواجد الولايات المتحدة الأمريكية والروس في هذه المنطقة التي تقع في المثلث السوري التركي العراقي، وباعتقادي فإن التحرك التركي كان رسالة للجميع أي للولايات المتحدة وروسيا وحزب العمال الكردستاني وجناحه الاتحاد الديمقراطي الكردي، أما عن التحركات التركية المقبلة فغالباً ستركز على منطقة سنجار بالعراق، أكثر من التركيز على مناطق في سوريا، لأن العمل عليها سيكون بالتنسيق مع القوات الدولية الموجودة على الأرض.

 

– ذكرت مصادر أن النقاط العسكرية التي استُهدفت في جبال كراتشوك، كانت إلى جانب قاعدة أمريكية، بالتالي هل قصدت تركيا توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى بهذه الضربة؟

 

هناك تواجد كبير للقوات الأمريكية في كامل المنطقة، لكن على ما اعتقد فإن سبب استهداف تركيا لهذه النقطة تحديداً، لكونها من أكبر مستودعات السلاح للوحدات.

 

– لماذا اختارت تركيا التصعيد العسكري بعد تمرير التعديلات الدستورية تحديداً، وهل بمقدرونا الحديث عن تعامل تركي غير مألوف مع الوحدات الكردية في الأراضي السورية؟

 

من وجهة نظري، هناك تياران داخل حزب العدالة والتنمية التركي، أحدهما يقول أنه بالامكان التفاهم مع أكراد سوريا، على غرار التفاهم الذي جرى مع إقليم كردستان العراق، والذي جعل من الإقليم حليفاً قوياً لتركيا، أما التيار الثاني فيذهب إلى القول بعدم نجاعة الحوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي، لأنهم ليسوا أكثر من جناح للعمل الكردستاني، ويتحدثون عن تجارب سابقة فاشلة معهم، ولا يزال الصراع قائماً بين هذين التيارين، ولم يحسم الأمر بعد في هذا الموضوع؛ هل نذهب بالحرب إلى النهاية؟ أم ينبغي علينا العمل لاحتواء هذا الحزب؟ أما عن شكل التعامل التركي المستقبلي، فقد قال الرئيس التركي يوم السبت “توقعوا أن ترونا في ليلة ما في مكان ما”!

 

 

– صحيح أن الرئيس التركي قال ذلك، لكن الولايات المتحدة نشرت قوات لها لمراقبة الحدود السورية التركية، بالتالي قد تكون واشنطن قطعت الطريق على تحركات عسكرية تركية قادمة ضد الوحدات، وكذلك طلبت من الوحدات التركيز على قتال التنظيم في الرقة والطبقة، وكأنها تؤكد لها بذلك أنه “لا تصعيد قادم ضدكم”؟

 

الولايات المتحدة الأمريكية تدلي بتصريحات مماثلة دائماً وهي غير جديدة، وهذا ما نسمعه منهم لدى حصول توترات كردية مع الجيش الحر، هي دائماً تطالب بتركيز القتال على تنظيم الدولة، مع أنها هي التي منعت الجيش الحر عن قتاله، بعد أن منعتهم من التوجه إلى الرقة، وهذا يضر بمصالح سوريا الواحدة وبمصالح تركيا، لأن ذلك يعني أن حزباً إرهابياً بنظر تركيا يتمدد على حدودها الجنوبية.

 

– ذهب بعض المحللين إلى قراءة التصعيد العسكري التركي الأخير ضد الوحدات على أنه تصعيد قد يسبق هدنة ما، هل تتفقون مع هذه الفكرة؟

 

صحيح أن الكثير من المحللين الأتراك ذهبوا إلى ذلك. تركيا تريد اختبار القوة الحقيقة للوحدات على الأرض، وكذلك هي تدرس قوة العتاد العسكري الذي تحتاجه في حال خططت لشن عمل عسكري بري واسع في منطقة ما.

 

– البعض قلل من أهمية الوجود العسكري الأمريكي على الشريط الحدودي التركي بسبب العدد المحدود للجنود والآليات، بالمقابل رأى آخرون في الخطوة رسالة أمريكية ذات أبعاد إلى تركيا، ما هي قراءتك لذلك؟

باعتقادي أن الوجود العسكري الأمريكي غير موجه لتركيا، وليس لواشنطن رغبة في خلق هواجس عند تركيا تخص أمنها القومي، الولايات المتحدة تريد أن تهدأ من روع الحليف الكردي.

 

– إذا نظرنا للأمر على أنه كذلك، فهي بالضرورة تحمل رسالة للطرف الذي يهدد الوحدات، أي تركيا أليس كذلك؟.

 

إلى الآن عجزت الولايات المتحدة عن حماية الوحدات الكردية، والعمليات التركية العسكرية مستمرة ضدها رغم الوجود الأمريكي في حلب وغيرها. القوات التركية تقصف مدفعياً، بشكل دائم، المناطق العسكرية للوحدات في محيط مدينة عفرين شمالي حلب، ولذلك فإن وجود الولايات المتحدة لا يعني أن هناك حماية ضد الاستهداف التركي.

 

 

– إدارة أمريكية جديدة من جانب، وتركيا جديدة دستورياً من جانب آخر أيضاً، بالتالي إلى أين تتجه العلاقات التركية الأمريكية؟

 

إن تركيا تنظر بإيجابية إلى إدارة ترامب، وتعتقد أن بمقدروها التفاهم معه بطريقة أفضل من سلفه باراك أوباما، لكن يبدو أن البنتاغون كمؤسسة أمريكية لديها توجه خاص لدعم المشروع الكردي في الشمال السوري، بعيداً عن إدارة ترامب التي تحاول خلق شراكة حقيقة بين المكونات السورية على الأرض، من خلال دعم المعارضة المعتدلة وما إلى ذلك.

 

 

– أعلن الرئيس التركي أردوغان، أنه عازم على فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة قبل زيارته إلى واشنطن منتصف شهر أيار، ما هي ملامح هذه الصفحة بتصورك؟

تركيا عازمة على البحث في كل علاقاتها السابقة إن كان مع الولايات المتحدة أو مع أوروبا. مشكلة الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية هي في عدم النظر إلى تركيا على أنها دولة فاعلة في المنطقة.

تركيا اليوم دولة قوية بجيش يزداد قوة بشكل يومي، ولديها صناعات سلاح متطورة من الطائرات إلى الصواريخ إلى القطعات البحرية والغواصات، وهذا سيؤدي إلى توسيع نطاق العمل العسكري لتركيا في المنطقة، إن كان في البحر المتوسط أو في البحر الأسود، وهذا يتطلب إعادة صياغة العلاقات الدولية.

 

– ترونها صفحة مبنية على الندية في التعامل، وليست “تحالفية” كما كانت من قبل؟

بكل تأكيد هي كذلك، الولايات المتحدة اليوم بحاجة إلى حليف إقليمي قوي لديه القدرة العسكرية على التحرك الفوري، بوجود كل ملفات المنطقة الشائكة في سوريا أو في العراق أو في مصر أو في أوروبا الشرقية. هذا التحالف مع تركيا إن كانت تريده الولايات المتحدة فلن يكون كما السابق عنوانه تحقيق مصالح لجانب واحد، تركيا تقول للولايات المتحدة إن كنتم تريدون تحقيق مصالحكم فتعالوا نبحث عنها وعن مصالحنا أيضاً. إن قواتنا في العراق وفي سوريا وفي الصومال ولدينا حلفاء في الخليج، لكن الإدارة الأمريكية السابقة لم تصغ لكل هذا وأصرت على اعتبار نفسها أنها القوة الوحيدة في المنطقة.

 

– يرى مراقبون أن وجود ترامب على رأس هذه الإدارة، وهو الشخص القادم من عالم المال، يجعل من الصعب أن تتخلى الولايات المتحدة عن تسخير الجميع لتحقيق مصالحها بما في ذلك تركيا؟

 

لنتحدث عن وضع الأطراف الإقليمية الأخرى، وأقصد هنا إيران المتهالكة والتي فشلت في إدارة الصراع العسكري في سوريا رغم وضع كل ثقلها، بالتالي من سيحقق لأمريكيا مصالحها؟ وتركيا تقول لن نحقق مصالحكم بدون مصالحنا.

 

– بالتوازي مع زيارة أردوغان إلى واشنطن، هناك حديث عن تحركات قريبة في مدينة تل أبيض، وتحضير لمعركة الرقة، هل يعني هذا أن الحديث عن عمل عسكري قادم تركي هو مؤجل إلى ما بعد الزيارة؟

 

سيترتب على هذه الزيارة اختيار الولايات المتحدة للشريك الحقيقي، وهي زيارة تاريخية بكل الأبعاد، والملف العسكري هو ملف واحد من مجموعة ملفات كبيرة أخرى، مثل قبرص، وموضوع تقاسم الحقول النفطية في حوض المتوسط، وخصوصاً مع ملاحظة تحركات إسرائيل باتجاه اليونان وقبرص.

 

– في حال رفضت واشنطن التخلي عن دعمها للأكراد، ما هي البدائل التي تمتلكها تركيا للضغط على واشنطن؟

لدى تركيا مجموعة من الخيارات، لديها التركمان ونفوذهم في كركوك بالعراق وفي الشمال السوري، لديها ملف إدلب وحلب. هي قادرة على تسليح كل هؤلاء بأسلحة نوعية. لديها قوى عشائرية تطالبها بالتسليح أيضاً، ولدينا روسيا كذلك، فأنقرة لم تضع كل أوراقها في السلة الروسية في الفترة السابقة.

 

– عسكرياً أيضاً، هل تعارض تركيا قيام أي إقليم كردي شمال سوريا، حتى لو كان شرق الفرات؟

إن سياسة تركيا واضحة، فهي تؤكد على أنها لن تسمح بعملية تغيير ديموغرافي في المنطقة، والكل يعلم أن الأكثرية السكانية في كل الشمال السوري هي أكثرية عربية، وتركيا تقول لا تكرروا أخطاء الماضي، وتعالوا نتشارك في بناء سوريا ديمقراطية، ثم إن  قوة الأكراد الحقيقة لا تساعدهم على فتح معركة بحجم الرقة. اليوم توقفت المعارك لعدم توفر العدد الكافي. لا يستطيع أحد تجاهل الأكثرية العربية في هذه المنطقة.

 

– اليوم يبدو من الواضح أن هناك انقسام في الشارع الكردي- الكردي، وخصوصاً إذا نظرنا إلى دعم غالبية الأكراد الأتراك لحزب العدالة والتنمية، مقابل عداء غالبية الأكراد في سوريا لتركيا، كيف تفسرون ذلك؟.

لا توجد مشكلة لدى تركيا مع الأكراد، مشكلتها مع حزب ومع أدواته. تركيا تضغط تجاه دخول قوات البشمركة السورية إلى الشمال السوري، وهي تحدثت إلى واشنطن صراحة بذلك، قالت لهم إن كنتم تصرون على دعم الطرف الكردي، فلكم أن تدعموا قوات البشمركة، ومن الممكن أن تغير الولايات المتحدة الأمريكية من موقفها قريباً.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]