شبح الحصار يخيّم على الغوطة الشرقية

3 مايو، 2017

في النصف الثاني من عام 2013، بدأت قوات نظام الأسد بتشديد الحصار تدريجياً على غوطة دمشق الشرقية، لكن ومع مرور الوقت تمكّن الأهالي من إيجاد بدائل تخفّف من هذا الحصار أو تكسره بشكلٍ جزئي.

وبقي الأمر على هذه الحال خلال السنوات الأربع الماضية، إلى أن أطلق النظام حملته العسكرية مؤخراً، ليقطع بذلك شرايين الحياة القليلة للغوطة، ولتبدأ معاناة من نوع آخر بالنسبة للسكان.

ويعيش في غوطة دمشق ما يزيد عن 350 ألف مدني بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، ويعاني هؤلاء اليوم من ظروفٍ اقتصادية سيئة بسبب اشتداد الحصار عليهم، وسط إقفال جميع المعابر والأنفاق، وهو ما دفع منظمة الأمم المتحدة للإعراب عن قلقها من الوضع المتدهور، ومن الظروف الإنسانية للمحاصرين.

 

ماذا حدث؟

في مطلع شهر شباط الماضي، وبعد تراجع مقاتلي المعارضة عن جبهات العاصمة دمشق، وفشلهم في اقتحام منطقة العباسيين، شنّت قوات الأسد هجوماً معاكساً على الأحياء الشرقية، ومنها جوبر والزبلطاني والقابون وبرزة وتشرين، في محاولة لاستعادة السيطرة عليها، الأمر الذي انعكس سلباً على المدنيين في الغوطة، وذلك لأن الأنفاق التي تربط الغوطة بأحياء العاصمة لم تعد متاحة.

وقال الناشط الإعلامي المقيم داخل الغوطة أبو عمر معاذ لـ “صدى الشام”: “إن فصائل المعارضة تمكّنت بعد حصار الغوطة السابق من شق أنفاق تربطها بأحياء دمشق الشرقية، وإدخال الأغذية والأدوية وكل ما يحتاجه المدنيون داخل الغوطة عبر هذه الأنفاق”.

وأضاف معاذ أن معظم هذه الأنفاق باتت اليوم ضمن مناطق اشتباكات مع قوات النظام ويستحيل استخدامها في إدخال أي مواد إلى داخل الغوطة.

وأضاف أن هذه الحالة أدّت إلى اشتداد وتيرة الحصار على المدنيين داخل الغوطة. وكشف الناشط أن “أحد التجّار كان يتعامل مع النظام في معبر مخيّم الوافدين في ريف دمشق، وكان يقوم بإدخال الأغذية والاحتياجات الأساسية للغوطة الشرقية، لكن التاجر لم يعد بإمكانه العمل اليوم بسبب إيقاف إمداد الغوطة بأي مواد”.

من جهته أوضح مازن عمريط، منسق فريق نور لكسر الحصار، أنه كان في الغوطة عدد من الأنفاق موزّعة بين عربين وزملكا وحرستا، وأضاف في تصريح لـ صدى الشام أن الغوطة تحتوي على كميات من المواد الأساسية تكفي لحوالي ستة أشهر، لكنه أشار إلى أن أسعارها بدأت بالارتفاع بشكلٍ كبير.

 

 

أسعار كاوية

ترافق فقدان المواد الأساسية مع غلاء فاحش في أسعار ما تبقّى منها، ووفقاً لما رصدته “صدى الشام”، فإن ثمن كيلو الفول على سبيل المثال وصل إلى 300 ليرة سورية، والكوسا 350 ليرة سورية، والخيار 1200 ليرة، والبندورة 1500 ليرة، والبقدونس 200 ليرة.

وقد تعدى الأمر الخضراوت إلى بقية المواد الغذائية، ووصل سعر كيلو الطحين إلى 1200 ليرة، وربطة الخبز إلى 850 ليرة، وزيت القلي 2800 ليرة، والسكر 3200 ليرة، والأرز 2200 ليرة، وحتى سيجارة الحمراء الواحدة بلغ سعرها 400 ليرة.

أما الأدوية فبات أكثر من نصف أصنافها الأساسية غير متوفر، وما تبقّى من أنواع ارتفع سعره بمعدل 5 أو 6 أضعاف، وبلغ سعر حفاضة الأطفال الواحدة 300 ليرة سورية، وفُقد حليب الأطفال بشكلٍ شبه كامل، وبلغ سعر ليتر المازوت الواحد 2600 ليرة، والبنزين 3200 ليرة، وجرّة الغار 5 آلاف ليرة.

وبالتزامن مع فقدان المواد وغلاء أسعارها بدأت مدن الغوطة المحاصرة تشهد حركةً اقتصادية غير طبيعية في تداول العملات، إذ أن سعر الدولار انخفض أمام الليرة السورية إلى 450 ليرة في حين يبلغ في العاصمة دمشق حوالي 550 ليرة، وهو ما يشير إلى أن العملة السورية تتناقص بشكلٍ كبير داخل الغوطة نتيجة قلة المواد الغذائية، وانخفاض عدد الشركات التي كانت تعمل في مجال تحويل العملات.

وقال مازن عمريط، منسق فريق نور لكسر الحصار: “إن معظم شركات الصرافة والتحويل توقّفت عن العمل لأن تحويل الأموال من الخارج كان يتم عن طريق الأنفاق والمعابر التي أُغلقت أساساً وبات عملها محدوداً جداً”، موضحاً أن أجور التحويل بلغت 30% من قيمة الحوالة المالية وهو رقم مرتفع جداً.

 

نهاية “حاجز المليون”

كل المؤشرات تقول أن نظام الأسد يسير وفق متكاملة شرقي العاصمة، بغية إطباق الحصار على الغوطة الشرقية، سعياً إلى القيام بعملية تهجير على غرار ما حصل في عدّة مناطق محيطة بالعاصمة.

واللافت في الظرف المستجد في الغوطة أن الأمر لم يتوقّف عند صعوبة الوصول إلى الأنفاق وإدخال الأغذية عبرها، بل امتد إلى تغيير تشكيلات عسكرية كان النظام قد وضعها سابقاً واتضح أنها تمرر بعض المؤن مقابل مكاسب مالية.

وقال عمريط: “إن قوات النظام سحبت حواجز الحرس الجمهوري التي كانت تحاصر الغوطة وتتقاضى الرشاوي مقابل إدخال المواد الأساسية إليها، ووضع بدلاً منها عناصر من الفرقة الرابعة” مشيراً إلى أن الأخيرة لديها أوامر صارمة بعدم إدخال أي مادة مهما كان حجمها أو المبلغ المدفوع مقابل إدخالها.

وبذلك تكون أبرز الطرق التي يستخدمها الأهالي لتخفيف الحصار قد انتهت، وبات الواقع صعباً للغاية وأصبح الحصار أشدَّ قسوة.

وكان محيط الغوطة قد شهد تواجداً كبيراً لحواجز تابعة لنظام الأسد عرف أحدها باسم “حاجز المليون” في إشارةٍ إلى حصول القائمين عليه على الملايين مقابل إدخال الأغذية إلى المحاصرين.

 

 

احتكار

اضطر الكثير من الأهالي لتخزين المواد بسبب الخوف من اشتداد الحصار أكثر، وهو ما ساهم برفع أسعار المواد.

يقول أبو مُهاب، وهو أحد سكّان سقبا لـ “صدى الشام”: “لجأت إلى شراء كميات تفوق الحاجة العادية من المواد الغذائية”، وأضاف أنه لاحظ ارتفاع الأسعار بشكلٍ كبير خلال أيام إلى أن بلغت الضعف، مشيراً إلى أن ربطة الخبز ارتفعت فجأة من 150 ليرة على 400 ليرة سورية.

ويرى رجل آخر يعيش داخل الغوطة، رفض ذكر اسمه: “أن الحالة النفسية تساهم بتشديد الحصار أكثر مما هي في الواقع على الأرض”، شارحاً أنه بمجرد انتشار أي أنباء صحيحة أو مغلوطة حول الحصار يقوم معظم الناس بشراء كميات كبيرة من المواد وتكديسها، بينما يقوم التجار بوضع المواد والسلع التي بين يديهم في مستودعات بهدف بيعها لاحقاً بمبالغ خيالية”.

وهنا لا بد من الوعي إلى ضرورة أن يقوم كل شخص بشراء ما يحتاجه من مواد، ليتم تقسيم ما بقي من موارد الغوطة بين الناس، منعاً لحصول حالات جوع على نتيجة تكديس مواد غذائية من قبل مواطنين على حساب آخرين.

 

أمن غذائي زراعي

في منطقة كالغوطة الشرقية يمكن للزراعة أن تكون سبباً رئيساً في تحقيق أمن غذائي يغنيها بدرجة كبيرة عن استهلاك السلع وعمليات البيع والشراء.

وبحسب بيانات أوردها “المنتدى الاقتصادي السوري” فإن المساحة المزروعة داخل الغوطة الشرقية كانت تُقدّر بحوالي 110 كيلو متراً مربّعاً، وهذا الرقم من إجمالي المساحة المحرّرة من الغوطة والتي تُقدّر بحوالي 185 كيلو متراً أي أن أكثر من 60% من مجمل الغوطة مزروع سابقاً.

لكن وبعد سيطرة نظام الأسد على مساحات واسعة من الغوطة تقلّصت نسبة الأراضي المزروعة بشكلٍ كبير، الأمر الذي دفع الكثير من المواطنين إلى زراعة حدائق وأسطح منازلهم.

وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ صدى الشام فإن انحسار هذه المساحة يمثل منحى خطيراً، مضيفةً أن معظم الإنتاج الزراعي “فردي ومنزلي”، بينما قلّت بالمقابل نسبة المحاصيل التي تنتجها الأراضي الزراعية.

لكن هذه المصادر لفتت إلى أن موسم الحصاد الصيفي القادم قد يُنقذ الغوطة بشكل محدود ويُساهم إلى حدٍ ما بتخفيف الحصار المفروضة على المدنيين.

وتُعتبر المساحة المزروعة أمراً مهماً في الغوطة ليس بسبب الحصار وحده، وإنما لأن معظم سكّان الغوطة اليوم هم تحت خط الفقر، وهم بحاجةٍ ماسة إلى الزراعة لتأمين قوتهم اليومي لأن متوسّط الدخل المحدود يحول دون قدرتهم على شراء المنتجات المختلفة بأسعارٍ باهظة فرضتها ظروف الحصار.

 

 

معنويات

يُؤكّد الناشط الإعلامي أبو عمر مُعاذ  أن نفسية الناس تغيّرت إلى الأسوأ، وبات هذا الأمر ملموساً ومن الممكن ملاحظته بشكل مباشر خلال التجوّل في الغوطة، مضيفاً أنه حتى قبل اشتداد الحصار فإن عدداً كبيراً من السوريين كانوا يعتمدون على زراعة أراضيهم وكانت معنوياتهم مرتفعة لمواجهة الحصار، وأشار إلى أنه “مع ارتفاع أسعار معظم المواد إلى مستوى جنوني، وفقدان بعضها أصبح الجو العام في الغوطة بين المدنيين أكثر سوءاً من قبل”.

وأضاف أن الحياة تتواصل فيما يخص استمرار المدارس والمؤسسات الأخرى، لكنه أشار إلى أن حركة الأسواق شهدت تباطؤاً بسبب قلّة العرض على السلع والزيادة الكبيرة في الطلب عليها من قبل المواطنين.

ولفت إلى أن الجمعيات والمنظمات التي تنتشر بكثافة داخل الغوطة تقوم بتوزيع المساعدات على المدنيين بشكلٍ محدود، لكن ليس كما هو مطلوب بما يوفر تقديم الإغاثة إلى 350 ألف مواطن، وطالب بضرورة التحرّك لحماية الأنفاق من المعارك في جهات القتال، أو إيجاد ثغرة جديدة لكسر الحصار، معتبراً أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه وأُطبق الحصار على الغوطة بشكلٍ تام فسوف يكون هناك السيناريو الأسوأ، ألا وهو الضغط والتجويع ثم التهجير.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]