الوجودية


جيرون

هي منهج في التفكير، ظهر بعد الحرب العالمية الأولى، ونما وأصبح تيارًا فلسفيًا، له أسلوبه في فهم الذات الإنسانية، ووجود الفرد وقيمته ودوره بالحياة، وينطلق هذا المذهب الفلسفي، في التفكير، من أهمية الإنسان في الوجود.

رأى البعض أن الوجودية ردة فعل على حجم الخسائر الكبيرة في الأرواح التي سببتها الحرب العالمية الأولى في أوروبا؛ فأخذ المفكرون -حينئذ- يقدمون أفكارًا جديدة، عن طريق الأدب والمسرح والشعر، تُبرز حرية الفرد وقدرته على التفكير والاختيار، وساعد هذا في انتشارها على مستوى أوروبا، وعدّها البعض منهجًا عدميًا، أو فلسفة عدمية، تشكك في أصل الوجود، وترى أن الإنسان لا يحتاج إلى موجّه خارجي.

بدأت تلك الأفكار بالظهور في القرن التاسع عشر، على يد الفيلسوف الدنماركي “سورين كير كغارد” الذي عُدّ مؤسسَ الوجودية؛ وذلك لمخالفته أفكار هيجل وغيره، تلك التي لم تعطِ أهمية لوجود الفرد ودوره.

يرى أتباع هذا التيار الفلسفي أن على الإنسان التخلصَ من أعباء الأفكار التي تقيده، سواء كانت اجتماعية أو دينية أو غير ذلك، ويعدّون المعتقدات الدينية، والنظريات الفلسفية والاجتماعية السائدة، عاجزةً عن إيجاد حلول لما يعترض حياة الإنسان.

انتشرت هذه الأفكار، بعد الحرب العالمية الثانية، في فرنسا؛ وكان الكاتب والفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر” أحدَ أهم الفلاسفة والكتاب الذين ساهموا في انتشار هذا الاتجاه من الفلسفة، وخاصة من خلال ما كتبه للمسرح، وكذلك فعل المفكر الفرنسي “غابرييل مارسيل”.

يستند الوجوديون، في فهمهم وتحليلهم للواقع، إلى أن التجارب هي التي تصنع الواقع، وليس التصور المسبق له، ولهذا يعتقدون أن العقل، مهما كانت قدراته، لا يستطيع معرفة الوجود بدقة، ولا يقدم الحقائق، ويرون أن الإنسان يحصل على المعرفة من خلال الممارسة الفعلية للواقع.

رفضت الوجودية التسليمَ بأهمية ما يكرسه التاريخ، ودعت إلى التمرد على كل ما يُعيق تفكير الإنسان، وهذا ما ذهب إليه “سارتر” وغيره من فلاسفة، وبذلك وصفها البعض بأنها تيار إلحادي لرفضه الدين.

تمرد تيار من الوجوديين على سلطة الكنيسة، ورأى أن الأديان عاجزة عن حل مشكلات الإنسان، وذهب إلى التركيز على وجود الإنسان، ودوره وحياته وعلاقته بذاته وبالوجود، وخوضه مسيرة حياته بحرية مطلقة، خارج كل القيود المفروضة أو المُعيقة له، وهذا التيار الفكري هو أكثر ما يميز الوجودية.

ذهب تيار آخر من الوجودية إلى أن الإيمان يُريح الإنسان، وأن حرية الفرد تقوده إلى معرفة الرب، وأهم مفكري هذا الاتجاه هو الفرنسي “مارسيل”، وأطلق البعض على هذا المذهب اسم الوجودية الدينيّة، لكنها بقيت متواضعة الانتشار، وبقي التيار الذي يرفض الموروثات الدينية والاجتماعية والأعراف والتقاليد الاجتماعية، والأفكار الفلسفية التي اعتمدت المنطق والتحليل، هو السائد.




المصدر