مناطق “تخفيف التصعيد” مناورة روسية لكسب تأييد أميركي


جيرون

توافقت أمس الدول الضامنة على المقترح الذي قدمته روسيا بإقامة مناطق “تخفيف التصعيد”، في الجنوب السوري وريف دمشق وإدلب وشمال حمص، ووقع ممثلو إيران وتركيا وروسيا، مذكرة بهذا الشأن، يبدأ تنفيذها السبت.

وأثار التفاهم الثلاثي تساؤلات عدة، حول ماهية هذه المناطق، وما الذي يميّزها عن المناطق الآمنة التي تسعى واشنطن لإنشائها، وما هي القواعد التي تضبط هذا الاتفاق، وآليات التنفيذ، وبحسب المذكرة الروسية “يشرف على المناطق الهادئة ويراقب سير عملها فريق يدعى (فريق العامل المشترك)، وسيتولى حصر حدود نزع السلاح في هذه المناطق، ودوائر التصعيد، والحدود الآمنة، بناء على تعاريف لحدود هذه المناطق تضعها الدول الضامنة لوقف النار، وعلى رأسها إيران”.

حول هذا الاتفاقية وتداعياتها، قال المحلل السياسي والعسكري العميد الركن أحمد رحال لـ (جيرون): “لا يوجد في القانون الدولي اتفاقية تدعى مناطق تخفيف التصعيد أو مناطق هادئة، كذلك ليس هناك محدّدات لهذا المسمّى الجديد، وهو اقتراح منقوص غير واضح المعالم والأهداف، فهل يعني تخفيف التصعيد تخفيف القتل مع استمراريته؟ هل سيضمن تخفيف التصعيد الذي تطرحه روسيا، وقف القصف أم تقليص الضربات الجوية؟ هل سيكون من ضمن شروط إحداث هذه المناطق حظر للطيران ومنع استخدام السلاح الثقيل والدبابات كما في المناطق الآمنة؟”.

أضاف: “لا يضع المقترح بالحسبان عدم التوزان بين القوى المتحاربة، لأن قوات النظام والقوات الروسية تمتلك طائرات استطلاع وطيران حربي، في المقابل لا تملك المعارضة المسلحة السلاحَ الذي يمكّنها من مراقبة الخروقات”، مشيرًا إلى أن “مقترح هذه المناطق هو لعبة روسية، هدفها الاستفراد بالملف السوري، وكذلك هي لعبة على الجغرافيا، لأن هناك مناطق حساسة غير مُدرجة في خطة مناطق تخفيف التصعيد”.

وعدّ رحال أن موسكو تحاول مهادنة الولايات المتحدة، وتلتف على طلب أميركا بإحداث مناطق آمنة، لكي تكون شريكًا رئيسًا في الحل، وأكمل: “تحاول روسيا إبداء حسن النية لأميركا، عبر موافقتها على بعض الشروط، ولكن تبقى إيران هي نقطة الفصل والخلاف بين القوتين، لأن أميركا لن تسمح بتوغل إيران في سورية على المدى البعيد، بعكس ما تقوم به روسيا حاليًا”.

من جهة أخرى، أكد القاضي رياض علي أن اتفاقية مناطق تخفيف التصعيد هزيلة وهشة، وأن احتمالات تنفيذها صعبة، وقال لـ (جيرون): “لا يوجد أي نص في القانون الدولي يمنع تغيير أسماء الاتفاقيات والمعاهدات أو وضع أسماء بديلة لها، طالما أن الغاية هي تخفيف التوتر، فوقف التصعيد يمكن أن يكون مقترحًا قانونيًا، ويُعمل به في حال توافقت عليه الأطراف، وصاغت له قواعدَ ومحددات، ويكسب شرعية إضافية لو أنه حظي برعاية أممية صارمة، بمحاسبة كل من يخرق الاتفاق وفقًا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإلا فإن هذا المقترح سيكون حبرًا على ورق”.

وأضاف قائلًا: “تكمن المشكلة في إدارة مناطق تخفيف التصعيد، وهذا مما لم تحدّده المذكرة، وبقي مُبهمًا. منْ سيدير هذه المناطق؟ بالإضافة إلى إدراج المذكرة لشرط تعاون قوات المعارضة وقوات النظام كلتيهما على محاربة الإرهاب ومجمل التشكيلات التي صنفتها الأمم المتحدة على أنها إرهابية، من دون تحديد شكل هذا التعاون وآلياته”.

في السياق ذاته، أشار علي إلى تخلّل الاتفاقية تناقضات عدة، وفندها بقوله: “أوردت المذكرة أن المناطق الهادئة ستشتمل على قوات فصلٍ تكون تحت إشراف الدول الضامنة، أو عناصر من الدول الضامنة، أو من السوريين تحت مظلة الدول الضامنة، واستبعدت قوات حفظ السلام المُتعارف عليها دوليًا تحت إشراف الأمم المتحدة، كما طرحت المذكرة أن هذه المناطق ستكون مناطق منزوعة السلاح، وستُصادر منها جميع أنواع الأسلحة، ومن ثمّ ركّزت على أن المجموعات المعتدلة ستقاتل جنبًا إلى جنب أو بالتعاون مع النظام لضرب المتطرفين”.

ووفقًا للقانون الدولي، فإن المناطق الآمنة هي مناطق معزولة عن النزاعات العسكرية، تُفرض في أثناء النزاعات المسلحة بالاتفاق مع الدول المتحاربة، ويستوجب إنشاؤها قرارًا من مجلس الأمن الدولي، وحظرًا للطيران، ووجود قوات حفظ سلام على الأرض تحت إشراف الأمم المتحدة.

يثبت طرح المناطق الهادئة أو مناطق تخفيف التصعيد وجود إيران على الأراضي السورية كونها طرفًا ضامنًا لوقف النار، وهو ما لنْ تقبل به المعارضة التي علّقت مشاركتها في محادثات أستانة في اليوم الأول، وانسحبت من المفاوضات في اليوم الثاني، وعدّت ما يجري على الأرض أبعد ما يكون عن تطبيق أي هدنة أو اتفاقية تقود إلى انتقال سياسي جدي، وبحسب رحال، فإن “(فريق العامل المشترك) الذي سيتولى ضبط اتفاق مناطق تخفيف التوتر بعد انتهاء الدول الضامنة من وضع حدودها، في 22 أيار/ مايو الحالي، غير معروف، والتسمية يشوبها الغموض والإرباك.




المصدر