بيع الرئيس!

7 أيار (مايو - ماي)، 2017

5 minutes

إبراهيم صموئيل

تثير الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة -أو أيّ انتخابات ديمقراطية في العالم- شجونًا وأسى مريرًا لدى السوريين بعامّة، وتحرّك في أعماقهم مواجع قديمة متجدّدة، وكأنما كُتب على أجيالٍ بعد أجيال، في هذا البلد، أن يقضي أفرادُها دون أن ينعموا بالاختيار، ولو مرة واحدة.

بمجرَّد أن يسأل سوريٌّ سوريًّا عن رأيه بانتخابات الرئاسة الفرنسيّة -أو أيّ انتخابات رئاسة أوروبيّة- وعن الفائز فيها؛ فإنّ ذلك يكفي لكي تستدعي ذاكرة المسؤول شريطًا طويلًا من مآسٍ ومهازل، لا بسبب ما جرى في الانتخابات الفرنسيّة، بل بسبب ما لم يجرِ في سورية، ولا جرَّبه شعبُها يومًا.

بالتأكيد، لستُ بصدد عقد مقارنة بين انتخابات رئاسيّة في بلدين، لسبب أوضح من الواضح، وهو عدم وجود انتخابات في سوريّة المخطوفة أسديًّا، لا على صعيد الرئاسة فحسب، بل حتى على مستوى رئيس بلديّة أو مختار أصغر حيّ في البلد.

لم يعرف الشعب السوريّ، ولا جرَّب -طوال تسلّط آل الأسد- انتخابات رئاسيّة، على أيّ صفة جاءت هذه الانتخابات، شكليّة، تهريجيّة، مفضوحة النتيجة مسبقًا، خاضعة للمال السياسي، أو التزوير، أو التضليل الإعلامي… أم كانت نزيهة، ديمقراطيّة، حرّة، متَّسمة بالشفافيّة… إلخ.

الانتخابات -في حدّ ذاتها- مُلغاة من حياة السوريّين وتجاربهم، إذ فُرض عليهم إجراء البيعة فرضًا – مدةً رئاسيّةً تلو مدّةٍ – خلال حياة الأب، ثمَّ تابع الابن التقليدَ الاستبداديَّ الذي ورثه عن أبيه، حتى يومنا الحالي. والبيعة -كما هو معلوم- تقوم على سؤال السوريّ: هل تقول: نعم، لشخص واحد وحيد يصير رئيسًا للبلاد، أم تقول: لا، فتبقى البلاد بلا رئيس؟

وبسبب من رسوخ وقوة الديمقراطيّة، وفتح أبواب الاختيار الحرّ أمام السوري، قال الأسد الأب    -في خطاب متلفز له- في مناسبة إحدى مبايعاته: إنَّ الحياة السياسيّة في سوريّة هي أكثر ديمقراطيّة مما هي عليه في الولايات المتحدة الأمريكيّة، لأنّ لدى الأخيرة حزبين فقط، في حين أن لدينا نحن سبعة أحزاب في الجبهة الوطنيّة التقدّميّة. وبالطبع، صفّق الأتباع الحضور تصفيقًا حارًا لفكرته العبقريّة، وما زال الحيّ منهم يصفّق حتى الآن.

وحقيقة البيعة، أنْ يُقاد العمال والفلاّحون والحرفيّون والموظّفون ورجال الجيش والشرطة والطلبة وأعضاء الاتحادات المُنسَّبون بالقوة وكلّ من كان تحت أنظار رجال المخابرات وأيديهم.. إلى مراكز مُحدَّدة لهم -بهدف التنظيم الحضاريّ طبعًا وليس المراقبة، لا سمح الله- حيث يقف الشبّيحة على المداخل والأبواب، حاملين الدبابيس -بلى الدبابيس جمع دبّوس- لثقب الإبهام والبصم بالدم تعبيرًا عن افتدائهم القائد العظيم، المفدّى، والوحيد!

هل من عقل يعقل إجراءً “انتخابيًّا” يتضمّن انفراد رجل واحد برئاسة البلاد، وطرح سؤال واحد على الملايين: هل تبيعونه أم تبايعونه؟ ليس سخرية منّي بمقام الأسدين أن قلتُ: هل تبيعونه؟ لأنّ عامة الناس لم يدركوا المعاني الفلسفية والسياسية العميقة للبيعة، فإذا ما سُئل أحدهم: أين أنت ذاهب؟ كان يُجيب: أنا ذاهب لأبيع الرئيس.

وهكذا، حُرِمَ السوريون -على مدار عقود، وبتسلّط القوة الطاغية- من تذوّق طعم الانتخابات، أو معايشتها، أو الخوض في مجرياتها، أو تجريبها، أو مقاربتها، أو التعرّف إلى ملامحها، لا مزوّرة ولا نزيهة، لا مُلفَّقة ولا طليقة، ولا بأيّ صيغة من الصيغ التي تمتُّ بصلة، إلى اكتساب الخبرة السياسيّة.

حُرم السوريّون، وحُكموا بالحديد والنار والتجويع والترهيب… ثمَّ يطلع لك -سواء كان من السوريين أو العرب- مَنْ يستنكر ضعف الخبرة في ممارسة الحياة الديمقراطية لدى المعارضة السوريّة، ويحتجُّ على عدم استطاعتها بناء البديل المُقنع لقيادة البلاد.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]