الأوردن مونديال: البحرين.. القُطر الذي لم يحي فيه الربيع العربي ولو ليوم واحد


نشر موقع “الأوردن مونديال” الإسباني، المختص في التحاليل الدولية، دراسة بتاريخ غرة أيار/ مايو سنة 2017، دراسة للكاتب ديفيد هيرنانديز، المتحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كومبلوتنسي بمدريد. سلطت هذه الدراسة الضوء على الوضع السائد في البحرين، بعد مرور خمس سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي، وتطرقت إلى الأحداث التي أكدت أن الأرخبيل البحريني خاضع لدائرة نفوذ القوى الإقليمية في المنطقة.

وتناول الكاتب في هذا التقرير الحديث عن الأوضاع في البحرين التي لا زالت التوترات الاجتماعية مهيمنة على ساحتها الوطنية. وتتزامن هذه التوترات مع تصعيد الخطاب الطائفي والانتقادات الضمنية للعائلة الملكية، وهو ما يمكن أن تكون له آثار غير متوقعة على العلاقات الإقليمية، خاصة في ظل نزاع الهيمنة القائم بين إيران والمملكة العربية السعودية.

وأشار الكاتب إلى أن السلطات البحرينية تشدد الرقابة على المواطنين وعلى الحراك الاجتماعي في شوارع البلاد خوفا من تدهور الوضع. فضلا عن ذلك، يوجد حضور أمني مكثف من خلال انتشار شاحنات الشرطة والجيش في الشوارع الرئيسية للعاصمة وهو ما يضيق الخناق على الناشطين والمواطنين. كما ضاعفت السلطات الأمنية من عدد نقاط التفتيش، التي يقف فيها عناصر الشرطة لمراقبة المواطنين عن كثب والتثبت من هوياتهم وفحص حقائبهم، إذ لا تتجاوز المسافة الفاصلة بين نقاط التفتيش 300 متر.

وبين الكاتب، أنه في ظل هذه المراقبة المشددة، لجأ المواطنون البحرينيون إلى طرق خاصة للتعبير عن التزامهم بالمكافحة من أجل الحرية. فيوميا تشهد ساحة اللؤلؤة، التي أصبحت تحمل اسم ساحة الثورة، منذ سنة 2011، زيارة أشخاص يحنون إلى الثورة وملتزمون بالدعوة إلى معانقة الحرية في البحرين. وفي إطار الممارسات “المقدسة” والعفوية لهذه المجموعة، يضع كل زائر لهذه الساحة وردة حمراء وأخرى بيضاء، وهي ألوان العلم البحريني، وبينما يواصل واضع تلك الورود مسيرته وسط تعالي شتائم وصراخ عناصر الشرطة الذين يرقبون حركة المارة في كل زاوية.

وقدم الكاتب مثالا حيا عن هؤلاء المواطنين، وهي طالبة الطب، مضاوي، التي تواظب على الممارسات “المقدسة” في ساحة الثورة. في السابق، كان ينتاب الفتاة الشعور بالخوف كلما مرت بتلك الساحة، أما اليوم، فقد زال هذا الشعور ولم تعد تربكها مراقبة الشرطة لها باهتمام. وفي الآونة الأخيرة، عززت البحرين الإجراءات الأمنية، لتجعل شعبها، الذي يشهد اضطراب وتوتر، يتنكر في زي الاستقرار والهدوء والنظام. وقد دأبت السلطات على إظهار هذه الصورة، كلما تم الإعلان عن زيارة أحد حلفائها من قادة العالم، وهو ما حدث تماما عند زيارة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي.

وفي هذا السياق، أكد الكاتب أن البحرين تحرص على أن لا تضع نفسها في موقف محرج أمام ممثلة حليفها التاريخي بريطانيا. وعلى خلفية هذه الزيارة، قادت حكومة البحرين حملة اعتقالات شملت العديد من الناشطين الحقوقيين والسياسيين. وبهذه الطريقة، تحولت البحرين إلى بلد مستقر تلجم فيها الأفواه ويكتم فيها صوت أي ثائر.

وأشار الكاتب إلى أزمة الصواريخ في كوبا، التي كانت من أكثر اللحظات حرجا في إطار الحرب الباردة، عند عقد مقارنة لبيان أوجه الشبه بين كوبا خلال سنة 1962، والبحرين خلال سنة 2011. وبالعودة إلى التاريخ، أيقن الأخوين كاسترو، في سنة 1962، أن أي تحول داخلي أو تحالف دولي، سينتج ردة فعل قوية من جهة موسكو وواشنطن على حد السواء. ومن هنا يبدو جليا أن التاريخ قد أعاد نفسه خلال سنة 2011، ليتكرر بذلك السيناريو الكوبي في البحرين.

وأضاف الكاتب أنه عندما قدمت السعودية الدعم للبحرين، في شهر أذار/ مارس سنة 2011، أيقنت مضاوي وغيرها من المواطنين المحتجين في المنامة، أن حرب الشرطة على الاحتجاجات الاجتماعية، قد اتخذت أبعادا أخرى. ومن هنا، تبين أن البحرين، لها أهمية حيوية بالنسبة لمصالح الأمريكيين، والسعوديين والبريطانيين، وحتى الإيرانيين. علاوة على ذلك، تعتبر البحرين مسرح آخر لمعركة الشرق الأوسط؛ لأنها المنطقة التي تسعى عدة قوى دولية وإقليمية إلى المحافظة على هوامش نفوذها فيها، على إثر ثورات الربيع العربي.

وبين الكاتب أنه في ذلك الوقت، سرعان ما أعلنت السلطات البحرينية أن الطائفية هي السبب الرئيسي الذي يحرك موجة الاحتجاجات البحرينية، موجهة بذلك أصابع الاتهام نحو إيران. وفي هذا الصدد، أشارت السلطات إلى أن إيران تريد تعويض الحكومة السنية الحالية بأخرى تخدم مصالحها في البلاد وفي المنطقة ككل. وعلى خلاف هذه الادعاءات، لم يسمع صوت الطائفية خلال الاجتماعات الأولى لاحتجاجات الربيع العربي في البلاد.

وأضاف الكاتب أن الحركة الطلابية قد شاركت في موجة الاحتجاجات التي طالت البلاد وطالبت بنيل الحرية وإرساء الديمقراطية، كما دعت إلى ضرورة محاربة الفساد والتصدي إلى التوزيع غير العادل للثروات، فضلا عن الدعوة إلى الحد من الامتيازات التي تتمتع بها العائلة المالكة. وفي هذه الاحتجاجات، كان هناك طلاب من جميع الأطياف وحتى طلاب أجانب من بلدان عربية أخرى.

من جانب آخر، أشار الكاتب إلى أن بعض الأئمة الشيعة شجعوا، انطلاقا من منابر مساجدهم، على الانضمام إلى الاحتجاجات، وهو ما دفع الحكومة البحرينية إلى اتهام إيران بالوقوف وراء التحريض على الاحتجاجات. ومن هذا المنطلق، كلما احتدت الاحتجاجات، زادة حدة لهجة الرسائل التي تطلقها الوسائل الإعلامية الموالية للحكومة البحرينية؛ التي لم تتوانى عن اتهام المحتجين بالانقلابيين الساعين إلى إضعاف المجتمع السني وإخضاعه تحت سيطرة سلطة أخرى.

وذكر الكاتب أن نسبة السكان الشيعة في البحرين بلغت حوالي 60 بالمائة، أما الأربعين بالمائة المتبقية، فهم من السنة، بما في ذلك العائلة المالكة. وإلى غاية اندلاع احتجاجات سنة 2011، كان الطرفين يتعايشان في جو يسوده السلم والتفاهم حتى في الأحياء المختلطة. ولكن بدأت المشكلة الطائفية بالظهور شيئا فشيئا عندما بدأ السكان الشيعة ينددون بسياسة التمييز المسلطة ضدهم.

وأضاف الكاتب أنه عندما أصبحت الاشتباكات بين الشرطة والمحتجين أكثر ضراوة، وتضاعف عدد الوافدين إلى ساحة اللؤلؤة على نحو متزايد؛ استنجدت البحرين بالرياض وغيرها من ممالك مجلس التعاون الخليجي. وعموما، يخشى الزعماء السعوديون وباقي قادة دول مجلس التعاون الخليجي من انتقال العدوى إلى باقي أراضي الخليج العربي. بالإضافة إلى ذلك، تخشى الحكومات الخليجية من أن تستغل إيران هذه الفوضى لصالحها وتعزز نفوذها في المنطقة على حسابهم.

من جانب آخر، أشار الكاتب إلى أن البحرين كانت ميناء تجاريا صغيرا، مخصص لصيد السمك وتجميع اللؤلؤ إلى غاية أربعينات القرن الماضي. ومنذ هذا التاريخ، أصبحت البحرين تهتم بقطاع النفط والغاز. كما أنه في تلك الفترة، كان تاريخ البحرين على ارتباط وثيق بإيران وبريطانيا. ففي القرون الماضية، كانت البحرين جزءا من الامبراطورية الفارسية، ولكن، مع قدوم آل خليفة إلى الأرخبيل البحريني، أصبحت البحرين دولة مستقلة تحت حماية بريطانيا. ومنذ ذلك الحين، تمكنت العشيرة الحاكمة من إدارة شؤون البلاد عن طريق المساعدة المقدمة من الجانب البريطاني من جهة، ومن خلال توظيف الهواجس والشكوك الإيرانية من جانب آخر.

وأورد الكاتب أنه على الرغم من استقلال البحرين سنة 1971، إلا أنها لم تتخلص أبدا من تأثير لندن. وعندما اندلعت الثورة الإيرانية سنة 1979، بدأت تخشى البحرين من تحركات القادة الإيرانيين المكثفة في تلك الفترة. ونتيجة لذلك، قررت البحرين أن تدخل تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي وأن تكون داخل الغلاف الجوي السعودي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت البحرين محل نزاع وحجة تدعم أسباب نزاع الهيمنة بين إيران والسعودية.

وقال الكاتب إنه في بداية تسعينات القرن الماضي، أصبحت البحرين تضم واحدة من أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة. وقد مثل هذا الحدث، نقطة تحول في تاريخها، إذ أضحت البلاد ونظام آل خليفة محميين من قبل السعوديين والأمريكيين والبريطانيين، الذين لهم مصالح مشتركة في البلاد. فضلا عن ذلك، لا ترغب جميع هذه القوى في وقوع هذا القطر الاستراتيجي في قبضة طهران.

وفي شأن ذي صلة، أفاد الكاتب أن البحرين قد شهدت تحولات عميقة ومبادرات تحديث، منذ بداية حكم الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وفي هذه السنوات الأولى، قاد الملك البحريني خطة اقتصادية تهدف إلى تحويل بلده من قطر مصدّر للموارد الطاقية، إلى مركز مالي وسياحي ضخم. وعلى الرغم من انفتاح البحرين على العالم، إلا أنها لم تظهر أي بوادر على قيادتها لخطط من أجل دمقرطة مؤسساتها، إلا بعد اندلاع احتجاجات الربيع العربي فيها.

وفي هذا السياق، بيّن الكاتب أن التوترات في البحرين تجتاح الشوارع والقصر الملكي على حد السواء. فبالنسبة للقصر الملكي، هناك مجموعتان متناقضتان وعلى اختلاف حاد. ويقود المجموعة الأولى الملك وشقيقه، رئيس مجلس الوزراء البحريني، خليفة بن سلمان آل خليفة. وخلال احتجاجات الربيع العربي في البحرين، كانت هذه المجموعة المسؤول الأول عن القمع، كما أنها لم تعبأ بمطالب التغيير السياسي.

أما الشق الثاني للعائلة المالكة البحرينية، يتكون من ولي العهد البحريني، وأعضاء شابة من العائلة المالكة، الذين تلقوا تكوينهم الجامعي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. ويبدو أن هذه المجموعة على تحرص على القيام بإصلاحات وإرساء الديمقراطية في بلادهم وإحداث تغيير جذري.

وأكد الكاتب أنه على الرغم من إخماد احتجاجات سنة 2011، إلا أن الشعب قد شهد تحولات عميقة، حيث أصبح على استعداد للمواجهة والدفاع عن حقوقه. ومن جانب آخر، بدأ الشعور بالخوف يتقلص شيئا فشيئا بين صفوف المواطنين. كما أنه على الرغم من محاولة السلطات إسكات أي صوت ثائر، إلا أنها لم تتمكن من منع المظاهرات في المنامة. وفي نفس الوقت، تحاول ناطحات السحاب أن تبعث إحساسا بالأمن والاستقرار في العاصمة البحرينية، وكأن شيئا لم يكن.

في المقابل، أشار الكاتب إلى أن وعود ولي العهد البحريني بالتغيير لم تتحقق بعد، كما أنه من الواضح أنها لن تتحقق على المدى المتوسط. وفي نفس الوقت، يشعر آل خليفة في هذه الفترة بالقوة، إذ أنهم مدعومون من قبل قوى عالمية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا والمملكة العربية السعودية.

عموما، تبدو هذه القوى على يقين بأن البديل لهذه السلالة الحاكمة سيكون، دون شك، حكومة شيعية موالية لمطالب إيران. وفي هذا السياق، وعلى الرغم من تسليط الصراع السوري الضوء على التداعيات السلبية للخلافات الطائفية، إلا أن البحرين لم تتعلم من الدرس السوري. والأسوأ من ذلك، إن القادة البحرينيين هم من يروجون لهذه الآفة التي أشعلت فتيل الفتنة في الكثير من البلدان وأدت إلى تصدع الكثير من الشعوب.

وفي الختام، أوضح الكاتب أن الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، لا زال في صحة جيدة ولا توجد أية مؤشرات تؤكد عزمه على تسليم السلطة بيد ابنه البالغ من العمر 47 سنة. وفي خضم هذه الظروف، أصبح من المؤكد أن التغيير الجذري الذي ينتظره الشباب البحريني، حلم غير قابل للتحقيق خلال الأيام المقبلة. وبشكل عام، فإن البحرين تظهر دائما في حلة البلد الذي لم يرى فيه الربيع العربي النور ولو ليوم واحد. وفي الوقت الذي يكافح فيه الشباب البحريني من أجل تغيير بلادهم نحو أفضل، يرى المنافسون الإقليميون، إيران والمملكة العربية السعودية، الأرخبيل البحريني مجرد بيدق داخل رقعة الشطرنج “الاقليمية”.

المصدر هنا




المصدر