أستانا 4 يذهب بسوريا إلى أخطر مراحل الصراع


عندما عجزت روسيا عن تنفيذ مآربها عن طريق الاحتلال المباشر، وعبر مسارات مؤتمرات جنيف المتكررة، ابتدعت فكرة اجتماعات أستانا، بحيث تكون موسكو هي الراعي لتلك الاجتماعات وعرابها، والمهيمنة على الأرض في الوقت ذاته، وأدخلت معها إيران كشريكة فعلية، كما أدخلت تركيا الجارة التي لها هواجسها حيال ما يحدث في سوريا، وكانت أولى مقررات اجتماع أستانا1 وقف إطلاق النار الشامل في سوريا، لكن هذا القرار الذي يهمّ الجميع لم يُنفذ على الأرض إطلاقاً، فيما بقي نافذاً “إعلامياً”، وبقيت روسيا مصرّة على وجوده واستمراره.

ومن خلال هذا الوقف لإطلاق النار تم تهجير أهالي كل من مضايا والزبداني والتل والوعر وشرقي حلب، أي أنه تم تهجير ما يقرب من المليون مواطن سوري، وتغريبهم عن أرضهم في ظل وقف إطلاق النار الذي وضعته ورعته روسيا.

ومؤخراً كان اجتماع أستانا 4 الذي هيأ الروس قبله الشعب السوري لاستيعاب وقبول فكرة المناطق الآمنة، ليرضى بها السوريون على الرغم مما تحمله من فكر مؤامرتي مضمر في طياتها، ولدى انعقاد الاجتماع، استُبدل مصطلح المناطق الآمنة بمصطلح تخفيف التوتر، ومن اللافت أن هذا المصطلح يفتقد لآلية القياس حيث إنه مطاطي هلامي، ليس له حدود واضحة من أية جهة من الجهات، وقد ظهرت هذه النتائج جلية في اليوم الأول لتطبيق مقررات أستانا، حيث تعددت أشكال خرق الاتفاق، ففي حي القابون الدمشقي محاولة شرسة لاقتحامه، مع استخدام الخراطيم المتفجرة والقصف المدفعي، فكيف نفهم تخفيف التوتر في هذه الحالة على هذه الجبهة؟ أما في درعا فقد قصفت المدفعية الثقيلة أحياء المدينة المحررة وريفها الشرقي وتسببت بدمار هائل، كما تم خرق هذا الاتفاق في ريف حمص الشمالي، حيث قصفت مدفعية النظام الثقيلة مدينة تلبيسة، أما قرية تيرمعلة فقد قصفتها الحوامات بالأسطوانات المتفجرة، كما تعرضت قرية الزلاقيات بريف حماة الشمالي لهجوم شرس شنته الميليشيات الإيرانية والعراقية.

كل هذه الاختراقات في اليوم الأول من تطبيق اتفاق “تخفيف التوتر” فكيف نفهم هذا التخفيف؟ هل كان المخطط أن يتم اقتحام حيي القابون وجوبر معاً، وقد ألغي اقتحام جوبر وبقي القابون، ليسمى هذا التخفيف؟ وعندما قصفت مدينة اللطامنة بالقذائف الارتجاجية، هل كان من المخطط أن تُقصف بالعنقودي والفراغي والارتجاجي، وألغي نوعان، وبقي الثالث ليُسمى ذلك تخفيف بحسب حكومة موسكو؟

إن صدور قرار إنشاء مناطق آمنة والاعتراف بها من مؤتمر دولي (أستانا) تشترك فيه الأمم المتحدة مع أطراف “النزاع السوري”، وبمشاركة جهات تدعي أنها راعية، يفضي إلى دخول سوريا مرحلة جديدة من مراحل “النزاع” منذ سبع سنوات إلى اليوم، وأهم ما يميز هذه المرحلة هو الاعتراف الشعبي والدولي بوجود مناطق تخص مجموعات عرقية أو إثنية بعينها، فالشمال الشرقي يُنظر له على أنه محمية أمريكية غالبية سكانها من الأكراد، وقد شكل الأكراد مجالسهم المحلية في كل تلك المدن تعبيراً عن سيادتهم عليها، وتمييزاً لها عما حولها من مناطق عربية بالعموم. أما منطقة إدلب فمن المحتمل أن تطلق عليها الدول المتنفذة صفة الإرهاب، والتي لم يبقَ لها أي منفذ بري أو بحري، أو حتى جوي، فهي منطقة مغلقة تماماً، إلا على تركيا، فهي المنفذ الوحيد المحتمل.

وهناك المنطقة الجنوبية التي تضم السويداء ودرعا والقنيطرة، وترى “إسرائيل” تمزق وتشتت هذه المنطقة عرقياً وطائفياً مصلحة لها، ويبقى لدينا منطقة دمشق وحمص والساحل التي هجّرت العصابة الحاكمة في دمشق جزءاً كبيراً من سكانها سعياً لتعديل الخليط السكاني فيها حسب مصالحها.

هذه المناطق إذا ما تم الاعتراف بها كما هو مخطط فهو إقرار دولي بتقسيم سوريا، بموافقة الشعب السوري عموماً، وترحيب أهالي تلك المناطق، بما أنها خلاص من أجواء الحرب والقتل والتدمير والتهجير.

وتتبع كل منطقة من هذه المناطق لجهة مختلفة عن الأخرى، وهذه التبعية ستكون اقتصادية وعسكرية وسياسية، ذلك أن اقتصاد كل منطقة مرتبط بالدولة المحتلة، ومبنيّ على اقتصادها، وسيصبح من الصعب الانفكاك عن تلك الدولة، وهذا ما ينسحب على الوضع السياسي والعسكري والثقافي أيضاً، وبذلك نكون قد وصلنا إلى دوليات بحدود معترف بها وربما أناشيد وطنية خاصة لكل منها، قد يكون بعضها يهاجم الآخر، فهل سيحتاج ابن إدلب فيما بعد جواز سفر لدخول حمص أو المنطقة الشرقية، مثلما سيحتاج ابن حوران إلى جواز آخر ليدخل إلى دمشق؟!



صدى الشام