"ماكرون" وجهاً لوجه مع أبشع جرائم بلاده في الجزائر.. ذكرى مجزرة مايو تتزامن مع دخوله الإليزيه


أشرقت شمس أوّل ليلة لـ"إيمانويل ماكرون" عقب انتخابه رئيساً لفرنسا، على يوم الثامن من مايو/ أيار، والذي يصادف الذكرى 72  لتخليد المجازر التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر زمن استعمارها، وعلى مطالب البلد الأخير الأزلية بالاعتذار.

ولئن تحيي فرنسا في اليوم نفسه، ذكرى يوم النصر في أوروبا واستسلام القوات الألمانية، ونهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، إلا أن الجزائر تقف في مثل اليوم ذاته من كل عام، ترحّماً على شهدائها ممن قضوا في أبشع المجازر الفرنسية، مكررة مطالب اعتذار ما فتئت باريس ترفضها بتعلة ضرورة "التطلّع إلى المستقبل وعدم الالتفات إلى الماضي".

جدل الذاكرة والتاريخ

وفي 8 مايو/ أيار 1945، ارتكبت قوات المحتل الفرنسي عمليات قتل شنيعة استهدفت محافظات سطيف وقالمة وخراطة شرقي الجزائر، ما أسفر عن مقتل نحو 45 ألف شهيد، وفق الأرقام الرسمية، كانوا من بين الذين خرجوا حينذاك في مظاهرة سلمية للمطالبة باستقلال بلادهم.

وتخليداً لذكرى الشهداء، نظمت الجزائر، أمس الإثنين، فعاليات الذكرى 72 لمجزرة 8 مايو/ أيار 1945، بحضور شخصيات رسمية وعسكرية، إضافة للمواطنين.

ومع أن الجزائريين يطالبون باستمرار فرنسا بالاعتراف بجرائمها والاعتذار رسمياً وتعويض ضحاياها، إلا أن باريس لم تعتذر بعد رسمياً عن احتلالها الطويل والمآسي التي ذاقها الشعب الجزائري.

ويرجع بعض الخبراء أسباب رفض باريس الاعتذار رسمياً من الجزائريين إلى أسباب عديدة، أبرزها مخاوفها من اضطرارها لدفع تعويضات لهم، غير أن أهم تلك الأسباب يظل، حسب رأيهم، خوفها من أن يحسب عليها اعتذارها اعترافاً بجرائم ستكلّفها آلياً المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وبين مطالب الجزائريين ورفض باريس، تبقى الذاكرة والتاريخ من الملفات العالقة بين الطرفين، والكامنة وراء برود العلاقات بين الطرفين، وفق مراقبين.

تذكير بالاعتذار

تخليد ذكرى المجزرة لم يمر في الجزائر دون تكرار مطالب الاعتذار نفسها من فرنسا التي انتخبت لتوّها رئيساً أظهرت تصريحات سابقة له منحى مغايراً تماماً للتعامل الرسمي لبلاده مع جرائمها في الجزائر.

فخلال زيارة أجراها "ماكرون"، في فبراير/ شباط الماضي، إلى الجزائر، وصف استعمار بلاده للبلد الأخير بـ"جرائم ضد الإنسانية"، ما أثار جدلاً واسعاً في بلاده، واستنكاراً من قبل طيف واسع من الطبقة السياسية فيها.

الوزير الجزائري للشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، والذي يشغل أيضاً منصب وزير المجاهدين بالإنابة، طالب "ماكرون" بالالتزام بوعوده التي قطعها للجزائريين بخصوص الاعتراف بجرائم بلاده بحقّهم.

وقال عيسى، في تصريحات إعلامية، أدلى بها على هامش فعاليات الذكرى المخلدة لمجزرة 8 مايو: "على الرئيس الفرنسي الجديد أن يكون على مستوى عال من المسؤولية والالتزام، لتخليص الذاكرة الجزائرية-الفرنسية من الشوائب التي تجعل الصراع مستمراً، ودفعها إلى مصالحة حقيقية".

وأضاف عيسى: "نحن بانتظار تفعيل تلك الوعود"، لافتاً أنّ التهنئة التي بعث بها الرئيس (الجزائري)، عبد العزيز بوتفليقة، لـ"ماكرون"، تستبطن دعوة للوفاء بالالتزامات والوعود التي قطعها في زيارته الأخيرة للجزائر، بخصوص تاريخ الجزائريين.

وأمس، قال بوتفليقة، في رسالة تهنئته لنظيره الفرنسي، أنّ مواقف الأخير من ملف الاستعمار تجعله في موقع مناسب لإرساء مصالحة تاريخية بين البلدين.

وعود انتخابية

المحلل السياسي والمؤرخ الجزائري، عامر رخيلة، استبعد أن يجسّد "ماكرون" تصريحاته ويعتذر للجزائر حكومة وشعباً على مجازر بلاده في الجزائر.

رخيلة قال: إنه ينبغي التمييز بين الوعود الانتخابية والتي غالباً تكون لها أهداف محددة هي التي تنفّذ في النهاية.

وأضاف أن "تصريحات ماكرون في الجزائر أثناء حملته الانتخابية تندرج ضمن أهداف إعلامية محددة، ترمي إلى استفزاز الضمير الجماعي لفرنسا"، بمعنى أنه أراد استقطاب الأضواء إليه بالتطرق إلى موضوع يدرك جيداً أنه من "التابوهات"، وبالتالي سيمنحه رصيداً انتخابياً إضافياً في صفوف المهاجرين.

ولفت أنّ "السياسة الخارجية لفرنسا تصنع في مخابر ومؤسسات سيادية ولا تصنع بالقرار السياسي، خصوصاً حين يتعلق الأمر بقضية حساسة بالنسبة للمجتمع الفرنسي، مثل ملف التاريخ الاستعماري للجزائر".

وبالنسبة للخبير الجزائري، فإن "عدداً من القوى السياسية في فرنسا لازالت ترفض أي استنكار لما حدث خلال الحقبة الاستعمارية في الجزائر، وماكرون قدم تصريحات ويمكن أن يستمر في تصريحاته، غير أنه لن يقدم على أيّ خطوة في اتجاه إعطاء كلامه طابعا مؤسساتيا، لأن المؤسسات الفرنسية دستورية، ولن تسايره في هذا الملف".

وتطرّق رخيلة إلى الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، "فرانسوا هولاند"، والذي "أبدى موقفاً فيه نوعاً ما شيء من الاعتراف بتلك الجرائم، غير أنه لم يتمكّن من طرح الموضوع على برلمان بلاده، وقبله نيكولا ساركوزي، والذي فضّل بدوره ترك المسألة للمؤرخين".




المصدر