نيويورك تايمز: فاز ماكرون -الآن وقت العمل الصعب


أحمد عيشة

يلوّح إيمانويل ماكرون بيديه من سيارة في طريقه إلى باريس، بعد التصويت خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في لو توكيه فرنسا، يوم 7 أيار/ مايو. (كريستوف مورين/ بلومبرغ)

تصرف الناخبون الفرنسيون بصدقٍ ومسؤولية يوم الأحد 7 أيار/ مايو، لكنهم أرسلوا أيضًا شاراتٍ تحذيرية. وكذلك الرئيس الفرنسي المنتخب الجديد إيمانويل ماكرون (39 عاما) الذي حقق انتصارًا قويًا على مارين لوبان في الجبهة الوطنية، قدّم إشارةً أخرى، مفادها أنَّ صعود الرئيس ترامب ليس مؤشرًا لشكلٍ جديد منفلتٍ من القومية. في الوقت الراهن، الوسط يحكم، والتعددية محتضرة بين الحياة والموت، واليمين المتطرف تحت السيطرة. وكما حدث في الانتخابات الأخيرة في النمسا وهولندا، فاز أصدقاء الديمقراطية الليبرالية، بينما عانى ترامب الذي كان يميل علنًا ​​نحو لوبان، من توبيخ آخر.

حقيقة أن القراصنة هاجموا حملة ماكرون، وتخلصوا من رسائل البريد الإلكتروني علنًا ​​قبل التصويت مباشرة، أكدَّت على مخاطر الانتخابات الدولية.

فضلّت روسيا بشدةٍ لوبان، ودعمت حزبها، بينما رأت جماعات اليمين المتطرف في الغرب انتصار لوبان فرصةً لتحطيم نظام تحالفٍ يضم الاتحاد الأوروبي، والناتو، حيث تزيد الهجمات الإلكترونية الأخيرة من الحاجة لفهم دور روسيا، في انتخابات عام 2016 في الولايات المتحدة.

فاز ماكرون كمدافعٍ قوي وصادق عن التعددية والانفتاح على الدوام، وسيصبح على الفور صوتًا عالميًا كبيرًا لتلك القيم، لكنّه سيضطر إلى أنْ يحكم دولة/ أمّة ممزقةً بعمقٍ في مزاج بائس. وقد كانت حصة لوبان من التصويت، وإن لم تكن عالية كما كان يأمل مؤيدوها، ويخاف منتقديها، ما زال تمثل انطلاقةً كبيرة لما كان يومًا ما طرفًا منبوذًا، ومطرودًا منذ فترةٍ طويلة كحركةٍ فاشية جديدة متأصلة في جوانبَ بغيضةٍ من التاريخ الفرنسي.

مثل ترامب، حشدت لوبان الناخبين بنجاحٍ فريد، ولكنه الآن يوجع المدن الصناعية، بينما اجتاح ماكرون مدن فرنسا الكبرى المزدهرة والعالمية.

يواجه ماكرون، وهو مؤسس حزب سياسي (عمره سنة واحدة) تحدياتٍ كبيرة، انعكست في العدد الكبير غير الاعتيادي من احتجاجات الانتخابات الجوفاء. وسيتوجب عليه أن يتولى، أو يعمل بالتشارك مع الأحزاب القائمة في البلاد، في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في حزيران/ يونيو المقبل، وسيتعين عليه أيضًا أنْ يحيط بالعديد من الأوساط في برنامجه غير اليساري ولا اليميني.

وعد بمناخٍ منظم وتشريعي أكثر مرونة للأعمال “البيزنس”، وبحماية اجتماعية متينة لاقتصاد القرن الواحد والعشرين. ماكرون هو مصرفيٌّ سابق، وديمقراطيّ اجتماعي معتدل، وإن إثبات كيفية تناسب هذين الجانبين معًا سيحدد دراما رئاسته.

هناك اختبار معين هو: إن كان على مستعدًّا وقادرًا على دفع ألمانيا نحو مقاربةٍ اقتصادية، أقلّ تقشفًا وتقييدًا ​​لجنوب أوروبا. يمكن أنْ تشير انتخابات ماكرون إلى تحالفٍ فرنسي-ألماني متجدد؛ وهذا سيكون منشّطًا للاتحاد الأوروبي، ولكن إذا لم يصبح المحرك لكلٍّ من الإصلاح والنمو المشترك على نطاقٍ أوسع.

سرعان ما أعربت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن سعادتها لانتصار ماكرون. لن يكون أيّ من ذلك سهلًا، وإذا لم ينجح ماكرون، وفشل اليمين الفرنسي السائد في إحياء نفسه، يخشى كثيرون في فرنسا من أن تتمكن لوبان (التي تبلغ من العمر 48 عامًا فقط) من الفوز بالانتخابات المقبلة بعد خمس سنواتٍ من الآن.

وقد أيدَّ الرئيس السابق باراك أوباما، ماكرون، وأوجه الشبه بينهما مذهلة: الشباب، والموقف المتفائل تجاه المستقبل، وروح تقدمية، تحررية غامضة بالاعتدال، ورغبةٌ معلن عنها جيدًا للتغلب على الانقسامات التقليدية.

وأقل انتقادًا هو حظهم السياسي المشترك، عندما ترشح أوباما لمجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية إيلينوي في عام 2004 المهمة التي دفعته إلى المسرح الوطني، جنبًا إلى جنب مع خطابه الوطني الديمقراطي، في ذلك العام، هي أن اثنان من أقوى منافسيه اضطروا إلى الخروج من الترشح، نتيجةً لفضائح جنسية وزوجية.

كان من المحتمل ألا ينجح ماكرون في الجولة الأولى، لولا المشاكل لاثنين من المنافسين الرئيسين؛ فقد قُبض على فرانسوا فيلون -مرشح اليمين السائد- في فضيحة تضمنت أعمالًا وهمية ومدفوعة الأجر لعائلته. وقد خسر البديل الاشتراكي الأكثر اعتدالًا، رئيس الوزراء السابق مانويل فالز، الانتخابات الأولية في حزبه، فاسحًا مجالًا جديدًا في الوسط السياسي.

لكنَّ الأمرَ أكثر من حظٍ بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي الجديد، أن يحقق شيئًا، كان معظم دارسي السياسة الفرنسية يعتقدون أنه مستحيل، من الصفر، بنى حزبه السياسي الخاص، حزب في الوسط، إلى الأمام! اسمه يمكن أنْ يترجم تقريبًا باسم “إلى الأمام”، على الرغم من أنّه من الأفضل أن يُنظر إليه على أنّه نسخةٌ مدمجة فرنسية من جون كينيدي “دعونا نجعل هذا البلد يتحرك ثانية”.

بينما رؤساء اليسار واليمين في فرنسا، غالبًا ما اتبعوا سياسات معتدلة، فإن الولاءات للقبائل السياسية، والمفهوم ذاته لليسار مقابل اليمين -وهو اختراعٌ فرنسي- بعد كل شيء قد شظّت السياسيين الوسطيين كما هو متوقع، في أرضٍ غير محددة.

وقد استوعب ماكرون أنّ الانقسام القديم بين اليسار واليمين، هو بناءٌ غير كامل، على نحو متزايد للصدوع الجديدة في السياسة الغربية المُنظمة حول الانفتاح، والتعددية، والمقاربة العابرة للحدود من جهة، والقومية، والاقتصادات الأكثر انغلاقًا، ورفض التعددية من جهة أخرى.

في التسعينيات، تحدث الرئيس بيل كلينتون، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن تأسيس “الطريق الثالث” في السياسة بين اليسار القديم، واليمين الجديد. في ظل ظروف أكثر صعوبةً، يعطي انتصار إيمانويل ماكرون الطريق الثالث فرصةً ثانية؛ حيث الديمقراطية الليبرالية بحاجةٍ ماسة إليه.

اسم المقالة الأصليMacron won — now comes the hard part
الكاتبإي. جي. ديون الابن، E.J. Dionne jr.
مكان وتاريخ النشرنيويورك تايمز، The New York Times، 07/05/2017
رابط المقالةhttps://www.washingtonpost.com/opinions/macron-won–now-comes-the-hard-part/2017/05/07/ec3726c0-3347-11e7-b412-62beef8121f7_story.html?utm_term=.41a4a919553a
ترجمةأحمد عيشة



المصدر