انتشار شلل الأطفال في دير الزور يُنذر بكارثة


لم يعد الحصار والتجويع والقصف اليومي المتبادل بين قوات النظام وتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” يمثل معاناة أهالي دير الزور الوحيدة، فقد برزت في الآونة الأخيرة معاناة جديدة لا تقل خطراً وفتكا عن سابقيها وهي انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، والتي باتت اليوم تهدد جميع سكان المنطقة بمن فيهم الأطفال، وسط تدهور القطاع الصحي في المنطقة، وهجرة الأطباء وعدم وجود منظمات طبية معنيّة بإجراء اللقاحات اللازمة.

ولعل آخر ما كان ينتظره سكان دير الزور خلال الأيام الأخيرة كان إعلان أطباء من المدينة تسجيل أكثر من 30 إصابة بمرض شلل الأطفال خلال أقل من 40 يوم وذلك في مناطق عديدة من أنحاء الريف الخاضع بالكامل لسيطرة “تنظيم الدولة”، وهو ما يعني بالمنطق العملي الطبي، أن كل حالة شلل واحدة يقابلها 200 حالة معرضة للإصابة بنفس المرض!

 

الشلل يهدد الأطفال

يعتبر شلل الأطفال من الأمراض الفيروسية شديدة العدوى، وهو يصيب الأطفال دون سن الخامسة بالدرجة الأولى، إذ أن الفيروس يغزو الجهاز العصبي ويمكن أن يتسبب بالشلل التام في غضون ساعات. وهو ينتقل عن طريق العدوى من شخص لآخر عن طريق البراز بصورة رئيسية، وبدرجة أقل عن طريق وسيلة مشتركة (مثل المياه الملوثة أو الطعام والهواء)، ويتكاثر في الأمعاء.

وتتمثل خطورة هذا الإعلان في ظل عدم وجود حلول آنية لمعالجة المرض لاسيما مع انقطاع حملات التلقيح في الريف، وإغلاق التنظيم خلال السنوات الماضية لعشرات المشافي والعيادات الطبية، وفق ما يؤكده أطباء فرّوا من المنطقة. وهو ما يعني أن كارثة حقيقية قد تحل بالسكان فحيث يوجد طفل واحد مصاب بفيروس الشلل فإن الأطفال في المناطق المجاورة معرّضون لخطر الإصابة بالمرض. وقد يؤدي الفشل في استئصال المرض خلال الفترة القادمة إلى وقوع نحو 000 200 إصابة جديدة خلال أقل من عشر سنوات.

 

استهتار

 وفي متابعة للموضوع قال الطبيب ياسر الحسن، أحد أبناء دير الزور والمقيم حالياً في تركياً، إن أول حالة إصابة سجلت في ريف دير الزور الشرقي قبل أشهر قليلة، لكن وبسبب سيطرة “تنظيم الدولة” على المنطقة لم يلقَ هذا الإعلان أي اهتمام من المنظمات الصحية. وأوضح الحسن أن عدد الأطفال المصابين بهذا المرض، ممن تم تشخيص حالتهم سريرياً لا مخبرياً، يفوق العدد المعلن عنه، مرجحاً وجود إصابات أخرى في الرقة وريف حلب بسبب نقص حملات التلقيح وعدم وصولها لجميع الأطفال.

وحول الأسباب والحلول الممكنة أكد الحسن أن استهتار “تنظيم الدولة” بتوزيع اللقاحات على جميع الأطفال، وإهماله للقطاع الصحي، ومحاربة الأطباء كان السبب الأبرز، وأضاف:” حالياً لا يوجد علاج لشلل الأطفال، ولكن يمكن الوقاية وحسب، فلقاح الشلل الذي يُعطى على دفعات متعددة يمكن أن يقي الطفل من المرض مدى الحياة”.

ويحصل “تنظيم الدولة” على اللقاح عن طريق منظمات طبية تعمل على تسليمه عبر وسطاء، حيث يقوم التنظيم بحملات التلقيح بنفسه في مراكز، إلا أن هذه  الحملات تجري- وفق الحسن- بدون إعلانات وزيارات للمنازل، وتقتصر في معظم الأحيان على المراكز الأساسية في المدن والبلدات الرئيسية، وهذا ما يفسر حصول معظم الاصابات في القرى الصغيرة والبعيدة.

 

أمراض سارية

 أمراض أخرى بات أهالي دير الزور يسمعون بها كثيراً خلال السنوات الأخيرة بسبب انتشارها الواسع بين الأهالي مثل (اللاشمانيا الجلدية، الحمى التيفية، الملاريا، الكوليرا،التهاب الكبد)، وذلك نتيجة لعوامل عديدة أهمها ‏تلوث المياه، وقلة الرعاية الصحية بسبب ظروف الحصار وانقطاع تلك المناطق عن التواصل مع العالم الخارجي.

وفي هذا السياق قال الناشط الإعلامي أيهم الجاسم إن الكثير من أهالي دير الزور “يصارعون المرض ويقفون يومياً على أبواب النقاط الطبية للحصول على الدواء الذي بالكاد يمكن تأمينه بسبب ندرته”.

وأضاف الجاسم “في دير الزور الوضع الصحي والطبي مأساوي، فالمرضى يقفون في طوابير طويلة ينتظرون فحصهم من قبل أطباء مبتدئين عيّنهم التنظيم، بينما يلجأ البعض إلى الوصفات البدائية من الطب العربي والأعشاب بسبب الفقر”.

ويروي الجاسم قصة أحد اقرباءه الذي كان مقيماً معه في مدينة البصيرة بدير الزور قبل خروجه منها حيث كان يعاني من ظهور حبوب حمراء كبيرة في عدة مناطق مكشوفة من جسده، ظهرت عليها بعد فترة قصيرة تقرحات وبدأت بانتاج إفرازات، وتم تشخيص مرضه حينها بأنه لاشمانيا.

وبحسب الناشط فإن مثل هذه الأمراض منتشرة بشكل كبير في المناطق الريفية القريبة من الأنهار والمستنقعات، حيث تلقى القمامة والأوساخ وتبقى مكشوفة ما يساهم في خلق بيئة مناسبة لتكاثر الحشرات الضارة.

 

لا تجاوب

 طبقاً للمعلومات المتوفرة فقد انخفض عدد المشافي والمراكز الصحية التي تعمل في مناطق سيطرة “تنظيم الدولة” في محافظة دير الزور إلى أقل من 10 مراكز تقدم خدماتها لآلاف المدنيين، فيما لا يتواجد في هذه المراكز سوى عدد قليل جداً من الأطباء المختصين لا يتجاوزن عدد أصابع اليد.

ورغم النداءات الانسانية التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية ومنظمات دولية حول خطورة الوضع الصحي في دير الزور إلا أنها لم تلقَ تجاوباً عملياً. وبالتالي فإن استمرار الوضع الحالي على ماهو عليه يعني موتاً بطئيا لأبناء المحافظة، وعقوبة جماعية لآلاف المدنيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا في هذه البقعة من الأرض.



صدى الشام