على طريق الادارة الذاتية .. تحركات مشبوهة للنظام وروسيا تعيد صوغ المنطقة الجنوبية


وقّعت “الدول الضامنة” والممثلة بكل من روسيا وتركيا وإيران، على وثيقة تقضي بإنشاء “مناطق تخفيف التصعيد” في سوريا، وذلك في ختام الجولة الرابعة من مباحثات أستانا.

ومن بين هذه المناطق المشمولة بالاتفاق هناك المنطقة الجنوبية، والتي من المعروف أنها تضم السويداء ودرعا والقنيطرة، وفيما تسيطر فصائل المعارضة على أجزاء منها، يعيش أهالي تلك المناطق في ترقب لما سيؤول إليه مصيرهم. فهل سيكونون ضمن إدارات لامركزية أم فيديرالية؟ أم أن الأمور تتجه إلى التقسيم الفعلي ليكون لهم دويلة أو يتم إلحاقهم بدولة ما؟ تلك هواجس تكاد لا تفارق مختلف فئات المجتمع وخاصة الناشطين في تلك المحافظات.

 

أول منطقة آمنة

وبالعودة إلى الأيام التي سبقت توقيع هذا الاتفاق الذي اكتسب صفةً قانونية دون الحاجة لتوقيع المعارضة والنظام عليه، فقد كان هناك لقاء عقده ضباط روس من قاعدة حميميم وممثلون عن قوات النظام وحزب “البعث” في مدينة السويداء، يوم الأربعاء الماضي، وذلك بحضور ممثلين عن أهالي المدينة، وخلال الاجتماع اقترح الروس تشكيل قوى عسكرية من أبناء المحافظة الممتنعين عن الالتحاق بقوات النظام والمكلفين بالخدمة العسكرية الإجبارية أو الاحتياطية، والذين يقدر عددهم بـ40 ألفاً بينهم 30 ألف داخل المحافظة.

وبحسب مصادر محلية، طلبت عدم الكشف عن هويتها، فقد استقبل من حضروا الاجتماع هذا الاقتراح الروسي بفتور، رغم حديث الضابط الروسي عن رواتب شهرية تبلغ 200 دولار أميركي أي ما يعادل نحو 100 ألف ليرة، وقوبلت هذه الدعوة الروسية بانتقادات من الحضور، ووصل الأمر إلى الحديث عن شكل الحرب والشعارات الطائفية التي تحملها العديد من الميليشيات المتواجدة على الأرض، إضافة إلى الخيانات التي يتعرض لها عناصر القوات النظامية من ضباطهم، وسوء المعاملة في ظل نقص المواد الغذائية وانخفاض الرواتب والتخلي عن الجرحى وعائلاتهم.

كما كان من المقرر أن يتم إعلان السويداء أول منطقة آمنة في سوريا من قبل الروس، يوم الأربعاء، وتمت دعوة مختلف الفعاليات والوجاهات لهذه الاحتفالية، قبل أن يتم تأجيلها لأسباب غير معروفة.

 

مبادرة

 وسبق الاقتراح الروسي، طرح رئيس فرع الأمن العسكري في درعا والسويداء وفيق ناصر، لمشروع تشكيل هيئة اجتماعية في السويداء، وذلك ضمن اجتماع كبير تمّ في أحد مطاعم السويداء حضره نحو 400 شخص، بينهم الأمين القطري المساعد في حزب البعث هلال هلال، ومختلف القيادات الإدارية والأمنية في المحافظة.

ونصّ “المشروع” على تكليف أعضاء مجلس الشعب بزيارة الفعاليات الاجتماعية والدينية خلال مدة أقصاها 15 يوماً، لتحديد أسماء مرشحيهم للهيئة، وتنبثق عن هذه الهيئة لجنة مصغرة تمثل المحافظة مهمتها القيام بدور صلة الوصل بين مؤسسات الدولة الإدارية والأمنية، والفعاليات الاجتماعية والدينية والثقافية في المحافظة.

كما تقوم هذه اللجنة المصغرة باقتراح الحلول، ونقل صيغ التنسيق والتعاون بين المجتمع والدولة لمواجهة جميع المستجدات، وتُفوض بلقاء أعضاء اللجنة الأمنية فرادى ومجتمعين، وتم تقسيم الهيئة إلى ثلاثة أقسام، هي قسم السويداء وقسم شهبا وقسم صلخد، وكان ناصر قد شكل هيئات مشبهة في القرى الشرقية لدرعا، وطالب بإقامة علاقات بين الجانبين.

 

وثيقة العهد

 وتزامنت مبادرة رئيس فرع الأمن العسكري، الذي يحسب على الروس، انتشار ورقة باسم “وثيقة العهد” تحتوي على ثلاثين صفحة، تضمنت تسعة فصول، و50 مادة، وهي أقرب من حيث الصياغة إلى أن تكون دستوراً.

ونتيجة هذه الوثيقة استشعر أهالي درعا خطر التقسيم أو الإدارة اللامركزية، في ظل الحديث عن درعا بشكل عام، ودون تحديد مناطق المعارضة من النظام، ما أدى إلى إعلان رفضها من قبل العديد من الناشطين والقوى، بالإضافة إلى تنصل عدد من الأسماء المشاركة بإعداد هذه الورقة منها.

كما قام النظام منتصف الأسبوع الماضي، بإنشاء أول معبر لمرور البضائع، بين مناطق المعارضة ومناطق سيطرة النظام، في خربة غزالة بريف درعا، ووضع رسوماً على كافة البضائع الداخلة أو الخارجة من تلك المناطق، تصل إلى 100%، متخذة شكل بوابة جمركية، رأى فيها بعض المرابقين خطوة تقسيمية، حيث أعلنت الفصائل منطقة خربة غزالة منطقة عسكرية، محذرةً التجار من التعامل مع المعبر.
ويعتمد أهل درعا في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة على الأردن في تأمين احتياجاتهم من الطحين والأدوية، في حين تشكل محافظة السويداء، المجاورة لها من الشرق، المصدر الوحيد للمحروقات والغاز المنزلي والكثير من الاحتياجات الأساسية الأخرى.

 

 

لم يُحسم الشكل النهائي للمناطق

وكانت وزارة المصالحة الوطنية التابعة للنظام بدمشق، شهدت اجتماعاً عُقد بمشاركة وزير المصالحة علي حيدر وقيادات إدارية وأمنية من المحافظات الثلاثة، وكان الاجتماع تحت عنوان الإقليم الجنوبي.

وللوهلة الأولى يمكن أن يُفهم من الاجتماع أن غايته بحث الأوضاع في محافظتي القنيطرة ودرعا، بما أنهما تضمان مناطق واسعة خارج سيطرة النظام، أما أن تزج السويداء التي ما تزال في قبضة النظام، فهذا ما أثار الكثير من الشكوك.

ورغم أنه لم تُعرف تفاصيل اللقاء، فإن بعض التسريبات ذكرت أنه جرى بحث شكل الإدارة والأمن الداخلي.

وتفيد شخصيات اجتماعية مطلعة في تلك المحافظات، أن رسائل عدة تصل من مختلف الأطراف، لكنها ما تزال إلى الآن غير واضحة، ما يجعل الصورة غير مكتملة.

وبالتزامن قالت مصادر أمنية لـ “صدى الشام”، إن “تقاريراً تصلها تفيد بأن هناك انزالات وتحشيد لقوات عسكرية على الجانب الأردني من الحدود، بما فيها الحدود مع محافظة السويداء”.

وأفادت مصادر مطلعة بأنه “إلى اليوم لم يُحسم الشكل النهائي لهذه المناطق وإدارتها، بالرغم من التوافق الدولي على إنشاء هذه المناطق، بغض النظر عن تفصيلاتها، وخاصة أن الأمريكان لم يعلنوا موقفهم صراحة تجاه تلك التفصيلات، الأمر الذي يجعلها مجالاً للتفاوض وتحصيل المكاسب، فيعمل الروس ونظام الأسد على تصنيع هيئات أو قوى إجتماعية موالية لهم بشكل أو بآخر، كما يعمل الإيرانيون ومن يواليهم على تشكيل الكتل ذاتها، وإن كانت الأخيرة تعتمد على تفريخ الميليشيات المسلحة، التي تبقى أدوات فاعلة في تلك المناطق، وأوراقاً قد تتفاوض لتحصيل مكاسب أو تنفيذ مشاريع تخدم مصالحها”.

وأضافت المصادر نفسها أن “هناك تحركات مكثفة لميليشيا حزب الله اللبناني في القنيطرة ودرعا لخلق تواجد ما على الأرض إضافة إلى تجنيد بعض ميليشيات لصالحهم، في وقت تجري مفاوضات غير مباشرة مع جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش”، والمسيطر على عدة قرى في وادي اليرموك، المشكل للمثلث السوري الأردني والأراضي السورية المحتلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي”.

هذه التطورات المتسارعة دفعت، على ما يبدو، مشيخة عقل طائفة “الموحدون الدروز”، والتي تشكل الغالبية في السويداء، إلى التحضير لعقد مؤتمر على مستوى المحافظة بكل مكوناتها، بهدف الحفاظ على استقرار المحافظة وحياة سكانها، وخاصة أنه يعيش داخلها أكثر من 18 ألف عائلة نازحة من مختلف المحافظات السورية أكثرها قدمت من الجارة درعا.

وقد ينتج عن المؤتمر تشكيل هيئات تشرف على إدارة المحافظة في ظل الوضع الراهن إضافة إلى تشكيل عسكري رديف.

 

مرحلة مفصلية

 يقول معارض في دمشق، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ صدى الشام إن “الوضع في سوريا اليوم شديد الحساسية فقد نكون نعيش حالياً مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة ستفضي إلى تغيير في جغرافيتها، وهذا ليس مشروعاً جديداً، بل طرح منذ سنوات، منذ أن بدأ النظام يتحدث عن سوريا المفيدة، التي تشمل الساحل وحمص ودمشق، والمنطقة الخضراء المقصود فيها المناطق ذاتها تقريباً”، لافتاً إلى أن “النظام بدأ تنفيذ مشروع تقسيم غير معلن في سوريا، عندما انسحب من ريف الحسكة وسلمها لوحدات حماية الشعب الكردية، واليوم يدفع مع حلفائه باتجاه ترسيخ مناطق أخرى كإدارات ذاتية، فهو يعلم أن سوريا لن تعود تحت حكمه كما كانت، فيحتفظ بجزء منها”.

وتطرّق المعارض بمشهد توقيع اتفاق المناطق الأربع “المخزي” في أستانا على حد وصفه، معتبراً أن السوريين؛ معارضة ونظام كانوا “كأية قطعة أثاث في القاعة، بلا أي تأثير”.

وأعرب عن مخاوفه أن تصبح “هذه المناطق الأربع” وغيرها من المناطق التي قد تُضم لها، دويلات في المستقبل، وإن كانت في قلب دولة أكبر اسمها سوريا، فقد يطول الأمر إلى حين القضاء على “داعش” و”النصرة”، ومن ثم بحث الحل السياسي الذي لن يكون سوى انعكاس لصورة الواقع حينها، والتقسيم يبدأ بالمحاصصة الطائفية والقومية إلى التقسيم الجغرافي، حسب قوله.



صدى الشام