واحة الراهب: الخلاص في بناء عقد وطني جامع


آلاء عوض

“قامت الثورة لأجل بناء عقد اجتماعي جديد، يعيد تشكيل الوعي الجمعي والهوية الوطنية اللذين كانا آيلين للتفتت والانهيار في ظل حكم الاستبداد وإلغاء الإنسان، الثورة قامت لأجل تثبيت مطالب الحرية والكرامة وتجريم الطائفية، وشعار الشعب السوري واحد، ولتحقيق نظام حكم ديمقراطي تعددي مدني، ولا أظن أن تكاتف كل مصالح العالم وقواه لضربها وتفتيتها قادر على سحق جوهر الثورة السورية، وإن كان قادرًا على تأجيل انتصار أهدافها، والدليل أنها ما زالت للآن ثورة شعب ضد نظام القتل وقوى الاستعمار الداعمة له عل الرغم من محاولة الجميع تطييفها وإظهارها، وكأنها حرب أهلية طائفية بين متطرفين”، هذا ما قالته الفنانة واحة الراهب عن قدرة السوريين بعد مرور ست سنوات من عمر الثورة، على الاجتماع مجددًا لصوغ عقدهم الاجتماعي الذي ثاروا لأجله.

وأكدت في حديث خاص لـ (جيرون) أن السوريين “أثبتوا وعيهم بمعاني الثورة ولن يكونوا ضحية مشروعات تقسيمية، وكل مايحصل حاليًا من تفتيت للسوريين ولوحدة التراب السوري سيندثر، لكن ذلك يتطلب عملًا وجهدًا جماعيًا” وأضافت: “لا أرى أفقًا لانتصار مبادئ الثورة على المدى القريب من دون استعادة القرار السيادي الوطني، وإعادة توحيد الصفوف، وخلق أرضية مشتركة واقعية لرؤية الوضع والانطلاق نحو تغييره قبل فوات الأوان كما حدث مع القضية الفلسطينية، والقطيعة التامة مع أي تطرف لا يمثل مبادئ الحرية وكرامة الإنسان الذي هو القيمة الأسمى في الحياة، والحكم التعددي المدني اللامركزي، والعدالة والمساواة وتجريم الطائفية التي هي مقبرة الأوطان كونها لعبة النظام وقوى الاستعمار القائمة على مبدأ (فرق تسد)، أي استعادة الشعارات التي قامت عليها الثورة ودفع كل هذا الثمن الباهظ لأجلها، وبإعادة تشكيل قوى الجيش الحر بتخطيط جديد يعتمد الذكاء والتكتيك وحرب العصابات كما يعتمد القوة وبتمويل وطني”.

كما ركزت على ضرورة إطلاق منبر إعلامي سمعي بصري، يمثل السوريين ويشبههم ويوصل صوتهم إلى الشعب وإلى العالم، وفي هذا المعنى قالت: “من دون منصة إعلامية تشبهنا سنكون أسرى لما يريده الإعلام المضاد من تشويه صورتنا وتزوير الحقائق، ولن نتمكن من إيصال صوتنا لشعوب العالم الحر، وخلق تحالفات مصالح معها وإبراز وجهنا الحضاري وجوهر مبادئ ثورتنا، كما لن نتمكن من خلق المناخ الصحي للنقد البناء وليس الهدام والتخويني الذي ربانا عليه نظام الاستبداد، وبما يعيد لنا الثقة بطاقات شعبنا وإبداعاته وصمود ثورته”.

وأكملت: “وفي ظل طغيان سلاح الإعلام السمعي البصري القادر على حسم المعارك من دون قتال. لا نملك منبرنا الإعلامي الحر الخاص بالثورة ليوصل صوت ثورتنا المترجم إلى كل شعوب العالم الحرة القادرة على الضغط على حكوماتها لصالحنا، بدلًا من تركيز الجهود على الأنظمة والحكومات التي لا مصلحة لها بانتصار أي ثورة في العالم لكون تحرر شعوبنا يضر بمصالحها الاستعمارية”.

من جانب آخر عدّت الراهب أن العمل المدني الشبابي الذي تبلور خلال الثورة أثبت نضوجَ الشارع السوري ووعيه بأهدافه، حقوقه، وحرياته على الرغم من حداثة التجربة المدنية وضآلة الخبرات وقالت بهذا الصدد: “حررت الثورة فعل السوريين وطاقاتهم المقموعة من لحظة كسرهم لحاجز الخوف وإيمانهم بحريتهم وبإرادتهم الخلاقة، وعلى الرغم من أنها قامت بجهود الشباب من دون قيادات حزبية وتوجيهية لكنها أثبتت منذ البدء حكمة مفاجئة للجميع وقدرة مهمة على إدارة وترتيب شؤونها الداخلية دون تبعية لأحد، وعبر تنسيقياتها ومجالسها المحلية وإداراتها المنتخبة ديمقراطيًا، وذلك قبل اختراقات المتطرفين وميليشيات النظام لوأد تجربتها الريادية، ومع ذلك لم يثنيها أي شيء عن متابعة نجدتها لأهلنا في الداخل، وعلى الرغم من حصار الموت لهم عبر التجويع والقصف والإبادة بكل الأشكال اللاإنسانية، استمروا في خلق مؤسساتهم ومنظماتهم الاجتماعية والإغاثية والطبية”، ورأت أن “الحراك المدني، على الرغم من كل الظروف المعيقة والكارثية، قام بجهد جبار يعادل جهد وعمل مؤسسات دولة بأكملها للقيام به، مما يؤكد الثقة بقدرة الشعب على الاعتماد على نفسه وقدراته واستعادته للمبادرة والسيادة على قراره الوطني دون وصاية من أحد داخلي كان أم خارجي، وإن كانت غير كافية أمام حجم المأساة التي يعيشها الداخل، خاصة حين نقرأ عن الكم الضئيل الذي يصل إلى شعبنا من المعونات الخارجية التي قد لا تتجاوز 2 في المئة منها أحيانًا”.

حول التمثيل السياسي للمرأة في مؤسسات المعارضة علّقت “للأسف نسبة تمثيل النساء مخجلة بحق الثورة، ولن أقول المعارضة حتى لا ننتقص من حقيقتها، ومجحفة جدًا بحق المرأة التي لم يقل عطاؤها ودعمها للثورة عن مثيلها الرجل، والتي حتى في نظام الكوتا المحدود للتمثيل النسبي لها تعطى 30 في المئة”.

ورأت الراهب أن إقصاء المرأة وتهميشها منذ البداية كشف المآل الذي ستؤول إليه مؤسسات المعارضة كمعيار أولي وأساسي لمدى صدقيتها في تمثيل كل فئات الشعب بنسبه الحقيقية وتابعت: “مع الأسف لو أن كل من مثل الثورة من الرجال كانوا على مستوى الإقناع والعطاء أكثر مما كانت ستفعله نساء الثورة لصالح قضيتنا لقبلنا، وقلنا لا فرق طالما النتيجة إيجابية، لكن استبعادها هذا كان لمصلحة تغييب الأهداف الأسمى للثورة من حرية وديمقراطية ومجتمع مدني كشف مدى انحسارهم في الداخل، بقدر توجيه المسيطرين على قرارات تلك المؤسسات للدعم المالي والإغاثي وحتى التسليحي لصالح قوى تغيِب مفاهيم الثورة ومبادئها، والتي تعتبر المرأة صاحبة المصلحة الأكبر في الدفاع عنها وحمايتها لأنها أكثر المتضررين من غياب تلك المفاهيم والمبادئ”.

وعن رؤيتها لمصير سورية، توقعت الراهب ابتعاد الحلول في ظل تضارب المصالح الدولية والإقليمية، وقالت: “لا أظن أن الحل قريب -وأتمنى أن أكون مخطئة- لعدم توفر قوى ضغط كافية على الدول صاحبة المصلحة باستمرار الحرب واستكمال تدمير سورية وإضعافها بهدف تقسيمها والقضاء على ثورتها بشكل مبرم، ما لم تستعد قوى الثورة سيطرتها ولو جزئيًا على قرارها السيادي الوطني سيبقى المصير بيد القوى المتحكمة بلعبة الصراع والحرب”.

وأخيرًا رأت الراهب أن عدم وجود حاضنة للطاقات والمواهب الفنية الوليدة خلال سنوات الثورة كان له تأثير سلبي على فاعليتها، وقالت: “على الرغم من أن الثورة حررت كثيرًا من الطاقات الإبداعية بكل مجالات الإبداع الكامنة والمقموعة في ظل نظام الاستبداد والفساد واحتكار المكان المناسب للشخص غير المناسب، وعلى الرغم من أنها رسخت حضورًا مؤثرًا لها عبر الدراما حتى قبل اندلاع الثورة كمسلسل غزلان في غابة الذئاب، وأيام الولدنة، والانتظار، والولادة من الخاصرة وغيرها، لكن مع الأسف لم تعمل قوى الثورة على احتوائها واستغلالها لمصلحة الثورة وتطويرها إلا باستثناءات قليلة، ولو على مستوى إنشاء محطة تلفزيونية تطلق تلك الطاقات وتنتجها أعمالًا إبداعية تظهر الكفاءات الثورية المفاجئة للجميع كمًا وكيفًا وعلى جميع المستويات كالكتابة الروائية والشعرية  والصحفية والسيناريوهات والمخرجين والرسامين والفنانين والفنيين والموسيقيين، طاقات أطلقتها الثورة وحررتها من قمقمها لكنها لم تجد حاضنة لها تبرز وجه الثورة الحضاري والإبداعي بدلاً من الإعلام المغرض والمسيطر الذي تمكن من تعميم وصمة التطرف على الثورة وأبنائها وداعميها”.

أكدت أن معظم الفنانين والمبدعين “أُهدرت طاقاتهم من دون أي فاعلية أو استقطاب أو استغلال لصالح الثورة إلا ما ينتجونه كحالات فردية استثنائية، وغالبًا لا تجد لها مسربًا للتسويق”، لافتة إلى “عدم وجود منبر يدعم الثورة وإنتاجاتها حتى ممن يعلنون صداقتهم للشعب السوري ولن يكون إلا عبر منبرها الحر الخاص بها، في الوقت الذي يستغل النظام طاقات مواليه بل وينشف منابعهم لدعم صورته وتزييف حقيقته والوقائع لصالحه”.




المصدر