السوريون المُهمّشون


باسل العودات

أجرى ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، قبل أيام، “انتخابات” لاختيار رئيس جديد ونواب و”مسؤولين”، وكرر أعضاؤه ما فعلوه سابقًا مرات ومرات؛ فاختاروا “المناصب القيادية”، واستعانوا بأوجه جديدة، عسى أن تستطيع إزالة روائح زكمت الأنوف.

دعا الرئيس الجديد، فور استلام مهامه، إلى إصلاح هذا الكيان المتهالك الذي لا أملَ يُرجى منه، كما يرى كثيرٌ من الأطراف المعارضة والموالية وما بينهما، مهما كانت نيّات رئيس الائتلاف الجديد الفردية صادقة ووطنية، وهمته قويّة.

منذ تشكيل المجلس الوطني وهيئة التنسيق، ومن بعدهما ائتلاف قوى الثورة والهيئة العليا للمفاوضات، وقع الاختيار على شخصيات معارضة لتقود العملية السياسية، وفي حقيقة الأمر لم يختر السوريون تلك الشخصيات، وإنما فُرضت عليهم فرضًا وفق معايير غير واضحة، وحسابات وموازين، تداخل فيها الطائفي بالمذهبي بالقومي بالمناطقي بالجندري بالعمري، في تركيبة لم تكن يومًا متجانسة، ولا متفاهمة أو متوافقة أو قابلة للحياة، ومنذ تلك الأيام المبكرة، بدأت معارك النفوذ، وصراعات البقاء، وتهافتات المصالح.

حاربت تلك التكتلات “المرضي عنها” كلّ البدائل، وحرصت على تسوّد المشهد، بغض النظر عن كفاءتها وخبرتها وإخلاصها وشفافيتها، وعملت جاهدة على استبعاد كلّ من يملك إمكانات مشهودًا لها، وحجبت عنهم المنابر، لأنهم يعرفون أن بروز هذه الكفاءات يمكن أن يُطفئهم، ويعرّيهم، ويكشف سوءاتهم وعقمهم وفقرهم وعجزهم الفكري والسياسي والثقافي والاستراتيجي.

حاول “غالبية” متسلقي تلك الكيانات التشبّثَ بها، ومنهم من شاب فيها، في استنساخ مقولة “للأبد”، ولم يكن هدفهم التنسّك من أجل الثورة، أو التفرغ لنصرة الشعب المظلوم، وإنما الشهرة وتصدّر الشاشات لسنوات، و”تمرير” مصالح شخصية، وضمان “جعالة” غير مستحقة.

ليست تلك الكيانات آيات مُنزلات محكمات، ولا أعضاؤها جواهر نادرة يُخاف عليها، ولا هم العملة الجيدة التي يمكن أن تطرد الزائفة من السوق، ولا هم بضاعة نفيسة لا تُعوّض؛ فشخوصها الذين أفلسوا سياسيًا، وقدّموا نموذجًا لا يُشرّف، حوّلوا تلك الكيانات إلى آلات عوجاء صدئة وبالية.

منح السوريون الفرصَ، واحدة تلو الأخرى، لإصلاح الائتلاف وغيره، على أمل ترميم هذا البناء المتداعي، والجسر المتهالك، والكيانات المهترئة، ولكن من دون جدوى؛ إذ استمرت الأخطاء وزادت، ولم يقم -إلا قلّة نادرة- بالاعتراف بالخطأ وبالمصيبة، بينما استمرت الغالبية العظمى تبحث عن مصالحها، وتسعى لتغليف رداءتها بدفع شخصيات وطنية للواجهة، وهي مطمئنة، لأنها تُدرك تمامًا أن بعض العلاج لا يصلح معه سوى الكي، وأن “غيفارا” شخصيًا لن يستطيع إصلاح هذه الكيانات.

سورية ولّادة، وفيها من الطاقات والخبرات والكفاءات ما لا يحدّه حدّ ولا يحصيه عدّ، فيها من الشخصيات الوطنية الحقيقية الصادقة النظيفة أكثر مما يُتوقع، وفيها الشخصيات الضالعة بالسياسة والعلاقات الدولية، والفاهمة مسارات الاستراتيجيات الإقليمية والدولية، والغيريّة التي لا تريد أن تعمل إلا للوطن، والشعب، والمستقبل، وهي شخصيات مُعارِضة التي لا يشقّ لها غبار، وبما أن آخر العلاج الكي، وبما أن غالبية الشخصيات المعارضة التي تسوّدت خلال ست سنوات، فشلت وأَفشلت، والتصقت بالكراسي، فعلى السوريين اليومَ فضحها والمطالبة بتنحيتها، بكل السبل، والبحث عمّن هُمّشوا وأُقصوا عن المشهد، ليستلم الملفَّ السوري معارضون أوفياء، للوطن والشعب والتاريخ.




المصدر