على طريقة الأفلام الهندية.. روسيا تروج قصصاً مثيرة عن مقاتليها بسوريا.. فماذا عن إخفاء الحقيقة المرة؟
11 أيار (مايو - ماي)، 2017
منذ بدء التدخل العسكري المباشر للقوات الروسية في سوريا نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، والمستمر حتى الآن، دأبت وسائل الإعلام الروسية على التوجه للرأي العام المحلي في روسيا والعالمي، بخطاب إعلامي مبني على تسليط الضوء فقط على ما تعتبره موسكو “جانباً إيجابيا” من تدخلها في سوريا.
واللافت في الماكينة الإعلامية الروسية، الطريقة التي يسوق بها الكرملين للمجتمع الروسي تدخله في سوريا، حتى وإن اضطر الأمر لنسج “القصص الخيالية” الهوليودية، وتصوير “بطولات” الجنود الروس على طريقة “الأفلام الهندية” المعروف عن كثير منها تصويرها لأحداث مختلقة لا وجود لها في الواقع، أو تصوير أبطال الأفلام على أنهم خارقون لا يموتون ولا تنتهي ذخائرهم حتى وإن واجه الواحد منهم جيشاً كاملاً.
“صورة أسطورية”
وبين الحين والآخر تخرج وسائل إعلام روسية للمتلقين بقصص عما تعتبرها “تضحيات” في سوريا، تارة لتحسين الصورة السيئة عن التدخل العسكري الذي أودى بحياة نحو 4 آلاف شخص سوري وإصابة آلاف آخرين، بحسب إحصاءات لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، و”المركز السوري للعدالة”، وتارة أخرى للتقليل من وطأة الخسارة التي تمنى بها القوات الروسية في سوريا وتتكتم موسكو عنها، خشية من تأجيج الرأي العام الروسي.
فـ”الجندي الروسي الأسطورة” هي الصورة السائدة في وسائل الإعلام الروسية عن الجنود الموجودين في سوريا، وعلى سبيل المثال، نشرت وكالة “سبوتنيك” الروسية، أمس الأربعاء 10 مايو/ أيار 2017، خبراً عن تقرير لتلفزيون “روسيا 24” متحدثاً عن رواية “مثيرة” وصفتها بـ”القصة الأسطورية” لـ 16 جندي روسي قاتلوا في سوريا.
وقالت الوكالة إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كرم هؤلاء الجنود في احتفالات “يوم النصر” في روسيا، أما لماذا كرمهم؟ فهنا يأتي تفاصيل “الرواية الهوليودية”.
تقول الوكالة إن هؤلاء الجنود البالغ عدهم 16 جندياً وضابطاً، كانوا ضمن تشكيلات “قوات العمليات الخاصة” الروسية العاملة في سوريا. وقال قائد المجموعة دانييل في حديثه عما جرى معهم: “انقطعت خطوط الإمداد بيننا وبين القوات السورية الصديقة المتمركزة خلفنا بريف مدينة حلب نتيجة تغيرات حصلت في ميدان المعركة على الأرض، وكانت مجموعتنا تتمركز على تلة ومهمتنا تركزت على إعطاء إحداثيات مواقع تمركز العدو كي يتم استهدافها بالنيران”.
تكتمل تفاصيل “القصة الغريبة” عندما قال دانييل إن الـ 16 جندياً روسيا حوصروا من قبل مئات العناصر ممن وصفهم بـ”الإرهابيين”، وانقطع عنهم الإمداد اللوجستي والناري.
وبحسب ما صرح به فإن هؤلاء المئات من المقاتلين كانوا في مواجهة من الـ 16 جندي وأن هذا الوضع استمر يوماً كاملاً!، لكن المثير أكثر أن مئات المقاتلين لم يستطيعوا التقدم، حتى أنهم فشلوا في إرسال مفخخة لخرق دفاعات الجنود الروس كما يقول الضابط الروسي.
وهنا جاء” الدور الأسطوري للمقاتلين الروس”، كما صورهم الضابط، والذين يبدون وفقاً لما يفهم من كلامه أنهم يمتلكون ذخيرة لا تنتهي! إذ قال: “قمنا باستغلال فترة الليل وحلول الظلام، فقامت مجموعتنا بالتوغل في أرض العدو لمسافة حوالي 500 متر، وقمنا بنصب كمين من الألغام والمفخخات الموصولة بالأسلاك (…) وبالفعل، مع ساعات الفجر الأولى تقدم الإرهابيون باتجاه التلة فوقعوا في الكمين المتقدم وأصابتهم نيران الألغام والعبوات المفخخة التي وضعناها لهم، وقتلنا ما تبقى منهم بنيران الأسلحة الخفيفة”.
وأشار أنه فيما بعد جاءتهم “وحدات صديقة” من جيش النظام وأصبح الوضع أفضل وتمكنوا من النجاة، دون أن يذكر ما إذا كان أحدهم أصيب على الأقل!.
مزاعم عن الجنود
وفي 25 مارس/ آذار 2016، ﻗُﺘﻞ أﺣﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺍﻟﺮﻭﺳﻴﺔ ﻗﺮﺏ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﺪﻣﺮ، أما عن كيفية مقتله بحسب ما ذكرته وكالة “انترفاكس” الروسية، فإنها أقرب ما تكون لقصص أفلام “الأكشن”، إذ قالت الوكالة إن الجندي كانت مهمته تحديد الأهداف التابعة للطيران الروسي كي يقصف مواقع “تنظيم الدولة”، إلا أن الجندي حوصر من قبل مقاتلي التنظيم، ولم تذكر الوكالة كيف حوصر وما مصير القوات التي كانت برفقته حتى بقي لوحده بين عناصر التنظيم.
وأضافت الوكالة أن الجندي “عندما أدرك أنه بات محاصراً، فضل الموت بدلاً من الاعتقال، وأنه أعطى الطيران الروسي إحداثيات موقعه الشخصي” لتأتي الطائرات الروسية وتقصفه!
كما سبق وأن ادعت وسائل الإعلام الروسية أن جنوداً من قواتها قتلوا خلال توصيلهم المساعدات للمدنيين السوريين، مقدمة إياهم على أنهم “ضحوا بأنفسهم” من أجل توفير الأمان لغيرهم.
خسائر روسيا الكبيرة
لكن الحقيقة التي تغفلها روسيا عن سكانها والعالم تتوضح شيئاً فشيئاً، فواقع القوات الروسية في سوريا ليس كالبطولات التي تصورها الأفلام الهندية، فقد نشرت وكالة رويترز في مارس/ آذار 2017، تحقيقاً استندت فيه إلى أدلة جمعت بعضها من عائلات قتلى جنود روس في سوريا.
وكشفت الأدلة تفاصيل صادمة لموسكو حول خسائرها الكبيرة في سوريا، والتي لخصها أحد مصادر الوكالة بقوله إن من بين 100 روسي يقاتلون في سوريا يعود 50 منهم في نعوش.
وأشارت الوكالة إلى أن الأدلة التي جمعتها، تظهر أن القوات الروسية العاملة في سوريا، منيت منذ أواخر يناير/ كانون الثاني بخسائر في صفوفها تزيد أكثر من ثلاث مرات على عدد القتلى الرسمي، معتبرة أن ذلك مؤشر على أن القتال في سوريا أصعب وأكثر كلفة مما كشف عنه الكرملين.
ولم يكن أغلب القتلى من الجنود النظاميين الروس بل مدنيين روساً يؤدون مهام عسكرية بعقود خاصة بأوامر من القادة الروس. ولم تعترف موسكو رسمياً بوجود هؤلاء المتعاقدين في سوريا. ومن الناحية الرسمية يتمتع هؤلاء بصفة المدنية لكنهم كثيراً ما يكونون من المحاربين القدامى المتقاعدين الذين لديهم خبرة في ميدان القتال. وسبق أن قالت مصادر مطلعة على العمليات في سوريا لرويترز إن هؤلاء يلعبون دور القوة الهجومية في العمليات البرية تحت قيادة عسكرية.
ولا تعترف موسكو بشكل رسمي بوجود متعاقدين عسكريين في سوريا ولا تكشف عن أرقام الخسائر في صفوفهم. والعدد الإجمالي الرسمي لقتلى الجيش الروسي منذ تدخل روسيا في سوريا عام 2015 يزيد عن 30، لكن الرقم قد يكون أعلى بكثير لأن خسائر الجيش تعتبر من أسرار الدولة بموجب القانون الروسي.
[sociallocker] [/sociallocker]