أي رهان على تجديد دور “الائتلاف الوطني”؟


حسام ميرو

بعد أن تراجع دورُ “الائتلاف الوطني” في المشهد السوري، خلال العامين الماضيين، وكاد السوريون أن ينسوا وجود هذا الهيكل السياسي، جاء انتخاب الصناعي والمعارض الدمشقي رياض سيف؛ ليضع الائتلافَ من جديد تحت دائرة الضوء، نظرًا لعوامل عدة، في مقدمتها سيرة الرجل وخلفيته الاجتماعية والسياسية ذات الطابع الليبرالي، وصلاته بعدد كبير من المعارضين، بالإضافة إلى علاقاته العامة مع عدد من دوائر صنع القرار في غير بلد أوروبي، وبعضها يعود إلى زمن وجوده نائبًا في البرلمان السوري.

وبالطبع، فإن خطوة كهذه لم يكن لها أن تحدث من دون توافق داخلي، سبق الانتخابات داخل الائتلاف، على حاجة هذا الكيان السياسي لشخصية اعتبارية، لها وزنها في الشارع السوري، وليست محط خلاف كبير بين قوى المعارضة، ولم تدُرْ حولها شبهات الفساد، يمكن لها، بما تتمتع به من صفات شخصية، أن تعيدَ بعض الثقة بهذا الكيان من قبل السوريين، وأن تعيد تفعيل مكانته في المشهد السياسي.

ومن المعروف، لأوساط معارضة عديدة، أن رياض سيف كان يعمل من خارج الائتلاف، منذ 2015، على بلورة حل سياسي، أكثر واقعية من وجه نظره، ولا يخضع للمزاودات والشعارات التي رفعها “الائتلاف” في محطات مختلفة منذ ولادته، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وتراجع عنها لاحقًا، خصوصًا في ما يتعلق بالتفاوض مع النظام.

في حزيران/ يونيو 2015، دعا رياض سيف إلى جلسة تشاور مغلقة، في مدينة غازي عينتاب، حضرها عددٌ قليل من السياسيين والباحثين، وكان لي فرصة حضورها، وبدا أنه يسعى إلى إطلاق تصورات تمهّد للحل السياسي، انطلاقًا من استعادة العمل السياسي لبعده الوطني، بعيدًا، قدر الإمكان، عن تداخل وتعقيد المصالح الإقليمية والدولية في الوضع السوري.

وكان واضحًا خلال الجلسات التشاورية التي دارت على مدى يومين أن رياض سيف مدركٌ تمامًا لكارثية الوضع الانقسامي الذي تشهده سورية على المستوى الاجتماعي، وخصوصًا في ارتفاع منسوب الخطاب الطائفي، وزيادة نفوذ القوى المتشددة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، وأثر كل ذلك على مستقبل الحل السياسي.

ما يمكن استنتاجه من سعي رياض سيف لإيجاد مبادرات ذات قاعدة واسعة، وهو ما أكدته مبادرته التي أطلقها مؤخرًا، قبل وصوله إلى رئاسة الائتلاف بأسابيع، أنه لم يكن يعوّل كثيرًا على “الائتلاف الوطني”، وأنه يدرك الحاجة إلى إجماع أوسع طيف ممكن من المعارضة السورية حول شكل الحل السياسي، مع عدم إغفال الحاجة إلى وجود أوسع قبول ممكن من الشرائح المؤيدة للنظام، في محاولة لوضع سورية على سكة الخروج من دائرة الانقسام التي هتكت بالنسيج الوطني السوري.

وبعيدًا عن النوايا الحسنة لرياض سيف، أو لما يتمتّع به من خبرة ووعي سياسيين، فإن قبوله بترأس “الائتلاف الوطني” يشير إلى أن سعيه في إيجاد حوامل موضوعية لمشروعه السابق (مبادرته) لم يلقَ النجاحَ الذي كان يعوّل عليه، وهو أمر يكاد يكون طبيعيًا قياسًا إلى مستوى التشظي الذي عرفته قوى المعارضة خلال السنوات الأخيرة، وتعدّد ولاءاتها بين جهات إقليمية ودولية عدة، وهيمنة الوضع الميداني، مع تراجع كبير لمكانة العمل السياسي.

وتبدو عودته إلى العمل من داخل “الائتلاف الوطني”، وعبر منصب الرئاسة، محملة بالكثير من الوعود التي أطلقها بعد تسلمه للمنصب رسميًا، ويمكن عدّها خطة عمله، ومن أهمها “تفعيل العمل الداخلي، وضم أعضاء جدد، والاستغناء عن بعض الأعضاء غير الفاعلين، وتنسيق العمل مع الفصائل، وتقوية علاقة الائتلاف بالاتحاد الأوروبي، والاهتمام بالوضع المالي”، وغيرها من النقاط الطموحة التي فشل “الائتلاف” في السنوات السابقة في إنجازها، بل إنه فقدَ دعم بعض الجهات التي دعمته في انطلاقته.

وعلى الرغم من أهمية كل النقاط التي تضمنتها خطة رياض سيف، لإعادة دور الائتلاف بوصفه كيانًا سياسيًا جامعًا، وتوفير الإمكانات الضرورية للعب مثل هذا الدور، إلا أن “الخطة”، وبسبب هذا الطموح الكبير فيها، تبدو كأنها قفزة في الفراغ من الناحية الموضوعية، ما يفقدها الكثير من واقعيتها، فالبنية الداخلية لـ “الائتلاف الوطني” تشكل عائقًا كبيرًا أمام تطورها، نظرًا لتعدد ولاء الجهات المنضوية تحتها، وهي التي ولّدت صراعات تنافسية في ما بينها، فرّغت الائتلاف من دوره الحقيقي، وجعلته يدور في دوامة صراعاته الداخلية.

ومن الناحية العملية، فإن الجهة الأقوى داخل الائتلاف هي “الإخوان المسلمون”، بينما تفتقد القوى الأخرى أيّ حضور جدي على الساحة السورية، ولن يكون ممكنًا إعادة بلورة مكانة جدية للائتلاف” في ظل هيمنة “الإخوان المسلمون” على قراراته، ولذا فإنه سيكون من الصعوبة بمكان ضمّ قوى أخرى إلى الائتلاف لا يكون الإخوان راضين عنها، أو تكون مستعدّة للتوافق معهم سياسيًا.

ومن جهة أخرى، فإن ما هو إشكالي، في خطة رياض سيف، النقطة المتعلقة ببناء علاقة بين السياسي والعسكري، أي الفصائل المقاتلة، فكما هو معروف أن الفصائل الإسلامية الراديكالية هي صاحبة النفوذ الأكبر في الشمال السوري، ومن الصعب أن تقبل بهيمنة سياسية عليها، أو بنفوذ للائتلاف ضمن مناطق سيطرتها، ولذا فإن هذا المطلب بأن تكون الفصائل العسكرية تحت إمرة القيادة السياسية قد تجاوز زمانه ومكانه.

وبناءً عليه، فإن المعطيات الواقعية المتعلقة ببنية “الائتلاف الوطني” ومشكلاته الداخلية، وتعقيدات الوضع الميداني، تشير كلها إلى صعوبة الرهان على تجديد دور الائتلاف، أو تحقيق استعادة واسعة النطاق للسوريين به، بالإضافة إلى تعقيدات المشهد الدولي، وتضارب المصالح الإقليمية.




المصدر