‘اتفاق أستانة: مخاوف تُثير تساؤلات’
12 مايو، 2017
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
المحتويات
مقدمة
أولًا: مواقف
ثانيًا: سلبيات
ثالثًا: إيجابيات
رابعًا: وماذا بعد
هوامش
مقدمة
في الرابع من أيار/ مايو 2017، خرج مؤتمر أستانة 4 بمذكرة تفاهم لإنشاء ما سُمّي “مناطق وقف التصعيد” و”مناطق خفض التوتر” في سورية، وقّعتها كل من روسيا وتركيا وإيران، بديلًا من النظام والمعارضة، وبصفتها “الدول الضامنة” لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية المتفق عليه نهاية عام 2016، وأثار هذا التفاهم الثلاثي الكثير من التساؤلات حول جدّيته، وحاول السوريون فهم سلبياته وإيجابياته، وفك الغموض الذي يحيط به، كنصّ وكاتفاقية إقليمية أو استراتيجية دولية محتملة.
نصّت المذكرة في بنودها الرئيسة على إيجاد أربع مناطق لـ “وقف التصعيد” العسكري (إدلب وشمال حمص وريف دمشق والجنوب السوري)، ووقف “الأعمال العدائية” بين النظام والمعارضة، ووقف استخدام السلاح بما فيه سلاح الطيران، وإنشاء نقاط مراقبة وتفتيش، وتأمين الظروف لعودة اللاجئين، وتحسين الوضع الإنساني، وأن يحارب الطرفان التنظيمات الإرهابية، وخلق ظروف مواتية لتحقيق تقدم في الحلّ السياسي، ويستمر العمل بها مدة ستة أشهر تُمدّد تلقائيًا بموافقة الضامنين.
بعد مقدّمات بروتوكولية، ضمّت المذكرة ستة بنود(1)، استُخدم فيها للمرة الأولى دوليًا مصطلح “مناطق وقف التصعيد”، وهو تعبير روسي- إيراني جديد، يأتي من وجهة نظر هاتين الدولتين موازيًا – وفي مواجهة- مصطلح “المناطق الآمنة” التي تطالب بها المعارضة السورية وبدأت الولايات المتحدة تقترحها مؤخرًا، من دون أن توضّح هذه المذكرة/ الاتفاق ما الفرق بين “مناطق وقف التصعيد” و”المناطق الآمنة” التي ألمحت واشنطن لإنشائها، كما لم تتطرق لآليات التنفيذ التفصيلية، ولم تُحدّد معايير تحديد هذه المناطق وحدودها ومساحاتها، وبحسب المذكرة سيُشرف على هذه المناطق ويراقبها فريق يُدعى (فريق العمل المشترك)، الذي سيتولى حصر حدود نزع السلاح في هذه المناطق، ودوائر التصعيد، والحدود الآمنة، بناء على تعاريف لحدود هذه المناطق تضعها الدول الضامنة لوقف إطلاق النار، بما فيها إيران، التي تُصرّ المعارضة السورية على رفض إشراكها في أي تفاهم إقليمي أو دولي.
أولًا: مواقف
على الرغم من حضورها محادثات أستانا في كازاخستان، لم تكن الولايات المتحدة طرفًا في الاتفاقية الثلاثية، وهذا ما أكّده المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الـ (بنتاجون)، أدريان رانكين جالاوي، الذي قال إن الحكومة الأميركية لم تكن طرفًا في الاتفاقية التي تمّ التوصل إليها في محادثات وقف إطلاق النار في كازاخستان، وأكّد أن الاتفاق لن يؤثر على الحملة الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم (داعش) في سورية، وشدّد على أن التحالف سيستمرّ في استهداف مسلّحي التنظيم الإرهابي أينما كانوا لضمان عدم وجود أي ملاذ لهم.
من جهتها، وردًا على تصريحات الـ (بنتاغون)، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة لديها معلومات عن “مذكرة وقف التصعيد” في سورية، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن هذه المذكرة تأخذ في الحسبان المقترحات الأميركية السابقة بهذا الخصوص، وأوضح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ نظيره الأميركي دونالد ترامب، قبيل بدء الجولة الرابعة من محادثات أستانا، عن “الخطوات التي يتعيّن اتخاذها بخصوص الأزمة السورية”، كما أشار إلى أن هذه الخطوات “تتوافق مع المبادرات التي اقترحتها الولايات المتحدة نفسها في بداية هذه السنة، بهدف خلق الظروف لحماية السكان المدنيين، ووقف القتال في المناطق التي تدور فيها معارك بين القوات الحكومية وقوات المعارضة”.
سرعان ما حدّدت رئاسة الأركان الروسية التدابير التي ستُتّخذ ضد منتهكي هذه المذكرة/ الاتفاق، وقال نائب رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان الروسية، ستانيسلاف حجي محمدوف، إنه “سيجرى تحقيق دقيق في المقام الأول، ثم تتخذ قرارات حول التدابير التي ستتخذ بحق المنتهكين، ومن غير المستبعد قمعها عبر الوسائل النارية”، وأكد أنه اتُّفق على مذكرة تخفيف التصعيد مع 27 قائدًا ميدانيًا للفصائل التي تنشط في مناطق تخفيف التوتر.
من جهته، أيّد النظام السوري المقترح الروسي- الإيراني- التركي، إلّا أنه أكّد بدوره أنه سيواصل القتال ضد “الجماعات الإرهابية”، التي تشمل وفق مفهومه أغلبية فصائل المعارضة السورية المسلّحة.
تحفّظت المعارضة السورية المسلّحة على هذه المذكرة، لاعتبارات تتعلق بوحدة الأراضي السورية، والخوف من أن يؤدّي إنشاء “مناطق وقف التصعيد” إلى تقسيم سورية، وأيضًا بسبب مشاركة إيران كدولة ضامنة في الاتفاق المبرم، لكن موقفها لم يصل إلى مرحلة الإعلان عن رفض المذكرة أو الانسحاب من المؤتمر.
من جهتها، كانت أغلبية قوى المعارضة السورية ضدّ هذا الاتفاق، وحاولت تفنيد سلبياته، وأكّدت (الهيئة العليا للمفاوضات) أنه “غامض” و”غير مشروع”، في حين شكّك (ائتلاف قوى الثورة والمعارضة) بإمكانية نجاحه على الأرض، وشدّد على أن إيران تُمثّل جزءًا من المشكلة، وهي ليست جزءًا من الحلّ، كما شكّك في النيات الروسية؛ وقال أحمد رمضان، رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف، إن الاتفاق يتضمّن الكثير من النقاط المهمة من ناحية، ويتجاهل نقاطًا من ناحية أخرى، ويتجاوز القرار الأممي 2254، ولا ينسجم مع اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، كما يحوي الكثير من النقاط التي من الممكن أن تشكل اختلافًا مع مجلس الأمن، وأعرب عن قناعته بأن روسيا ستسعى لمحاصرة مناطق تخفيف التوتر بقوات إيرانية وأخرى للنظام، وفتح معابر خاضعة لسيطرة الأخير، ووضع يده في تشكيل المجالس المحلية، واستهجن تجزئة المناطق السورية وعدم فرض وقف إطلاق نار شامل في جميع المناطق.
ثانيًا: سلبيات
كانت انتقادات المعارضة السورية لهذا الاتفاق كبيرة، وطرحت المعارضة المستقلة والتكتلات، مروحة واسعة من الشكوك والمخاطر التي قد تنتج عن هذا الاتفاق، شملت الجانب العسكري والميداني والسياسي وحتى البشري والإنساني، وشدّدت على أن ميزان هذه الاتفاقية يميل لجهة السلبيات أكثر بما لا يُقارن من ميله لجهة الإيجابيات، بل وراح بعضهم يؤكد عدم وجود أي إيجابية فيه على الإطلاق.
من استقرار الآراء والمواقف، وربطها بالسياق السياسي والعسكري للمرحلة الراهنة، وربطها أيضًا بمواقف القوى الإقليمية والدولية، يمكن، بشكل عام، عرض جملة من المخاوف حول هذه الاتفاقية، تُعدّ سلبيات ما لم تُعكس بفعل عملي على الأرض، ومن أهمها:
أ- تستبق هذه الاتفاقية جولة جديدة لمؤتمر جنيف، التي من المقرر عقدها في منتصف أيار/ مايو 2017، ما يدفع للاعتقاد بأن الجولة المقبلة لمؤتمر جنيف قد تكون مختلفة بالكامل؛ فمن الممكن ألّا تبقى استمرارًا لما سبقها من جولات، وأن يكون هناك (جنيف ب) بدلًا من (جنيف 6)، خاصة مع تغيّر قواعد اللعبة كليًا، وتغيّر موازين القوى على الأرض، والتوافقات، والدول النافذة ميدانيًا، وتغيّر طبيعة علاقة قوات النظام السوري بفصائل المعارضة السورية المسلّحة.
ب- تحاول هذه الاتفاقية قطع الطريق على فكرة إقامة “مناطق آمنة” أو “مناطق حظر طيران” التي كثيرًا ما طالبت بها المعارضة السورية، وعدة دول “صديقة للمعارضة السورية” وعلى رأسها تركيا، وبدأت الولايات المتحدة، بعد استلام الرئيس ترامب، تُرسل إشارات عدم ممانعة أولية حول إنشاء مثل هذه المناطق، دعمها قصف الولايات المتحدة لمطار الشعيرات وزيادة الوجود العسكري في شمالي وشرقي سورية.
ج- لم يأبه الاتفاق بجميع الشروط الإلزامية التمهيدية لتي طُرحت في مؤتمرات جنيف وفيينا وغيرها، والمتعلقة بضرورة إطلاق سراح المعتقلين، ما يعني أن روسيا وإيران استطاعتا نسف جميع الشروط المُلزمة التمهيدية التي كانت مفروضة على النظام السوري في مؤتمرات دولية سابقة؛ كما لم يتضمّن أي تعهد بتطبيق القرارات الدولية ذات الشأن حول سورية.
د- يخشى كثيرون من أن تصبح الاتفاقية وسيلة لتقطيع سورية إلى أربعة قطاعات جغرافية يتحكّم بها الضامنون، المتحالفون بشكل عضوي مع النظام السوري، بينما يتحكّم نظام الأسد وإيران، وبرعاية روسية، بـ “سورية المفيدة” التي كثيرًا ما عدّها مؤيدو النظام المنطقة الأهمّ في سورية.
هـ- ترى المعارضة السورية أن من حقّها أن تحتج على الدولتين الضامنتين للاتفاقية، فروسيا، ومنذ تدخّلها العسكري المباشر في سورية، واظبت على قصف المعارضة المسلّحة، وقصف المدن وقتل المدنيين، ودمّرت بنى تحتية ومستشفيات ومراكز تموين، ولم تٌمارس قط أي ضغوط على النظام السوري لوقف قصفه المدنيين أو استخدامه أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها الأسلحة الكيماوية، بل وحمته غير مرّة باستخدام (الفيتو) في مجلس الأمن، وعرقلت أي جهد دولي لوقف المأساة السورية.
و- كذلك الضامن الثاني إيران، الذي يُشارك نظام الأسد حربه وتدميره وحصاره وجرائم حربه، وتسانده ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وغيرها؛ والذي أسهم في التغيير الديموغرافي في سورية، وزاد التحريض الطائفي، وربط مصير نفوذه الإقليمي ببقاء رأس النظام.
ز- لم تضع الاتفاقية حدًّا لعنف تدخّل القوات الروسية، وهي لا تشمل وقف القصف الجوي والصواريخ الفراغية والارتجاجية الروسية، كما لم تضع حدًا لتدخل إيران العسكري، ولا لانفلات ميليشياتها وجرائمهم الحربية، وهو ما يقلّل من صدقية وموضوعية الاتفاقية.
ح- تُمهّد الاتفاقية لتقسيم مناطق سيطرة المعارضة السورية إلى قطاعات، سيسيطر عليها، في الغالب، عسكريون من قادة فصائل المعارضة المسلّحة من جهة، أو ميليشيات النظام وقواته العسكرية من جهة أخرى، ما يعني إطلاق يد العسكر وأمراء الحرب من الطرفين، للتحكّم في هذه المناطق، وفي دخول المساعدات إليها، وتحرك البشر، وفرض القوانين، ما يُسهم بشكل كبير في تعميق المآسي الإنسانية في سورية.
ط- تصل الاتفاقية في صلبها إلى أن تقوم المعارضة السورية، بالتعاون مع النظام السوري، بشكل حتمي، بقتال التنظيمات الإرهابية، أي سيصبح الهدف الأساسي لفصائل المعارضة المسلّحة محاربة التنظيمات الإرهابية، والهدف الهامشي محاربة النظام السوري وإيران وكل ميليشياتهما، إذ تُصنّف الاتفاقية (تنظيم الدولة الإسلامية) و(جبهة النصرة- فتح الشام) كتنظيمات إرهابية، بينما لا تُصنّف (حزب الله) و(كتائب فاطميون) و(النجباء) و(الزينبيون) وعشرات الميليشيات الإيرانية واللبنانية والسورية الموالية للنظام وإيران كتنظيمات إرهابية، وهذا يهدّد بتحويل جهد المعارضة السورية للقتال الداخلي.
ي- وفق الاتفاقية، سيبقى النظام السوري صاحب الشرعية الدولية، بينما تبقى قوى المعارضة المسلّحة عبارة عن قوى متمرّدة، لا يمكن الاعتراف بها دوليًا، أو لا يمكن الاعتراف بها على أنها قوى ثورة تسعى لإنهاء حكم شمولي أمني طائفي وفاسد.
ك- لا تضمن الاتفاقية قيام الحكومة السورية بأي التزامات تجاه مناطق سيطرة المعارضة، ما يدفع للاعتقاد بأن النظام سيُمارس عليها سياسة ضغط، من منع المياه أو الكهرباء أو الوقود، ما يُعرضها من جديد لحالة أقرب إلى الحصار، وهو الأسلوب الذي اتّبعه النظام في غير منطقة من سورية.
ل- وفق الاتفاقية، سيبقى تعريف “المناطق الآمنة” وتعريف “المعارضة المسلحة” مفتوحين، ما يُبقي السيف مُسلّطًا على رقبة المعارضة، ما لم تنسجم مع معايير روسيا وإيران، وتقبل بمشاركة النظام في محاربة التنظيمات الإرهابية.
م- يُثير الريبة أيضًا عدم شمل المناطق الشمالية والشرقية لسورية بهذه الاتفاقية، تلك المناطق التي يُسيطر عليها الأكراد بدعم عسكري أميركي، ما يوحي بأن الأساس في هذه الاتفاقية هو تقاسم نفوذ القوى الإقليمية والدولية.
ش- تُثبّت الاتفاقية الوجود الإيراني في سورية كونها طرفًا ضامنًا دائمًا لها، وفي هذا المعنى لم يكن غريبًا أن تُسارع إيران، عشيّة افتتاح أستانة، إلى الإعلان عن أنها ستواصل إرسال مستشارين عسكريين إلى سورية دعمًا لقوات الأسد، وقول قائد القوات البرية في الحرس الثوري، محمد باكبور، “إن القوات البرية التابعة للحرس الثوري موجودة في سورية لمساعدة (فيلق القدس)، وإن الدعم لا يقتصر على التخطيط فقط، وبسبب هذا يجب أن تكون القوات موجودة في ميدان القتال”.
ع- سياسيًا، أشارت الاتفاقية بخجل إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)، ولم تلحظ وثيقة جنيف 1 لعام 2012، التي تتحدّث عن مرحلة انتقالية بقيادة هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وهذا يعني أن روسيا وتركيا وإيران اتفقت على العودة إلى نقطة الصفر لحلّ الصراع في سورية وعليها.
ف- خـارطة “مناطق وقف التصعيد” وخارطة “المناطق الآمنة”، غير محدّدة جغرافيًا بدقة، ما يُبقي احتمالات الخروقات والاشتباكات مفتوحة، وأي إطلاق نار من فصائل المعارضة سيلقى ردًا روسيًا عسكريًا، ما يعني نسف فكرة المناطق الآمنة من جديد، وهذا التوزيع الجغرافي العسكري قد يفتح الباب أمام تبادل ديموغرافي وتهجير سكاني بين المناطق، وهذا القلق في تعيين الحدود يشابه القلق من اتفاقية (سايكس- بيكـو) التي حملت عناصر متفجـرة لم يتمّ حلها حتى بعـد مئة عام على الاتفـاق.
ص- يمكن الجزم بأن الاتفاق أفرغ القضية السورية من بعدها الثوري، وحوّلها إلى صراع بين نظام ومتمردين، وحرب بين وكلاء قوى إقليمية ودولية، وأبعد تحقيق فكرة تغيير النظام بعملية سياسية، وحوّل- قسرًا- أولويات السوريين إلى وقف إطلاق نار غير مشروط لا بعد سياسيًا له.
ثالثًا: إيجابيات
أ- يمكن عدّ وقف استخدام النظام سلاح الطيران والأسلحة الثقيلة في تلك المناطق الأربع أمرًا إيجابيًا، وضروريًا، على الرغم من أن السوريين يريدونه على كامل الأرض السورية وليس على أربع مناطق فقط، وهذا قد يؤدي إلى قتل أقلّ، وعودة تدريجية إلى الحياة من جديد ضمن هذه المناطق.
ب- يمكن الحديث، بكثير من التحفظ، عن إمكانية انسحاب القوات التابعة لإيران، والمؤتمرة بأوامرها، من سورية، بعد تثبيت الهدنة في هذه المناطق المُفترضة، وهذا ما حاول بعض المسؤولين الروس الإيحاء به في تصريحات أعقبت الإعلان عن مذكرة أستانة.
ج- قد يكون آخر الإيجابيات انخراط أمريكي أكبر في القضية السورية، خاصة إذا افترضنا صحّة الادّعاء الروسي بأن هناك علمًا وموافقة مسبقة من الأميركيين على هذا الاتفاق، ما يعني أن التدخل الأميركي قد يبدأ، والذي من الممكن أن يؤدي إلى تظهير صيغة حلّ مشترك أميركي- روسي- دولي، في مواجهة الوجود الإيراني في سورية، خاصة في ظل موقف ترامب المتشدّد المُعلن من إيران.
رابعًا: وماذا بعد
في أستانة 4 كان هناك أربع نقاط متفق عليها على جدول الأعمال: تثبيت وقف إطلاق النار- الحصار والإغاثة والمعتقلون- الألغام- الدستور، وما تمّ العمل عليه، هو البند الأول والثاني الذي جرى التطرّق له بصورة هامشية؛ واستطاع الروس تغيير جدول الأعمال كاملًا، سواء وافق النظام والمعارضة أم لم يوافقا.
على الرغم من النجاح الروسي هذا، إلا أنه من الصعب أن يحلّ محلّ أي حل سياسي، ومن الصعب أيضًا إيجاد حلّ للقضية السورية لا يضمن بدء عملية انتقالية في سورية تُفضي إلى تغيير النظام الشمولي الوراثي الأمني الذي تسبّب بكارثة تاريخية لسورية، ولا يمكن أن تعتدل أوضاع سورية، بعد مئات الألوف من الضحايا، إلا بدولة مواطنين أحرار متساوين.
صحيح أن مفاتيح حلّ القضية السورية باتت كلّيًا بيد أطراف خارجية، إقليمية ودولية، بسبب ضعف كيانات المعارضة العسكرية والسياسية وتشتتها وارتهانها، إلا أن ذلك لا يمنع من الدعوة إلى ضرورة إيجاد قوة معارضة صلبة ثابتة، تحمل هموم الشعب وأهداف الثورة، وهذا بحدّ ذاته أمر يُسهم في إبقاء الثورة مطروحة على طاولات المفاوضات لدى جميع الأطراف.
لا بدّ من حلول عسكرية تنجح في وقف إطلاق النار من جهة، وتؤسّس لحل سياسي انتقالي في سورية على أساس بيان جنيف1 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصِّلة؛ وفي الغالب يبحث الروس عن مثل هذه الحلول، فهم يُدركون أن الحرب بلا نهاية، وقد تجرّهم إلى أتونها؛ ومن المُرجّح أنهم لن يجدوا الحلّ الأنسب طالما ظلّوا متمسكين بوجود رأس النظام في المرحلة الانتقالية.
على طيف المعارضة السورية التمسّك بالعدالة الانتقالية، وبضرورة محاكمة كل من شارك في القتل في سورية، أو أسهم في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعليها أيضًا أن تتمسّك بالانتقال السياسي بوصفه الشرط الضامن لوقف القتل والإرهاب، والطريق الوحيد الذي سيوصل سورية إلى الدولة الديمقراطية المدنية التعددية التداولية، دولة المؤسسات والعدالة والقانون.
هوامش
(1) نص مذكرة أستانة حول إنشاء مناطق وقف التصعيد في الجمهورية العربية السورية
إن جمهورية إيران الإسلامية، والاتحاد الروسي وجمهورية تركيا، بصفتهم الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في الجمهورية العربية السورية (والمشار إليهم لاحقًا بالضامنين)، مسترشدين ببنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 (2015)، ومؤكدين التزامهم القوي بسيادة واستقلال ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وسلامتها، ومعبّرين عن تصميمهم من أجل تخفيف مستوى التوتر العسكري ومن أجل توفير الأمن للمدنيين في الجمهورية العربية السورية، فقد اتفقوا على ما يلي:
1- إنشاء مناطق وقف التصعيد التالية من أجل وضع نهاية فورية للعنف، وتحسين الوضع الإنساني وخلق ظروف مواتية لتحقيق تقدم في التوصل إلى حل سياسي للنزاع في الجمهورية العربية السورية:
– منطقة إدلب وبعض الأجزاء من المناطق الريفية المجاورة (اللاذقية وحماة وحلب).
– أجزاء معينة في شمال ريف حمص.
– في الغوطة الشرقية.
– أجزاء معينة في جنوب سورية (مناطق درعا والقنيطرة).
ويعتبر إنشاء مناطق وقف التصعيد والمناطق الآمنة إجراء مؤقتًا، تبلغ مدته مبدئيا 6 أشهر يتم تمديده تلقائيًا بناء على موافقة الضامنين بالإجماع.
2- يتم ضمن خطوط مناطق وقف التصعيد:
– وقف استخدام أية أنواع من الأسلحة بما فيها سلاح الطيران بين الأطراف المتنازعة (حكومة الجمهورية العربية السورية، ومجموعات المعارضة المسلحة التي انضمت وسوف تنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار).
– وقف الأعمال العدائية بين الأطراف المتنازعة (حكومة الجمهورية العربية السورية، ومجموعات المعارضة المسلحة التي انضمت وسوف تنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار).
– تأمين دخول آمن وسريع وبدون أية إعاقات للمساعدات الإنسانية.
– توفير ظروف مواتية لإيصال المساعدات الطبية إلى السكان المحليين ولتلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين.
– توفير ظروف مناسبة لعودة آمنة وطوعية للاجئين والأشخاص النازحين محليًا.
3- إنشاء مناطق آمنة ضمن خطوط مناطق وقف التصعيد لمنع نشوب أية حوادث ومواجهات عسكرية بين الأطراف المتنازعة.
4- تشمل المناطق الآمنة ما يلي:
– نقاط تفتيش لضمان التنقل بدون عوائق للمدنيين غير المسلحين وإيصال المساعدات الإنسانية وتسهيل الأنشطة الاقتصادية.
– نقاط مراقبة لضمان الالتزام ببنود اتفاق وقف إطلاق النار.
يتم تحديد مهام وعمليات نقاط التفتيش ونقاط المراقبة وإدارة المناطق الآمنة من قبل قوات الضامنين وفق الاتفاق بينها بالإجماع. ويمكن مشاركة طرف ثالث عند الضرورة بموافقة الضامنين.
5- يقوم الضامنون:
– باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان التزام الأطراف المتصارعة باتفاق وقف إطلاق النار.
– باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمتابعة القتال ضد داعش، وجبهة النصرة، وكافة الأفراد والمجموعات والكيانات الأخرى المرتبطة بالقاعدة أو داعش، كما حددها مجلس الأمن الدولي ضمن وخارج مناطق وقف التصعيد.
– بمتابعة الجهود للعمل على ضم مجموعات المعارضة المسلحة التي لم تنضم بعد إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
6- يقوم الضامنون وخلال أسبوعين من توقيع المذكرة بتشكيل مجموعة عمل مشتركة لوقف التصعيد (يُشار إليها أدناه بمجموعة العمل المشتركة) يتم تشكيلها من ممثلين مفوضين لترسيم حدود مناطق وقف التصعيد والمناطق الآمنة وتسوية المشاكل العملية والفنية المتعلقة بتنفيذ المذكرة.
تتخذ الدول الضامنة الخطوات اللازمة بحيث يتم في 4 يونيو 2017 إنجاز إعداد خرائط مناطق وقف التصعيد والمناطق الآمنة ولفصل مجموعات المعارضة المسلحة عن المجموعات الإرهابية المذكورة في الفقرة رقم 5 من المذكرة.
تقوم مجموعة العمل المشتركة في التاريخ المذكور أعلاه بإعداد خرائط مناطق وقف التصعيد والمناطق الآمنة بموافقة الدول الضامنة بالإضافة إلى مسودة اللائحة التنظيمية لمجموعة العمل المشتركة.
تقدم مجموعة العمل المشتركة تقريرها عن أنشطتها إلى الاجتماعات الدولية عالية المستوى التي تعقد في أستانا.
تصبح المذكرة الحالية سارية المفعول اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ التوقيع عليها.
حررت في أستانا بتاريخ 4 مايو 2017 من ثلاث نسخ باللغة الإنكليزية، وهذه النسخ ذات صلاحية متساوية.
التواقيع:
جمهورية إيران الإسلامية
الاتحاد الروسي
جمهورية تركيا
[sociallocker] [/sociallocker]