“قسد” تدخل الطبقة والمطار لقوات أميركية بريطانية


إبراهيم العبد لله

انجلت معركة الطبقة، بين ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) و”تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، عن انسحاب آخر مجموعة مقاتلة من عناصر التنظيم مع أسرهم باتجاه الرقة، يوم أول أمس الأربعاء. هذا الانسحاب جاء بموجب اتفاق بين الطرفين، أنهى معارك دامت نحو شهر ونصف في الطبقة والقرى المحيطة بها؛ خسر التنظيم خلالها معظم عناصره المرابطين في المدينة، وتعرضت الطبقة خلالها لدمار كبير في عمرانها، وخسرت عشرات الشهداء من المدنيين. وسبق “سقوط” المدينة تمركز قوات أميركية وبريطانية وكردية في مطارها العسكري.

وفّرت معارك الطبقة نموذجًا إضافيًا للتكتيك الذي يتبعه التحالف الدولي في عمليته المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات، لاجتثاث تنظيم الدولة من المناطق التي فرض سيطرته عليها في سورية والعراق؛ فالهجمات المكثفة، بالطيران الحربي والقصف المدفعي العنيف، تجعل من قتال عناصر التنظيم ضربًا من الانتحار.

شاهد سكان الطبقة قافلةَ سيارات، تقلّ أكثر من مئتي شخص باتجاه الرقة يوم أول أمس، هم آخر عناصر تنظيم الدولة في الطبقة وأفراد عائلاتهم، بعد أن أخلوا مواقع كانوا يعتصمون بها في أحياء مدينة الثورة وسد الفرات. في مشهد يثير كثيرًا من الأسئلة حول جوهر هذا التنظيم والدور الذي يقوم به، وقد تضررت منه البيئات المحلية التي حكمها التنظيم خلال السنوات القليلة الماضية بأكثر مما تضرر منه أعداء التنظيم المفترضين.

تزامن تحقيق التحالف الدولي وشريكه على الأرض (وحدات حماية الشعب الكردية المكون الأكبر عددًا والأقوى تسليحًا في تشكيلة “قسد”) لهذا التقدم العسكري المهم مع إعلان الولايات المتحدة عن تزويد هذه الوحدات بأسلحة ثقيلة، بصورة رسمية وعلنية لأول مرة منذ بدء تحالفهما قبل نحو ثلاث سنوات. ويأتي هذا الإعلان ليشكل خطوة جديدة ومتقدمة من الإدارة الأميركية الجديدة في زيادة الزخم وتسريع وتيرة القتال ضد تنظيم الدولة الذي يبدو، اليومَ، في أسوأ أحواله منذ إعلانه دولته المزعومة قبل ثلاث سنوات. هذه الخطوة تُضاف إلى خطوة مهمة أخرى، تمثلت في الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل نحو شهرين ونصف، بتخفيف القيود على الطيارين الأميركيين العاملين في عملية “العزم الصلب” في ما يخص قواعد الاشتباك، وإعفائهم من مسؤوليات، كانت تقع على عواتقهم، تتعلق بإحداث أضرار جانبية، أي إصابة أهداف مدنية أثناء تأدية واجبهم العسكري؛ وهذا ما أدى، خلال الشهرين الأخيرين، إلى مجازر شبه يومية في الرقة ومحيطها. تسليح ميليشيا الوحدات الكردية، فضلًا عن أنه يثير مخاوف واسعة لدى العرب في منطقة الجزيرة السورية؛ فإنه يقلق تركيا التي فُرض عليها اليوم جارٌ، خرج من أرضها إلى جبال قنديل في عام 2012 صلحًا، وبات منتشرًا على طول حدودها مع سورية متحفزًا لقتالها، وحائزًا على غطاء جوي وخبرة أميركية في التدريب والتسليح والتخطيط تقود عملياته اليومية ضد (داعش) الذي تبدو نهايته قريبة، فيما تبدي هذه الميليشيا طموحًا يتجاوز الحدود السورية.

لكن الغطاء الأميركي لا يبدو متوقفًا على ساحات القتال ضد تنظيم الدولة، ولا يبدو مؤقتًا إذا ما نظرنا إلى تصاعد التسليح الذي يأخذ الآن صيغة تزويد وحدات حماية الشعب بأسلحة ثقيلة، وإلى القواعد التي أنشأها الأميركيون على الأراضي السورية خلال العامين الأخيرين، حيث أنشأ خبراء ومهندسون أميركيون بمعونة (حزب الاتحاد الديمقراطي) عددًا من القواعد العسكرية ومخازن الذخيرة والعتاد في الحسكة والرقة وحلب، ولعل أهم هذه القواعد هي قاعدة (خراب عشك) القريبة من عين العرب، وهي قاعدة للطيران المروحي الذي يغطي قتال القوات الخاصة الأميركية والوحدات الكردية في محافظة الرقة. ومؤخرًا، احتلت قوات أميركية خاصة موقعين قربَ مدينة الطبقة: الأول في منطقة القرين على ضفة بحيرة الطبقة، وحولته إلى موقع لتمركز مدفعيتها، والثاني مطار الطبقة الذي تتجمع فيه قوات أميركية وبريطانية وكردية.

يقع مطار الطبقة العسكري جنوب شرق مدينة الطبقة، على مسافة 2 كم تقريبًا جنوب الطريق السريع بين حلب والرقة، ويمكن أن يتحول إلى قاعدةٍ للتواجد العسكري متوسط وطويل الأمد في سورية، حسب متابعين محليين؛ إذ إنه يقدم فرصة للأميركيين للتخفف من اشتراطات أنقرة، في ما يتعلق باستخدام قاعدة أنجرليك.

يبدو أن الأميركيون راغبون في البقاء في سورية طويلًا، هذا ما يستنتجه المراقب من زيادة عديد القوات الأميركية العاملة على الأرض خلال الشهرين الأخيرين، ومن رفع مستوى تسليح الحلفاء كمًا ونوعًا. مدة البقاء هذه مرهونة -دون شك- بدور الولايات المتحدة في ما يتعلق بالقضاء على الإرهاب أولًا، حسب الذريعة المعلنة من جانبها، لكنها أيضًا ترتبط ارتباطًا قويًا، بتصورها عن الحل النهائي في سورية وطبيعته وموازين القوى داخل النظام الجديد الذي يُرجّح أن يكون لشركائها الحاليين دور بيضة القبان فيه.




المصدر