Written by
MICRO SYRIA ميكروسيريا
on
on
النظام يشنّ حرب الأوراق الثبوتية على السوريين
ترجمه/ته إلى العربية بسكال مناسا.
هذا التحقيق ينشر بالتعاون والشراكة مع موقع أوبن ديموكراسي. كثيراً ما حُرِم المعارضون السياسيون من حقوقهم المدنية وتراخيصهم المهنية وممتلكاتهم الخاصة. وحتى اليوم، يضطرّ المواطنون إلى رشوة الموظفين الرسميين خوفاً من تأخير معاملاتهم إلى أجَل غير محدّد. كانت رُلى(1) تعمل في قسم التسويق في إحدى أكبر شركات بيع الملابس في سوريا عندما وصل بشار الأسد إلى الحكم عام 2000. أخبرت رُلى موقع “حكاية ما انحكت” من دبي حيث تقطن الآن، أنّها، وبحكم وظيفتها كانت تعرف مدى الفساد. وقالت: “كنت أعرف مدى الفساد والاحتيال المستشريين في البلاد. على سبيل المثال، إذا دفعت شركة ما ضرائب بقيمة 500 ألف ليرة سورية (أي حوالي 10 آلاف دولار في ذلك الوقت) في السنة، تدفع في المقابل رشاوى بقيمة 5 مليون ليرة سورية تُدسّ في جيوب الموظفين الرسميين. هذا هو المعدّل الذي يخوّلك أن تفعل ما تريده. ما دمت تدفع، لن تواجه أي مشكلة”. في الأعوام السابقة، ومع بلوغ القمع السياسي معدّلات غير مسبوقة، بما في ذلك ارتفاع وتيرة جرائم الحرب وكثرة الأسلحة المحظورة، ازداد أيضاً الفساد واستُخدم كأداة حرب ضدّ المعارضة، وكمصدر هائل لدخل اقتصاد الحرب على حساب الشعب. بين الحياة والموت بعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، أخذ النظام في استعمال تكتيكات قذرة لابتزاز الناس، أولاً لأسباب سياسية وبعدها لدواعٍ مالية. وإثر استهداف نيران النظام المتظاهرين وقتل المعتقلين بعد تعذيبهم أو قصف الأحياء المدنية، واجهت العائلات مأساة مزدوجة، فكما لو أنّ حدادها على أبنائها لم يكُن كافياً، كان النظام يحجب معلومات عن قدر الموقوفين الذين يُحتمل أن يكونوا قد قضوا في الاعتقال أو في المستشفيات، بالتالي مانعاً العائلات من التأكّد ما إذا كان مفقودوها أحياء أو أموات. وحتى عندما كانت قوى الأمن تقرّر إبلاغ العائلات بالوفاة، كانت غالباً ما تحتفظ بالجثث والوثائق الرسمية للضحايا إلى أن توقّع العائلات تصريحات تتّهم فيها “عصابات إرهابية مسلّحة” بقتل أبنائها. بدأ هذا النهج منذ عام 2011 أي قبل عامين من ظهور الدولة الإسلامية. ومع ارتفاع عدد القتلى، باتت الرشاوى من الإجراءات الروتينية لقاء إثباتات موّثقة، فازدهر النشاط الموازي للمسؤولين الأمنيين الذين كانوا يشرفون على عمليات القتل الممنهج. مع ذلك، وبما أنّ هذه النشاطات كانت تتمّ بعيداً عن الدوائر القضائية في الزنزانات الأمنية بحضور وسطاء مدنيين يتولّون الرشاوى ويوافقون شفهياً على كلّ شيء، كان يتمّ التلاعب بالوثائق في كثير من الأحيان. أشهر هذه القضايا كانت قضية الشابة زينب الحصني من حمص. ففي أواخر شهر تموز/يوليو 2011، فُقدت زينب واعتقدت عائلتها أنّ قوى الأمن اعتقلتها. بعد شهرين، تلقّت العائلة جثة منكّلاً بها من المشرحة وقيل إنّها تعود لزينب. ولكن لم يُسمح للعائلة أن تستلم الجثة إلّا بعد التوقيع على الاتهام الاعتيادي للـ”العصابات المسلّحة”، فاستشاطت العائلة غضباً وسرعان ما نشرت وسائل إعلام المعارضة ووسائل الإعلام الدولية الخبر كدليل إضافي على جرائم النظام. بعد بضعة أيام، نُشر فيديو لمقابلة مع الشابة زينب على التلفزيون السوري الرسمي، قالت فيه إنّها على قيد الحياة وبصحة جيدة لتكذيب إعلام المعارضة على الرغم من الدليل الذي أُعطي لعائلتها. ولا تزال هوية الجثة المنكّل بها مجهولة حتى اليوم. يحمل التلاعب بالوثائق تداعيات قانونية تمنع العائلات من الاستمرار في حياتها. مثلاً، لا تعرف “الأرامل” ما إذا كُنّ لا تزلن متزوّجات أم لا، بعد مرور عدّة أعوام على اعتقال أزواجهنّ. ولا يمكنهنّ الطلاق أو الزواج من جديد قانونياً قبل أن تعترف المحاكم بأنّ الزوج مفقود، وقد تستغرق هذه العملية حتى أربعة أعوام. وغالباً ما يعتمد الحصول على اعتراف رسمي على قدرة المرأة على تلبية طلبات القضاة الفاسدين. بموجب القوانين السورية، لا يمكن للأمّ أن تصدر وثائق رسمية مثل جوازات السفر لأولادها حتى ولو كانت الحاضنة الشرعية لهم أو كانت ما تزال متزوّجة من والدهم. ففي غياب الوالد، لا يستطيع إلّا رجل من عائلة الأب أن يصدر هذه الوثائق في حال وجود دواعٍ كافية لغياب الأب. ويقرّر الموظفون الحكوميون ما إذا كانت الإثباتات كافية، وهؤلاء أيضاً تُشترى ليونتهم في اتخاذ القرار. فقدت غادة، 57 عاماً، ابنها خلال غارات النظام أثناء حصار حمص (2012 – 2014)، وكان النظام يبحث عنه من قبل بسبب نشاطاته في الثورة، ونتيجة لذلك، لم تستطع دفن جثته في مدافن العائلة. ولكن لم تكُن هذه المشكلة الوحيدة، أضافت غادة: “ليس لدي سوى ابن آخر كان من المقرّر أن يلتحق بالخدمة العسكرية إذا لم نتمكن من إصدار شهادة وفاة لشقيقه المتوفى” وفق قانون التجنيد الإجباري السوري، يُعفى الأولاد الوحيدون فقط من هذه الخدمة. وقالت: “عملنا لأشهر طويلة للحصول على وثيقة وفاة وتمكّنا من ذلك أخيراً”. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الخطوة كلّفتها مئات الدولارات عام2013. أما اليوم، فيمكن أن تلامس الكلفة آلاف الدولارات بحسب أهمية الوثيقة والقدرة المالية للمواطن الذي يتمّ ابتزازه. التعليم كان لطلّاب المدارس أيضاً نصيبهم في اللعبة، إذ استُخدموا كبطاقات مساومة في هذه الحرب من أجل الوثائق الرسمية. وعلى الرغم من أنّ النظام استمرّ في دفع رواتب الأساتذة في المدارس الرسمية في المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة، رفض في بعض الأحيان الاعتراف بشرعية الامتحانات الرسمية فيها، ما أثر على طلّاب الصف التاسع أساسي والصف الثالث ثانوي الذين يخضعون لامتحانات تأهيلية في جميع أنحاء البلاد ليحصلوا على شهادة تخرّج رسمية تخوّلهم متابعة دراساتهم. تحجّج النظام بعدم قدرته على التحقّق من حسن سير الإجراءات في مراكز الامتحانات في المناطق الخاضعة للمعارضة لمنع الغش والاحتيال. ولكنّ المثير للسخرية هو أنّ هذه الممارسات تكثر في مناطق النظام بالإضافة إلى ازدياد الطلب بشكل غير مسبوق على الشهادات الأكاديمية المزوّرة. وقد دفع هذا الوضع بعض الدول إلى رفض الاعتراف بالمؤهلات الأكاديمية والشهادات الصادرة في سوريا بعد عام 2011. في بعض الحالات، ونتيجة المفاوضات الناجحة مع الأطراف التي تسيطر على كلّ منطقة، تمّ الاعتراف بالامتحانات، وفي حالات أخرى سُمح للطلّاب بترك الأحياء المحاصرة للخضوع للامتحانات، وكثيراً ما عنى ذلك أن يضطُرّ الطلاب وأساتذتهم إلى تحمّل تهديدات وتكاليف إضافية للوصول إلى مناطق النظام. تحدّث محمد، وهو أستاذ للصف التاسع أساسي في الغوطة الشرقية المحاصرة يبلغ عمره 32 سنة، عن رحلته المؤلمة مع طلّابه أوائل صيف2015. وقال: “استغرقنا عبور الحواجز الكثيرة والحصار للوصول إلى دمشق 27 ساعة. عندما كنت أسلك هذه الطريق سابقاً، كانت تستغرقني 20 دقيقة فقط”. كما أنّ الرحلة كانت خطرة على محمد الذي فقد شقيقين في السنوات الأربع الأخيرة وأصبح ولداً وحيداً ولكن بشكل “غير رسمي” لأهله المسنّين وكان احتمال تجنيده موجوداً دائماً. تخطّى محمد هذه التجربة الصعبة لحسن حظه، لكنّ أمّ غيث التي تبلغ من العمر 50 عاماً لم يحالفها الحظ. رافقت طالبات الصف التاسع أساسي إلى مدينة حلب ليخضعوا لامتحاناتهم كونها موظفة إدارية في مدرسة ثانوية رسمية في ريف حلب الخاضع للمعارضة. ولكن في طريق العودة، تمّ تفتيشها عند حاجز ووُجد بحوزتها مبلغ نقدي كبير. قالت: “فسّرت للجنود عند الحاجز أنّ هذه رواتب التقاعد لزملائي الأساتذة الذين لم يتمكّنوا من خوض الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى حلب للحصول على رواتبهم. وأريت الجنود التخويلات القانونية التي منحني إياها زملائي لاستخدام بطاقاتهم الائتمانية، ولكن جاء الردّ أنّ الموظفين المتقاعدين مطلوبون لأنهم أفراد في الجيش السوري الحرّ. وما كان من الجنود إلّا أن أخذوا المال واعتقلوني”. وأضافت: “سألتهم: ما أدراني إذا كان زملائي مطلوبين أم لا؟ لمَ تُدفع رواتبهم إذا كانوا في الجيش السوري الحرّ؟ إنهم أساتذة متقاعدون ومسنّون”. بقيت أمّ غيث معزولة في فرع أمني لمدّة ثلاثة أسابيع إلى أن أُطلق سراحها من دون توجيه أي تهمة إليها ولكنّها لم تستعد المال. ليس الوضع أفضل في الجامعات. اضطُرّت راميا شامي إلى مغادرة سوريا بعد نجاحها في الامتحانات النهائية، ولكن قبل صدور شهادة التخرج، فأعطت والدتها تخويلاً قانونياً لمتابعة العملية نيابة عنها وغادرت إلى غير رجعة. بعد محاولات دامت تسعة أشهر، استسلمت وفقدت الأمل من الحصول على شهادتها. قالت راميا: “لم أجد أنّ لاستمرارها (الوالدة) في هذه اللعبة غير المجدية والمتعبة معهم فائدة”، مفسّرة أنّه طُلب من والدتها إبراز شهادة راميا الثانوية كشرط لإصدار شهادة البكالوريوس على الرغم من أنها قدّمتها سابقاً للالتحاق بالجامعة قبل أربعة أعوام. عندما شرحت والدة راميا أنّ الشهادة الأصلية مفقودة لأنها تُركت في منزل راميا الذي لا يستطيعون الوصول إليه في منطقة تحت سيطرة المعارضة، أصرّ موظفو جامعة دمشق على رفضهم إصدار شهادتها الجامعية. كان يمكن للرشوة أن تحلّ المسألة ولكنهم لم يريدوا الدفع. تحسّرت راميا على الأعوام الأربعة التي قضتها على مقاعد الدراسة. الوكالات القانونية بعد مغادرة ما يقارب ثلث السوريين البلاد، باتت الوكالات القانونية من السكّان الذين يعيشون في الخارج أساسية للسماح لممثليهم القانونيين بالتصرّف نيابة عنهم لتسيير أعمالهم في البلاد والحصول على وثائقهم. فاغتنم النظام الفرصة وعمّ الفساد وجرى فرض شرط مسبق بالحصول على موافقة أمنية لإصدار وثائق رسمية عديدة بما فيها التخويلات القانونية التي تصدرها السفارات السورية، ممّا يحرم السوريين الذين يعيشون في الخارج من حقوقهم إذا لم يكُن مرحبّاً فيهم سياسياً أو لم يدفعوالرشاوى، سواء لعدم قدرتهم أو عدم رغبتهم في ذلك. أخبرتنا ندى، 36 عاماً، التي تدرس في أوروبا للحصول على شهادة الدكتوراه منذ ثلاثة أعوام عن صراع والدتها لإنقاذ منزلها في حمص. اشتركت ندى في مشروع الإسكان العام منذ أكثر من عقد وتدفع الأقساط الشهرية مقابل منزل منذ ذلك الوقت. بعد عدّة أعوام من التأخير، جهز المنزل أخيراً في عام 2016. ولكن كانت ندى أيضاً تتحدّث علناً عن فظائع النظام في أوروبا. وعلى الرغم من أنّ والدة ندى التي تدعم النظام لم تكلّمها منذ أكثر من عامين بسبب ذلك، إلا أنّ المفارقة كانت حين واجهت والدة ندى فساد النظام واختلاسه لأموال الشعب عندما مُنعت من التصرّف نيابة عن ابنتها لاستلام المنزل، وذلك بسبب رفض إعطاء ندى موافقة أمنية. فسّرت ندى، قائلة: “كلّ ما أردناه هو الاستفادة من المنزل، فأعداد المشرّدين لا تُحصى في حمص ويحتاجون إلى مكان يأويهم. ولكن الآن لا أستطيع استثمار المنزل بأي شكل، لا من خلال تأجيره ولا بيعه”. تخشى ندى أن يؤدي غياب الأمن والفوضى الإدارية إلى استيلاء أطراف تابعة للنظام على منزلها. الجنسية والتنقّل يعتبر العالم أنّ أكثر ما يثير القلق في هذا “التعسّف البيروقراطي” متعلّق بجوازات السفر التي لطالما استخدمت كأداة للسيطرة على تنقّل المواطنين في العالم. فمن خلال ضبط جوازات السفر، يتحكّم النظام بمَن يغادر البلاد وبالوسيلة المستعملة لذلك، ومَن يستطيع التنقّل في الخارج ومَن يُضطرّ إلى طلب اللجوء ومَن يُجرّد من جنسيته ويُترك مشرّداً من دون هوية. انتقل عدد كبير من السوريين إلى البلدان المجاورة مثل تركيا والأردن ولبنان من دون جوازات سفر أو أيّة أوراق ثبوتية، هرباً من منازلهم التي تعرّضت للقصف، والتي أُتلفت فيها وثائقهم على الأرجح. بالتالي، علق السوريون في البلدان التي استقبلتهم، عاجزين عن مغادرتها شرعياً. واستفاد المهرّبون من هذا الوضع لكسب أرباح، إذ إنّهم باتوا أمل هؤلاء السوريين الوحيد لمغادرة البلدان التي استضافتهم. باءت محاولات إصدار جوازات سفر جديدة في السفارات السورية في بلدان اللجوء بالفشل لأعوام عديدة. منذ عام 2011 وخلال عام 2012، لم تكُن سفارات النظام في الأردن وتركيا وبلدان أخرى تعمل بانتظام. بالإضافة إلى ذلك، منذ عام 2013، شدّد النظام الشروط الأمنية على إصدار جوازات السفر وفرض إجراءات للتحقّق من أنّ المتقدمين بالطلبات غير متهمين بمعارضته أو طلب منهم أن يقدّموا جوازات سفرهم القديمة التي غالباً ما تكون مفقودة. خلال هذه الفترة، اضطُرّ عدد كبير من السوريين إلى التقدّم بطلب لجوء في البلدان التي استقرّوا فيها ولكن ليس لأسباب مالية أو دواعي إقامة، وإنما بسبب افتقادهم لأوراق ثبوتية صالحة جعلت من إقامتهم في هذه البلدان شبه مستحيلة. وسط هذه الظروف، نشأت أسواق سوداء لبيع جوازات السفر المزيّفة أو المسروقة وكانت هذه العملية تجري بمشاركة مسؤولين فاسدين في النظام. ومما زاد الطين بلّة توّسع هذه الأسواق إلى ما يتخطّى احتياجات السوريين الذين حرمهم النظام جوازات سفرهم المشروعة، فشملت طالبي اللجوء من دول مختلفة أرادوا الاستفادة من باب اللجوء الإنساني الذي فُتح أمام المواطنين السوريين. على سبيل المثال، أخبرنا نادر، 42 عاماً، عن تجربته كمترجم فوري متطوّع في مركز للاجئين في ألمانيا في صيف 2015. قال: “بما أنّ الكثيرين وصلوا من دون أوراق ثبوتية أو حاملين أوراقاً مزيفة، طلب منّا بعض زملائنا الألمان الاستناد إلى تلميحات في اللهجة السورية لتحديد ما إذا كان الشخص سورياً فعلاً”. لم ترضِ هذه المهمة نادر، وقال: “تشبه لهجة السوريين من دير الزور لهجة العراقيين”. وجد نادر المهمة صعبة ومنافية للأخلاق لأنّ الأشخاص الآتين من مناطق الحدود السورية والعراقية ربما يهربون هم أيضاً من قمع الدولة الإسلامية أو من غارات الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. أخيراً، استسلم النظام للضغوط الدولية وللحاجة المالية للعملة الأجنبية في عام 2015 وعاود إصدار جوازات السفر للمواطنين السوريين بمن فيهم الناشطون المطلوبون أو المطلوبون للتجنيد الإجباري. وقد تضاعفت كلفة الحصول على جواز سفر رسمي وسُعّر بالدولار للأشخاص الذين تقدّموا بطلباتهم من الخارج. وتضاعفت كلفة جواز السفر مجدداً لتبلغ 800 دولار للمعاملات المسرّعة مقابل أقلّ من 100 دولار قبل عام 2011. ولكن ابتزاز الناشطين لم ينتهِ هنا، إذ إنّ التعقيدات الأمنية تعقّد العملية بشكل عشوائي وفردي لتؤخر إصدار الجوازات لأشهر عديدة أحياناً. وغالباً ما يُطلب من مقدّمي الطلبات تقديم جوازاتهم القديمة قبل الحصول على تلك الجديدة، ما يتركهم تحت رحمة النظام ويجبرهم على دفع أي ثمن ورشوة بالإضافة إلى الكلفة الرسمية لتسيير معاملاتهم. الرضوخ الدولي مؤخراً، استخدم النظام طريقة جديدة تستند إلى التعاون الدولي عبر اعتبار جوازات السفر مسروقة أو ملغاة ببساطة. وهذا ما حصل مع الصحافية الحائزة على جوائز متعددة، والناشطة زينة إرحيم التي احتجزت السلطات البريطانية جواز سفرها في المطار فور وصولها إلى لندن في أيلول/سبتمبر 2016. عندما سألت زينة عن السبب، وهي مشرّدة في المطار مع مولودتها الجديدة، جاء تفسير موظفي المكتب الحكومي مبهماً إذ قالوا إنّ جواز سفرها “مسروق بحسب التبليغات” ولكنهم لم يقدّموا تفسيراً عن طبيعة هذه “التبليغات”. تفاجأت زينة من الجواب لأنّ أحداً لم يسألها ما إذا كانت فعلاً زينة إرحيم أم لا. وتقبّلت السلطات البريطانية اتهامها بسرقة جواز سفرها الخاص. تعليقاً على الحادثة، قال متحدث في المكتب الحكومي لصحيفة ” الغارديان” The Guardian: “إذا بلّغت دولة أجنبية عن سرقة أو فقدان جواز سفر، ليس أمامنا خيار غير احتجازه”. يبدو أنّ السلطات الأمريكية هي أيضاً تمتثل لإجراءات النظام بضبط الوثائق الرسمية كما حصل مع المصوّر السينمائي خالد الخطيب الذي حاز الفيلم الوثائقي القصير “الخوذ البيضاء” أو The White Helmets الذي قام بتصويره على جائزة الأوسكار. مُنح الخطيب تأشيرة زائر إلى الولايات المتحدة لحضور حفل توزيع الجوائز ولكنه مُنع من ركوب الطائرة في تركيا في شهر شباط/فبراير 2016 وأبلغته السلطات التركية أنّ تأشيرته “ملغاة”. كان بإمكان السلطات الأمريكية أن تُسقط شرط حمل جواز السفر للسماح له بمتابعة رحلته، ولكنها توانت عن ذلك على الرغم من كامل وعيها بسجلّ النظام السوري في اضطهاد معارضيه. وقد نشرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية تفسيراً رسمياً لمنعها الخطيب من السفر، زاعمة أنها تلقّت “معلومات مشككة” عنه، وهذا مصطلح واسع قد يشمل مخالفات في جواز السفر ومخاوف أمنية على حدّ سواء. ولدى سؤاله عن توضيحات، قال مسؤول عن الشؤون والمعاملات السورية في وزارة الخارجية الأمريكية لموقع “حكاية ما انحكت: “للسفر إلى الولايات المتحدة، يجب على المسافرين من سوريا أن يحملوا تأشيرة وجواز سفر صالحَين” لم تقدّم السلطات الأمريكية للإعلام إلّا هذا الردّ حرفياً. (1) استُخدمت الأسماء المستعارة لأسباب أمنية باستثناء إسم زينة ارحيّم وخالد الخطيب. (الصورة الرئيسية: سفارة سوريا في براغ، 12/4/2008/ (Krokodyl/Wikipedia via CC BY 3.0))المصدر