كأنني أعرفه من جديد: رياض سيف


عقاب يحيى

ترددت كثيرًا في الكتابة عن الصديق رياض سيف، رئيس الائتلاف، ليس لأن شهادتي قد تبدو مشروخة فحسب، بل لأنني ما اعتدت الكتابة يومًا عن الأشخاص -اللهم إلا بعض من ارتحلوا، أو اعتُقلوا نحو ربع قرن- لكن الأمرَ يستحق أن أكتب؛ لأن وضع البلد، في الفترة التي جاء فيها سيف رئيسًا للائتلاف جديرٌ بإلقاء بعض الضوء على نيّات هذه الشخصية الوطنية الديمقراطية المعارضة، وطبيعتها، وبرنامج عملها.

تشكّل الائتلاف وفق ما يُعرف بـ “مبادرة رياض سيف” أو “المبادرة الوطنية”، وكانت تتمحور حول قيام جسم رشيق، محدود العدد، مكوّن من معظم القوى السياسية المعروفة بواقع ممثل لكل منها، وشخصيات وطنية ومستقلة، لها حيثيتها وبصمتها في الحياة السياسية السورية، وبدت المبادرة كأنها نقيض أو بديل للمجلس الوطني الذي كان عضوًا في مكتبه السياسي، وهو ما حصل فعلًا حين أرهق المجلس بتلك التوسعة، إضافة إلى عوامل أخرى لدى عدد من الدول الإقليمية والخارجية أدت إلى إنهاء المجلس عمليًا.

كتبت مرارًا أن من أهمّ أسباب “شطب” المجلس الوطني موقفه الرافض لقيام لجنة متابعة، ينتجها مؤتمر المعارضة في القاهرة الذي رعته الجامعة العربية، أوائل تموز/ يوليو 2012، وكان بمقاييس موضوعية أكثر تمثيلًا، ونتائجية، وكان الهدف الرئيس من لجنة المتابعة الدخول إلى وحدة عمل المعارضة، بوصفه مطلبًا حيويًا لممارسة دور قيادي في مرحلة، بدا فيها النظام، وفق معلومات ومعطيات مؤكدة، أنه على وشك الانهيار.

رفض المجلس الوطني الفكرة، وعدّها، عبر أكثرية مكتبه التنفيذي، مؤامرة لإنهائه واستبداله بجسم جديد يمكن أن يؤثر على السقف السياسي المرتفع، بوجود هيئة التنسيق وعدد من القوى المتقاربة، في مواقف بدت دون ذلك السقف، بينما كان عدد من هيئة التنسيق يتعاملون بعقلية الضرّة مع المجلس، ويعملون على استبداله، وعلى الأقل إيجاد تشكيل “أوسع” يضعه في حجم آخر، على أنه واحد من مؤسسات المعارضة، وليس الوحيد.

أكيد أن عوامل أخرى دفعت إلى اتخاذ قرار تشكيل الائتلاف، منها ما يعزى إلى المواقف الوطنية المتشددة للمجلس الوطني، ورفضه لبيان جنيف 1، أو الموقف من رأس النظام وكبار رموزه، ومن العَسكرة، والحل السياسي.

كانت مفاجأة كبيرة لصاحب المبادرة بإضافة 14 ممثل عن “المجالس المحلية” إلى القائمة التي رشّحها كأعضاء للشكل الجديد، وهي تمثل حكاية طويلة في الأسباب والموجبات والدور، ومن جهة أخرى فالمرشحون المنتمون لهيئة التنسيق وبعض الشخصيات المعروفة أحجموا عن المشاركة، فضلًا عن تمثيل النساء الهزيل، والنظام الأساس الذي أُعدّ من غير السوريين، ومثّل عقبة كأْداء لكل محاولات الإصلاح اللاحقة، والمأسسة.

كان الطبيعي أن يترأس رياض سيف الائتلاف، لأنه صاحب المبادرة، لكنه أصرّ على الاعتذار بدواعي المرض؛ مما فتح مجال البحث عن شخصية أخرى، فكان اختيار الشيخ معاذ الخطيب أول رئيس، وسط تأييد شعبي كبير ووعود كالمطر الغزير، بالدعم المفتوح بملايين الدولارات، وبتحويل الأموال المحجوزة للنظام لصالح الائتلاف، وبكثير من الكلام الإيجابي.

لن أتناول هنا إشكالات الائتلاف ودور قياداته، بخاصة من تولى منصب الرئاسة، في تكريس العقل الجمعي، ونهج المأسسة، وآليات اتخاذ القرار وتنفيذه، وتنفيذ الخطط التي كانت تُقرّ، ولا قصص محاولات إصلاح الائتلاف ونظامه الأساس، وإقرار رؤيته السياسية، ومشروعه الوطني، لكن الحصيلة العامة، لأربع سنوات ونصف، كانت مخيّبةً ليس لآمال معظم السوريين وحسب بل لعدد من أعضاء الائتلاف، في عمليات الإصلاح، والمأسسة، وتجسيد روح الفريق، والتوافق البعيد عن المحاصصة، والأصوات وموقعها، وكان سيف واحدًا من هؤلاء الذين أصيبوا بالإحباط واليأس، على الرغم من أنه كان باستمرار يحضر اجتماعات الهيئة السياسية، حتى وهو غير عضو فيها، ويطرح وجهات نظره بجرأة وصراحة؛ وكان يصل إلى حدّ طرح استقالته من الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات، إما لدواعي صحية، أو -وهو الأكثر- لعجز هذه المؤسسات عن القيام بدورها المأمول.

في الدورتين الانتخابيتين السابقتين، جرى التوافق على الهيئة الرئاسية، وانتهت الفترة ومشروعات إصلاح الائتلاف تُرحّل، ومثلها المشروع الوطني، وواقع الفصائل، ومسائل كثيرة على أمل أن تقرّها القيادة الجديدة، وتضعها على جدول التنفيذ.

جرى كثير من المحاولات للتوافق في الدورة 33 للهيئة العامة، وحالت وجهات نظر دون ذلك، وكان اسم رياض سيف مطروحًا كرئيس توافقي، لكن هناك من اجتهد وأصرّ على ترشيح آخر لأسباب يراها موجبة، وكان لا بدّ من دخول المنافسة الانتخابية، ليقرر الأعضاء من يختاروا، وفاز رياض سيف.

خلال الأيام القليلة، من يتابع حركة سيف ونشاطه يشعر أنه أمام إنسان جديد، أو أن الرجل عاد إلى فترة الحيوية والنشاط يوم كان أحد الصناعيين المعروفين في سورية، وعضو مجلس الشعب، والمعارض الصريح بمواقفه، والسجين المعتقل غير مرة، المصمم على تنفيذ ما هو مؤمن ومقتنع به.

في جلسة معه يقول: “نحن نحتاج إلى معجزة كي نستعيد ثقة الناس بالائتلاف، لكنني مؤمن بتحقيقها، وأولها إصلاح الائتلاف وإعادة هيكلته، وتكريس المأسسة والروح الجماعية وعمل الفريق، وصولًا إلى تنفيذ برنامج عمل ممرحل، ومحاسبة المكلّفين بالمهام، وتقسيم العمل لفترات محددة، كأن نراجع ما نفعل في المئة يوم القادمة…”، ثمّ العمل الحثيث على مدّ الجسور مع شعبنا، والاعتماد على الذات ما أمكن، واستعادة القرار الوطني، ومزيد من العلاقات الجيدة مع الأشقاء والأصدقاء.

كثيرة هي أحلام رياض سيف، والسوريين أيضًا، وقد فقدَ كثيرٌ منهم الثقة بالائتلاف، واستقبل العديد منهم اختيار سيف رئيسًا للائتلاف بالارتياح والأمل، ويبقى الامتحان الكبير مقياس التجسيد، ويبقى الائتلاف أمام الفرصة الأخيرة لإثبات مقدرته على إصلاح أوضاعه، والتصدي للمهام الكثيرة، ومواجهة التحديات الكبيرة بفريق عمل جماعي، وبإرادة الإنجاز.




المصدر