الانتخابات الرئاسيّة الإيرانية تشويق من دون الخروج عن النص
14 مايو، 2017
إبراهيم قعدوني
تستعدُّ طهران لإجراء انتخاباتٍ رئاسية في التاسع عشر من الشهر الجاري، وهي الانتخابات التي تجري كلّ أربع سنوات، حيثُ يشارِكُ فيها المرشّحون الذين وافقت السلطات الثيوقراطية الإيرانية على ترشُّحِهم مسبقًا في عمليّةٍ مصمّمَةٍ بهدف الإيهام بمداولة السلطة في الوقت الذي تُبقي فيه على هيمنة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وهو الذي يشغلُ منصبه هذا منذ ثمانية وعشرين عامًا، كما تحول دون تشكيل أيّ قاعدةٍ من شأنها تحدّي سلطاته. ومن الجدير بالذّكر أنَّ جميع الرؤساء الإيرانيين، منذ عام 1981 استمرّوا في رئاستهم لولايتَين دستوريتين.
ستة مرشّحين في مقدّمتهم روحاني
في الانتخابات الأخيرة التي جرت في 2013، مَنَع أنصارُ خامنئي مشاركة الزعيم الإصلاحي أكبر هاشمي رفسنجاني في الانتخابات وترشُّحه لولايةٍ ثالثة. أمّا أبرز ما سجّلَتهُ ترشيحاتُ انتخابات هذا العام فهو استبعاد محمود أحمدي نجاد الذي أراد هو الآخر الترشّحَ لولايةٍ ثالثة بالإضافة إلى استبعاد 1.629 مرشّحًا آخر بينهم 137 من النساء لتكون حصيلة المرشحين الذين حصلوا على الموافقة على ترشّحهم وسيتنافسون في الجولة الأولى التي ستجري في التاسع عشر من شهر أيار/ مايو الجاري ستّةُ متنافسين هم: حسن روحاني الذي تُرجِّحُ الاستطلاعاتُ إمكانية فوزه في الانتخابات نظرًا لعدم وجود منافسين أقوياء له، إذ لا يُعتَقدُ بأنَّ أيًّا من المرشحين الخمسة الآخرين، وهُم: نائب الرئيس الحالي، وهو إسحاق جهانغيري، وإبراهيم رئيسي، ومحمد باقر قاليباف، ومصطفى مير سليم، ومصطفى هاشمي طبا، لن يشكل تهديدًا حقيقيًّا لحظوظ روحاني بالفوز في الانتخابات، كذلك فإنَّ من بين هؤلاء مرشّحين إصلاحيّين من أنصار روحاني، من المتوقّع أن ينسَحِبا عشيّة الانتخابات وهما جهانغيري، وهاشمي طبا.
أمّا المرشحون المتشدّدون، فهُم محمد باقر قاليباف، وهو عمدةُ طهران وجنرال سابق هزمه روحاني في انتخابات 2013، ومصطفى مير سليم، وهو وزير الثقافة السابق. أمّا ثالث المحافظين فهو رجل الدين إبراهيم رئيسي. وعلى الرغم من أنَّ الأمور تسير لمصلحة روحاني، إلاَّ أنَّ المرشد الأعلى علي خامنئي لم يتوقّف طوال الحملة الانتخابية التي امتدّت على مدارِ شهرِ عن تزكيته المتزايدة لبرامج المحافظين الانتخابية، كما دأب على الانتقاد العلنيّ لحكومة روحاني؛ بسبب “تجاهلها محنة الفقراء والسعي لبناء جسور مع العدوّ القديم، أميركا”. كما عمد خامنئي إلى دعم المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي في توسيع قاعدته الانتخابية، إذ عيّنه في العام الماضي سادنًا للروضة الرضوية، وهي أغنى جمعية خيرية في البلاد، وغضَّ الطرف عن استخدام المرشح رئيسي لأموال الروضة في الإنفاق على حملته الانتخابية. وقد أقرته الهيئة الدينية الرئيسية في البلاد، وعلى الرغم من افتقاره للخبرة الوزارية إلاَّ أنَّ عمامة رئيسي السوداء -التي تنسبه إلى آل البيت- ستضمن له دعم المحافظين.
حربُ الطبقات وورقة الاقتصاد، لصالح مَن؟
يبدو أنَّ المحافظين وجدوا في سياسة روحاني الاقتصادية خاصرة رخوة لمهاجمته انطلاقًا منها، إذ يقول المتشدّدون إنَّ وعود روحاني في أن تبلغ الاستثمارات الأجنبية في إيران 50 مليار دولار في السّنة الأولى، بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، ذهبت أدراج الرياح، ولم يتحقّق شيء من هذا الرقم، وعلى الرغم من أنه نجح في رفع عقوبات الأمم المتحدة، إلا أنَّ العقوبات الأميركية ما تزال قائمة؛ مما يمنع أي مصرف دوليّ يتاجر بالدولار من تمويل أنشطته المالية مع إيران، كذلك فإنَّ معظم شركات النفط الكبرى ما زالت تُحجِمُ عن التعامل مع قطاع النفط الإيراني الذي يعدّ من أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم، إذ يقول باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية العملاقة للنفط: “لن نتمكن من العمل في إيران”. وبعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإن الأمور ستغدو أصعب بلا شك لجهة التعامل التجاريّ مع إيران.
وسط تعثُرِ الحصول على التمويل الأجنبي، لَحِقت ببرنامج روحاني التحديثي أضرار بالغة، وبحسب ما تشير له التقديرات، فإنَّ نسبة البطالة قد ارتفعت بالفعل منذ الاتفاق النووي لدرجة باتَ معها سوق العمل الإيراني عاجزًا عن استيعاب ما يزيد عن نصف عدد خرّيجي الجامعات الإيرانية سنويًا. وإذا كان لروحاني أن يباهي بنموّ الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي بنسبة 6.5 في المئة، حيث تضاعفت مبيعات النفط تقريبًا بعد رفع العقوبات الدولية، إلاَّ أنَّ تحقيق التوازن مع العجز المتراكم طوال سنوات العقوبات اقتضى تقييد الدعم الحكومي على نحوٍ بالغ.
استفاد المتشددون من حنين الناخبين إلى سنوات الوفرة الاقتصادية، قبل عَقد من الزمن، وهم يسخرون من الليبراليين الجدد بزعامة روحاني، ويدعونهم سخريةً بحكومة “النّخبة” في إشارةٍ إلى ما كان عليه الحال في عهد الشاه السابق حيثُ سيطر ما يُعرف بالأشراف على الحياة السياسية، وذلك على حساب “المستَضعَفين” وفقًا للأدبيات الخمينية والمحافظة. ويصف المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي نفسه بالضحية التي “عانت الفقر وعرفت ما الذي يعنيه”، كما تركّز حملته الانتخابية على إظهار التناقض بين التسجيلات التي تبثُّها حملة روحاني من المراكز التجارية الفخمة التي يرتادها أنصاره وبين بؤس الأحياء الفقيرة في إيران. ويتعهد المتشدّدون بتقديم مساعداتٍ شهرية جديدة للعاطلين عن العمل، وبخلقِ فرص عملٍ جديدة في البلاد، وبحسب ما يقول المراقبون فإنَّ انتخابات هذا العام تحوّلت إلى حربٍ طبقيّة ومواجهةٍ بين قيم الثورة الإسلامية وقيم ما قبلِها.
بعض التشويق، ولكن لا خروج عن النص في دراما الانتخابات الإيرانية.
في معرض دفاعه عن سياساته، يتّهم روحاني المتشددين بالتخطيط لتكريس الفصل بين الجنسين، وبأنّهم إذا ما استطاعوا فلن يترددوا عن “فَصل الأرصفة وتخصيص أرصِفةٍ للرجال وأخرى للنساء”، كما شكّكَ روحاني في تاريخ رئيسي مشيرًا إلى ماضيه كقاض ثوري حكم بالإعدام على المئات من الإيرانيين. في 2013 فاز روحاني بفارق ضئيل، إذ حصل على 50.7 في المئة من الأصوات، وربّما يجد نفسه مضطّرًا لخوض جولة ثانية في السادس والعشرين من الجاري، قد لا تكون في صالحه، علمًا بأنَّ آخر مرّةٍ شهدت فيها الانتخابات الرئاسية الإيرانية جولةً ثانية كانت سنة 2005، حين توحّد المتشدّدون بغيةَ الوصول بأحمدي نجاد إلى السلطة. ويخشى أنصار روحاني، في حال فوزِ المحافظين، من شنِّهم لحملةِ تطهيرٍ واسعة في البلاد بهدف تقويضِ ما أنجزه روحاني واجتثاث أنصاره من المؤسسات الحكومية، فمن بين قائمة المرشّحين المحافظين الثلاثة، هنالك محمد باقر قاليباف الذي كان رئيسًا لشرطة طهران حين اندلعت الاحتجاجات الطلاّبية، وقد ساهم في سحقها على نحوٍ لافت.
بدورهم يخشى المتشددون في أنّ انتصار روحاني سيطلق العنان للقوة الاقتصادية الأميركية في إيران إلى جانب خشيتهم من تعميم “نمط الحياة الغربي المعيب، المدمر، والفاسد”، كما يصفه آية الله علي خامنئي. غيرَ أنَّ من شأن الخطاب السياسي للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يساعد في دعم خطاب المتشددين في إيران وتزكيةِ برامجهم، ولا سيّما أنَّ اليوم الذي سيتوجّه فيه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع، هو اليوم نفسه الذي سيبدأ فيه ترامب أول رحلة خارجية له، بعد تولّيه منصبه، وذلك إلى المملكة العربية السعودية، غريم طهران الأبرز في المنطقة، وكان وليّ وليّ عهدها الأمير محمد بن سلمان قد تعهّد قبل أيام “بنقل المعركة إلى داخل طهران”.
لا شك في أنَّ كلا الجانبين يبالغ في تقديراته لوزنه السياسي، إذ إنَّ كلمة المرشد هي الأعلى في البلاد وعادةً ما يكون له القول الفصل في نهاية المطاف، إزاء السياسة التي ينبغي على الحكومة انتهاجها. ومن اللافت في هذا السياق أنَّ جميع المرشحين الإصلاحيين أو المتشدّدين كانوا قد تعهّدوا باحترام الاتفاق النووي. وعلى الرغم من أنَّ روحاني، في حال فوزه، قد يفكّر في مواجهة نفوذ المتشددين في البلاد وبالأخص في صفوف الحرس الثوري وفي القضاء، إلاَّ أنَّ إرادة خامنئي سوف تُلزِمُه على الأرجح بانتهاج نوعٍ من التهدئة التي دأب عليها الرؤساء الإيرانيون في ولاياتهم الثانية، وكأنَّ الخروج عن النص أمرٌ لم يحن وقته بعد في الدراما الانتخابية الإيرانية.
[sociallocker] [/sociallocker]