إعادة الإعمار والدور المرتقب للاتحاد الأوروبي

15 مايو، 2017

خلدون اللحام

استراتيجية الاتحاد تجاه الأزمة في سورية

أعد الاتحاد الأوروبي استراتيجيته بالنسبة للقضية السورية، ونوقشت خلال اجتماع المفوضية في بروكسيل نيسان/ أبريل الماضي، ونصت على موقف الاتحاد من إنهاء الحرب عبر انتقال سياسي هادف وشامل في سورية، بالتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبيان جنيف ومباحثات أستانا من خلال استمرار تقديم الدعم للمعارضة السياسية، ولا سيما الهيئة العليا للمفاوضات، إضافة إلى المساعدة على تطوير رؤيته للانتقال السياسي القائم على وحدة وسيادة واستقلال الدولة السورية.

تركز الاستراتيجية على العمليات الإنسانية ومعالجة الحاجات الأساسية للسوريين في الداخل ودول الجوار، من خلال توفير التعليم، وخلق فرص العمل، ودعم هيئات الحكم المحلي المدني في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وذلك في إطار سعي الاتحاد إلى بناء قدرات محلية؛ لتجنب انهيار إدارات الدولة ومنع انتشار التطرف والطائفية.

ويسعى الاتحاد إلى تعزيز الدعم لمنظمات المجتمع المدني السورية وتحضيرها للدور الرئيس الذي ستلعبه في مرحلة إعادة الإعمار، إضافة إلى الاهتمام بمسألة حرية التعبير، بما في ذلك دعم وسائل الإعلام الحر والمستقل، لتجنب تكرار الانقسام وانتشار التحريض الطائفي، كما حصل في السابق بعد الغزو الأميركي للعراق، وانتشار القنوات المذهبية التي غيبت الحوار الحقيقي حول القضايا التنموية الملحة عن الحوار العام، وسيركز الاتحاد على تعزيز جهد العدالة الانتقالية، والمساءلة عن جرائم الحرب، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتجاوزات والانتهاكات للقانون الانساني الدولي بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية.

ولعل العنصر الأهم في الاستراتيجية يتمحور حول الدور الذي سيلعبه الاتحاد الأوروبي وشروطه للمشاركة في جهد إعادة إعمار سورية، وربطها في استراتيجيته بتوفر انتقال سياسي حقيقي وشامل، توافق عليه الأطراف السورية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وبيان جنيف ومباحثات أستانا. وبالعودة إلى التجربة العراقية، يرفض الاتحاد التدخل المبكر في سورية التي تشكل تخوفًا أساسيًا للأوروبيين من التأثيرات الواسعة لإعادة الهندسة الاجتماعية والديموغرافية، وتحولها -لاحقًا- أساسًا للتأجيج الصراع المذهبي والانقسام في المجتمع السوري.

لذلك، فضّل الاتحاد تأجيل النظر في إمكان تقديم مساعدات إعادة الإعمار حتى انتهاء الصراع؛ لتحديد الإطار الذي يحدَّد من خلال إعادة استئناف التعاون مع السلطات الانتقالية، وتوفير الأموال لدعم الانتعاش وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب، ودعم استقرار المجتمعات المحلية من خلال إعادة عجلة التنمية الاقتصادية. في المقابل، يدرك الاتحاد ضرورة تكامل الجهد الدولي في عملية إعادة الإعمار، وأهمية التعاون الوثيق مع الأمم المتحدة، والمؤسسات المالية الدولية، والمانحين الآخرين، وخصوصًا ضرورة تحمل الدول المنخرطة في الصراع مسؤولياتها في إعادة الإعمار.

أهمية استمرار التعاون مع دول الجوار

يعتمد الاتحاد الأوروبي في استراتيجيته على دول جوار سورية اعتمادًا كبيرًا، وتعد الجدار الأول للحد من تدفق اللاجئين إلى الشواطئ الأوروبية، ويهدف الاتحاد إلى المساعدة في الحد من المخاطر التي تواجهها تلك الدول من جراء تزايد أعداد اللاجئين السوريين، وأثر ذلك في البنية التحتية لكل من التعليم والخدمات الصحية، إضافة إلى الضغوط التنموية المرتبطة بإيجاد فرص عمل ودمج اللاجئين اقتصاديًا واجتماعيًا في الدول المستضيفة، وأوضاعهم القانونية فيها.

الدولة / المساعدات المقدمة

منذ بداية الأزمة

القطاعات المستهدفة الأردن

754 مليون يورو

الخدمات الصحية تأمين الغذاء والحاجات الأساسية، السكن، التعليم، المياه والصرف الصحي، وبرامج الدعم النفسي والحماية للاجئين في المخيمات والمدن لبنان

800 مليون يورو

التعليم غير الرسمي والمساعدة النقدية والرعاية الصحية السكن، التعليم، المياه والصرف الصحي لتحسين ظروف معيشة الأسر السوريةـ إضافة إلى تقديم المشورة والمساعدة القانونية للناجين من الحرب. تركيا

352 مليون يورو

تمول المواد الغذائية وغير الغذائية (بما في ذلك المساعدة في فصل الشتاء)

والمساعدة الصحية والحماية من خلال المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني.

اتفاق اللاجئين مع تركيا

3-4 بليون دولار

دعم الجوانب المعيشية والاقتصادية والتعليمية للاجئين في تركيا برنامج فرص ومجالات التعليم العالي للسوريين

12 مليون يورو

تحسين آفاق الشباب السوريين؛ للمساهمة في إعادة إعمار سورية بعد الأزمة. وتوفير فرص أفضل للحصول على فرص التعليم العالي للطلاب من داخل سورية، وفي الدول المحيطة.

في هذا الإطار، وجّه الاتحاد قسمًا كبيرًا من مساعداته لدعم الدول المضيفة سواء من خلال توفير برامج مساعدات مباشرة للاجئين السوريين، أو من خلال دعم الجهد الحكومي؛ لتحسين البنية التحتية للقطاعات الخدمية لتستوعب الأعداد الإضافية من اللاجئين السوريين. يسعى الاتحاد إلى تسخير أدوات سياسته الخارجية، في هذه الحالة المساعدات، في الضغط على الدول المضيفة لتحسين أوضاع اللاجئين السوريين لديها، إذ على الرغم من التغيرات المهمة في سياسيات في كل من لبنان، الأردن، وتركيا تجاه اللاجئين السوريين، ما يزال هناك مزيد من الإجراءات الواجب اتخاذها من تلك الدول؛ لتحسين فرص الحصول على التعليم والفرص الاقتصادية للاجئين السوريين. في هذا الإطار، تسعى المنظمات الأوروبية غير الحكومية دفع الاتحاد للضغط أكثر على دول الجوار؛ لضمان حقوق اللاجئين السوريين لديها قانونيًا، وحماية سبل معيشتهم من خلال إزالة أي عوائق قانونية أمام حصولهم على التعليم الملائم، والعمل من دون مضايقات من الجهات الحكومية. ويعمل الاتحاد على أن تقدم المساعدات ضمن برنامج متكامل، يوضح الإجراءات الواجب اتخاذها من الدول المستضيفة والمتبرعة ضمن آلية لتتبع التنفيذ والمحاسبة.

 

تمويل جهد إعادة الإعمار

بغض النظر عن دقة التقديرات الأولية لتكاليف إعادة إعمار سورية، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.3 ترليون دولار، في حال استمرار الصراع حتى عام 2020، يكمن التساؤل الرئيس حول قدرة المجتمع الدولي على توفير التمويل اللازم؛ للمباشرة في عملية البناء عند الوصول إلى حل للأزمة. حتى الآن ما تزال المساعدات المخصصة لإعادة الإعمار محدودة؛ بالمقارنة مع ضخامة التكاليف الكلية، وبالنظر إلى “صندوق إعادة إعمار سورية” لم تتجاوز مجمل المنح المقدمة 168 مليون دولارًا، أي: نحو 0.02 في المئة من مجمل التكلفة الأولية لإعادة الإعمار.

المساهمات الدولية في صندوق إعادة إعمار سورية؛ حتى نهاية العام 2016 (مليون دولار)  

من المؤكد عدم قدرة جهة دولية واحدة توفير الدعم الكامل لسورية؛ نظرًا إلى حجم الدمار الذي تسببت به الحرب الدائرة منذ ست سنوات، ومحدودية قدرة مختلف الأطراف على الدخول في مخاطر استثمارية، خصوصًا في المراحل الأولى من إعادة الإعمار في حال توافر السيولة والرغبة بادئ الأمر. لكن المساهمات الحالية التي تلقاها “صندوق إعادة إعمار سورية” توضح تمامًا الأهمية التي تلعبها أوروبا ودول الخليج في أي جهد أو برامج مستقبلية حول سورية، في المقابل ما تزال الصين، ومن خلفها الدول الناشئة، غائبة تمامًا عن الدخول الجدي في هذا الجهد. إذ، وعلى الرغم من السيولة الكبيرة التي تتمتع بها الصين حاليًا، إلا أن الدخول في جهد إعادة الإعمار ما يزال غير واضح لبكين، وقد يكون جزءًا من مشروعها الاقتصادي “الحزام والطريق” مستقبلًا.

 

السناريوهات المحتملة للدور الأوروبي

يدرك الاتحاد الأوروبي تمامًا الارتباط الوثيق بين الحل السياسي للأزمة في سورية، وجهد إعادة الإعمار، ومن ثم؛ عدم جدوى البدء في إعادة إعمار سورية من دون تحسن الأوضاع الأمنية في البداية الأمر. لكن في المقابل، لا يمكن للاتحاد الاستمرار في لعب دور ثانوي في الأزمة السورية ضمن التعقيدات التي فرضتها الحرب وتشابك المصالح المتضاربة للدول المؤثرة على الأرض. إضافة إلى ذلك، شكلت التطورات الأخيرة المتمثلة بسياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه سورية والتوازنات الجديدة التي سترافقها، إضافة إلى استعادة روسيا لدورها الديبلوماسي، وتعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط، غموضًا حول مآل الحرب والشكل الذي ستكون عليه سورية عند انتهائها. ومن ثم؛ فعلى الاتحاد الأوروبي البدء في إعادة تقويم دوره وموقفه من الأطراف الفاعلة، وعكسها على أدوات سياسته الخارجية، كالمساعدات الإنسانية والإنمائية، ودعم جهد الإصلاح، وتمويل المنظمات غير الحكومية، والتنسيق مع المنظمات الدولية، إضافة إلى دور عسكري محتمل في أي تسوية مستقبلًا.

وعلى الرغم من ربط الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدات إعادة الإعمار بتحقيق الانتقال السياسي، توافق عليه الأطراف السورية، على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، إلا أن الاتحاد ترك الباب مفتوحًا لإمكان لعب دور خلال المرحلة الانتقالية، ويكون من خلال التنسيق مع الأطراف الدولية، وتحديد المجالات الرئيسة التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يشارك فيها مع المؤسسات الدولية الأخرى، مثل صندوق النقد والبنك الدولي؛ لدعم إعادة الإعمار تدرُّجًا بعد الاتفاق. يمكن للاتحاد الأوروبي أيضًا مراجعة القيود المفروضة ضد سورية، واستئناف علاقات التعاون الثنائي مع الحكومة السورية الانتقالية؛ لدعم الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار ومعالجة تحديات الحكم والعدالة الانتقالية، إضافة إلى تنسيق الجهد الدولي لتمويل عملية إعادة الإعمار.

أما في حال التوصل إلى انتقال سياسي شامل، يمكن للاتحاد الأوروبي المشارك في مجالات عدة، مثل الحوكمة وصوغ الدستور الجديد، وإصلاح قطاع الأمن، وخلق فرص العمل، وعودة اللاجئين والنازحين وتأهيل قطاع الصحة والتعليم، وذلك بالتعاون مع المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد من خلال خطة تدخل سريع؛ لمعالجة الحاجات الملحة للقطاعات الاقتصادية المختلفة.

يركز الاتحاد الأوروبي في استراتيجية إعادة إعمار سورية -بداية- على توفير البنية التحتية الأساسية كالطرق وشبكات نقل الكهرباء والماء والصرف الصحي، إضافة إلى خدمات التعليم والصحة، والتركيز على بناء المساكن؛ لإعادة استقبال النازحين واللاجئين في ديارهم. ويولي الاتحاد القطاع الزراعي والصناعي أهمية كبيرة؛ لأهميته في توفير فرص العمل والغداء للسكان. سيرتبط تحقيق ذلك بقدرة الجهاز الحكومي على التعامل بمرونة مع المشكلات المختلفة المرافقة لعملية إعادة الإعمار، وأهمها إعادة الأمن والاستقرار وتمكينها للإدارات المحلية ومنظمات المجتمع المدني من النهوض بمهماتها.

في النتيجة، يظهر الاتحاد الأوروبي اليوم أكثر جدية مما سبق في عرض موقفه من الحرب في سورية وتوضيح الإطار العام لاستراتيجيته. وعلى الرغم من المشكلات التي يعاني منها داخليًا وخروج بريطانيا من الاتحاد، لا يمكن تجاهل الدور المهم الذي من الممكن أن يؤديه في تنسيق جهد إعادة الإعمار الذي يجب على الأطراف السورية التركيز عليه، وتعزيز المشاورات مع الأوروبيين، بما يقدم منفعة متبادلة لكلا الطرفين من خلال إعادة التوزان الاستراتيجي للفاعلين في الحرب حاليًا، ومستقبلًا من خلال تنويع مصادر الدعم لعملية إعادة الإعمار الطويلة والمكلفة.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]