النكبة.. الأسباب معروفة والحلول ممكنة لكن التنفيذ معطل


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

كتب المفكر السوري الدمشقي قسطنطين زريق (1909 ـ 2000) كتابه "معنى النكبة" في أغسطس/آب من عام 1948، وذلك بعد إعلان دولة الاحتلال الصهيوني عن قيامها على أشلاء فلسطين بثلاثة أشهر. كما كتب أيضاً كتاب "معنى النكبة مجدداً" في أغسطس/آب عام 1967م، أي بعد "نكسة" يونيو/ حزيران التي احتل فيها الصهاينة أجزاءً جديدة من بلاد العرب بشهرين.

وتحدث زريق في كتابيه عن النكبة التي أصابت العرب في فلسطين وفي الأراضي العربية المحتلة، مصوراً فداحتها، ومحللاً أسبابها، وباحثاً عن المخرج منها، الباعث لنهضة العرب، والمحصن لهم ضد نكبات جديدة.

معنى النكبة

عرض زريق في كتابه "معنى النكبة" بعض وجوه النكبة وأهمها الانتكاس المعنوي الذي أدى بالشعوب إلى التهرب من مجابهة الخطر، وإلى الشك بالنفس والقادة، والشك في استحقاقنا لمسمى أمة.

وبيّن أن ما أدى إلى حدوث هذه النكبة هو استهتارنا بقوة العدو، وذهولنا عن ازديادها، وانخداعنا بقوتنا، وعدم فهمنا للواقع وما يتطلبه منا.

كما بين أن كل مفكر في الأمة يقع عليه واجب، يتمثل في عمله على توعية الشعب وتوضيح الصورة، بشكلها الواقعي المجرد، بصدق ومسؤولية. وتقديم ما عنده من آراء وتحليلات واقتراحات للمساهمة في تخطي النكبة وآثارها المدمرة، وتحويل هذه المصيبة التي حلت بالأمة إلى محفّز ودافع للعمل من أجل النهوض.

وقدم زريق خلاصة أفكاره، عن طريق معالجة قريبة، وحل أساسي. أما المعالجة القريبة برأيه فتستند إلى:

1 ـ تقوية الإحساس بالخطر وشحذ إرادة الكفاح، فشعوبنا تفتقد إلى الشعور بخطر العدو، لذلك فهي لا تعمل ما يجب عليها لدرء هذا الخطر.

2 ـ التعبئة المادية في جميع ميادين العمل، وتجنيد قوى الأمة الحربية والاقتصادية والسياسية بكاملها وتوجيهها إلى ميدان الصراع.

3 ـ توحيد الجهود بين الدول العربية، والعمل على إلغاء الخلافات الجانبية فيما بينها حشداً للطاقات كلها في وجه العدو الحقيقي.

4 ـ إشراك القوى الشعبية في النضال وتحميلها مسؤوليتها، وعدم إكتفائها بالتفرج والمراقبة.

5 ـ استعداد العرب للمساومة والتضحية ببعض المصالح لدرء الخطر الأكبر. وبمعنى آخر امتلاك العقلانية في التعامل مع الواقع العالمي بعد فهمه، ومعرفة طرق التعامل مع الدول وأساسيات التحالف الدولي القائمة على المصلحة بالدرجة الأولى.

أما الحل الأساسي عند زريق فهو العمل على قيام كيان عربي متحد، متطور اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً. وذلك عبر:

1 ـ اقتباس الآلة واستخدامها في استثمار مواردنا على أوسع نطاق ممكن.

2 ـ فصل الدولة عن التنظيم الديني لاستئصال جذور الطائفية.

3 ـ تدريب العقل وتنظيمه بالإقبال على العلوم الوضعية والتجريبية، وتوجيه الجهد الثقافي في الأمة إلى تحقيق أكبر قدر من الانتظام العلمي.

4 ـ فتح الصدر واسعاً لاكتساب خير ما حققته الحضارات الإنسانية من قيم عقلية وروحية أثبت صحتها الاختبار الإنساني الجاهد فكراً وعملاً لبناء الحضارة.

ولن يتم ذلك برأي زريق إلا عن طريق: "تشجيع الجهد الوطني في استغلال موارد البلاد. ونشر العلم والثقافة بشتى الوسائل. وتوسيع مدى الحريات السياسية والاجتماعية والفكرية. وإصلاح سبل الإدارة".

معنى النكبة مجدداً

عندما ظهر كتاب زريق "معنى النكبة مجدداً" بعد 19 عاماً على النكبة الأولى وجد زريق أن معنى النكبة لـه وجوه عديدة، ولكنه عرض لوجهين اثنين منها وجد أنهما الأساس فيما أصابنا:

أ ـ الوجه الأول: التخلف العلمي: فنحن نعاني من تخلف علمي أبعدنا عن الحضارة، وأدى إلى تفوق الصهيونية علينا. فالعلم الحديث هو مصدر القوة الحربية والاقتصادية والسياسية.

ب ـ الوجه الثاني: ما أسماه الضعف النضالي: والذي يتمثل بانقسامنا، وعدم قدرتنا على عمل علاقات دولية صحيحة. وعدم قدرة قادتنا حتى على الاجتماع في مثل هذه الظروف العصيبة لافتقارهم إلى الإيمان بأن أكثر ما يهددهم من مخاطر هي الصهيونية.

ثم عدم وجود مشاركة شعبية فاعلة بسبب غيابها وتغييبها عن ساحة النضال وتحمّل المسؤولية، حتى اكتفت بدور المتفرج الذي لا يؤمن بضرورة مشاركته أو بنجاعة هذه المشاركة.

نظرة أخرى للحل

إن المفكر زريق في كتابيه هذين، قدم رؤيته لمعنى النكبة كما رآها من وجهة نظره. هذه الرؤية جعلته يعالج المسألة معالجة تبتعد عما تعودناه من شتم للحكام والقادة، وقد عالج المسألة من زاوية التركيز على أن الانحطاط الذي عانينا ونعاني منه لـه أسبابه المتعلقة بشكل مباشر ببنية المجتمعات العربية، والتي ترسخت فيها مجموعة من المفاهيم والعادات التي جعلت من السلوك الانحطاطي هو السائد والمسيطر على تصرفات الناس وتعاملاتهم، مما انعكس بدوره على مرافق الحياة كلها، وأدى إلى حدوث النكبات المختلفة التي حاقت ومازالت تحيق بالأمة العربية.

بالطبع ليس زريق المفكر الوحيد الذي عالج هذه المسألة بهذا الشكل، بل إننا نجد أن هناك مجموعة من الكتاب والمفكرين، اشتركوا معه في نفس الأفكار، رغم اختلافهم عنه في أسلوب الطرح واستعمالات اللغة. ورغم اختلافهم عنه في الأيديولوجيات التي يؤمنون بها ويتبنونها.

منهم مثلاً ياسين الحافظ (1930ـ 1978) المفكر السوري القومي الذي اتجه اتجاهاً يسارياً مميزاً، والذي كتب عن "الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة" وعن "اللاعقلانية في السياسة العربية" وعن "التجربة التاريخية الفيتنامية" وغيرها. والذي وجد أن التأخر العربي هو الذي سهّل قيام إسرائيل، ووجد أننا نفتقد لما أسماه الوعي المطابق للواقع وللكون.

ومنهم أيضاً المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905 ـ 1973) الذي تحدث عن (مشكلات الحضارة) فكتب "شروط النهضة" و"ميلاد مجتمع" و"من أجل التغيير" وغيرها من الكتب التي أكدت على مشكلتنا الحضارية كأمة يجب عليها تغيير ما في نفسها حتى يغيرها الله.

والملاحظ أنه وعلى الرغم من اختلافات هؤلاء المفكرين الفكرية والايديولوجية، لدرجة التعاكس أحياناً، إلا أنهم اجتمعوا على الدعوة إلى طريقة تغيير تنطلق من داخل المجتمع.

والمؤسف حقاً أن أفكارهم لم تجد من يتبناها ويأخذ بها حتى اليوم، ومازالت النكبات تتوالى على الأمة العربية، وليس أمام الشعوب إلا عدها، وتذكر مواعيدها، والتحسب لوقوع غيرها.




المصدر