دراما التهجير القسري … “سورية وود”


بلال الخربوطلي

اتفاقٌ يقضي بتهجير عددٍ من المقاتلين والعائلات المدنية.. اتفاقٌ يبتعد عن صفة القسر والغصب والإكراه مقتربًا من صفة الحل والصفقة والاتفاق. الصورَ الفنية ذاتَها سنشاهد، وستكون حقوق النشر غير محفوظة، سنرى سائق الباص والعسكري والشاب المقاتل ومعه بندقية وجعبة، وعددًا من المدنيين المجمّعين بانتظار تهجيرهم. الهاشتاغات ذاتها ستُطلق، التعليقات ذاتها ستُنشر، الإدانات ذاتها ستظهر، وستنتهي بتمتمات بين الدعاء لقوم والدعاء على آخرين، وستتبعها ادعاءات تعيد تسمية المسميّات، فهذا خان وباع، وذاك خدع واشترى، وآخر رأى وسكت، وغيره سمع وصمت، وهكذا دواليك. ثم ستطل علينا صورة طفل من نافذة أحد باصات التهجير يرفع أصابع النصر، وصورة رجل كهل أشعث أغبر يتكئ على بقايا منزله المدمر، بجانبه طفل رضيع وزوجة بائسة يائسة، وسنرى كلمات خُطت بعجل على جدار يتداعى، لا تُرى أكثر من خربشات ذكريات محشوة بالألم ومغلفة بالأمل.

لن يفاجئنا أن نرى فيديو بث مباشر لأحد الإعلاميين، يروي فيه القصصَ الدرامية والتراجيدية ذاتها، ومن خلفه بشرٌ ينتظرون ترحيلهم من أرضهم إلى أرض لا يعرفون عنها أكثر من اسمها، ستظهر لقطات عدة، تأخذ صدى يومين أو ثلاثة على صفحاتنا. مقاتل يتدرع جعبة ويرفع بندقية وينظر إلى عدوه العسكري واجمًا، وهو يقصد درج الباص، وامرأة ترفع يديها عاليًا تشكو لمن يراها ويسمعها. سينطلق الموكب المهيب بمن حضر أو أُحضر بالعنوان الذي عرفناه وألفناه ذاته “انطلاق الدفعة رقم كذا باتجاه الشمال السوري”. باصات مع حافلات حماية أو ضمانة لئلا يتعرض أحدٌ للمهجّرين. صورًا جديدةً سنشاهد مع بدء الحافلات بالسير على الأوتوستراد الدولي، صورًا ترتبط بامتلاك أحدهم في الحافلة خطّ إنترنت “ثري جي” في هاتفه، وفي زاوية الحافلة التي تسير بركابها أحدُهم تخترق نظراته النافذة، لا أحد يعلم بماذا يفكر، لكنه بالتأكيد لا يفكر في خير. ستصل الحافلات وستصول حولها كاميرات الإعلامين الذين لا يرون بدًا من التوثيق، عناقات وترحيبات حتمًا ستُصوّر، ومن خلفها وأمامها ترتفع شعارات وإشارات. وبعد عدة أيام سوف يبدأ مسلسل التذمر من غلاء أجور المنازل، واستغلال المهجرين مع عائلاتهم بأشكال شتى، بعضها سيبدو غريبًا في تلك اللحظات.

العسكري السعيد يرى أنه حقق نصرًا، هكذا هم أخبروه وأعلموه. المقاتل تائه أو هو بلا وعي، يحلق في فضاء رأسه سرب من طيور الأمل، لكنه يعلم في قرارة نفسه أنه قد هُزم، وأن هذه الطيور ستطير أو ستقع في مكان لا يبلغه، وهو الآن في أسوأ حالاته، المرأة والزوجة والرجل الكهل والطفل ذو أصابع النصر مع الإعلامي والكاميرا لم يكونوا أكثر من موادّ للاستهلاك الإنساني الآني، أو لنقل إنهم كانوا جزءًا من ذلك المشهد ولا يكتمل من دونهم. سائق الباص في الباص المكيّف والركاب في المقاعد المنسقة، ربما يكون هذا عنصر الرفاهية الوحيد في الفيلم. فيلم متكامل بسيناريو ثابت من دون أخطاء أو خروج عن النص، الممثلون ذاتهم والمنتجون، الأبطال ثابتون لا يموتون، حتى الكومبارس في هذا الفيلم يبقى حياً، إخراج محترف بدرجة تضارع أو تفوق إخراجات هوليود، والخاتمة محبوكة والعقدة محبوكة والبداية أيضًا محبوكة.




المصدر