شـبرُ دم إلى سعدالله ونوس


جهاد عبيد

اليوم الأول بعد الألف السابعة

المعصوم

كعصا موسى تشقّ البحر، شقّ جمعَ الفيلة المبهورين بخطوه الخفيف، ورشاقة قدّه، وطلاوة جلده، وظرافة وجده، ثم اعتلا المنبر المسروق، المرصّع بالأسرار والحكايات العتيقة. تهامسوا: إنه يشبه المعصومين إلى حدّ كبير، أدركت الفيلة ذلك فور سماعها باسمه، ثم أصرّ بعضهم على أنه معصوم فعلًا، بعد أن رأوه.

اليوم الثاني بعد الألف السابعة.

تنزيل

جاب الطبّالون ورهط من وجاهات الفيلة أزقّة الأرض، يُنزلون الحقائق الجديدة على قاطنيها، قالوا: هابيل لم يُقتل بيد أخيه قطعيًا، بل قتلته الموساد الإسرائيلي، وإن جدّنا “حامورابي” صاحب أول دستور بشري، كان أهبلًا و”ترللّي”، لاطوا فيه أولاد الحارة، وإن “أوديب” استمرأ والدته، وانسمال عينيه كان بسبب انفجار بابور الكاز بوجهه أثناء طبخه “الجزمز” لـ “الطيرة” أمّه، وإن “أليسار” ابنة صور اللبنانية التي بنت مملكة قرطاج، ليست سوى “عاهرة”، هربت مع شاب غني اسمه “أشرباص” إلى تونس. وإن المقلاع الذي استخدمه الكنعانيون الفلسطينيون في انتفاضة الـ 87، كان من تصميم ملك الزمان، وما الخِرقة التي يلقيها النبي سليمان بن داوود على كتفه، إلا “كولون” أخته الصغرى، لكنه قُرأ عبر صور القمر الصناعي التركي خطأً، بأنه مقلاع، وإن قصة فارس الخوري المسيحي الذي توزّر الأوقاف، شطحة خيالية روائية، إنها “خوري بان”، الجزء الثاني من قصة “بيتر بان”، مُنعت رقابيًا من النشر لسوء التنضيد، وإن العَلَمَ الذي رفعه الشيخ صالح طرابيه على مبنى الداخلية في ساحة المرجة، بعد طردهم للعثمانيين منها ودخولهم دمشق، هو علم الاستعمار الفرنسي، غير أن الثوار الميامين “شرشطوا” عليه “بوظا” بكداش، فتغيرت ألوانه، وإن سليمان العيسى هو شاعر الأطفال الوحيد والفريد على وجه البسيطة، وإن الأشلاء البشرية في دوّار ساحة الساعة بحمص، ما هي إلا مجسّمات هندسيّة “ماكيتات”.

اليوم الثالث بعد الألف السابعة

هلع

أحدث التنزيل الجديد خللًا في البرمجة اللغوية العصبية لقاطني الأرض! ضمور في الأعضاء التناسلية لحمير الوحش، ضمائر مُربكة وإيقاعات أكثر إرباكًا لضاربي الطبول، اختلاجات حسّية، تناقضات سلوكية، تضارب مفاهيم، قلق وجودي، تحشيش علني، نزيف معرفي، اختلاطات أخلاقيّة، مسابقات نَصب واحتيال، استمناءات سياسية، تقيؤات عسكرية، تخوين، حرب، نهب، سلب، تعفيش، تهريب، معتقلات، اختطافات، جوع، نزوح، مخيمات، جرائم ضد الانسانية، تطرف ديني، تهافت فلسفي. انتصارات وهميّة، أوهام ارتدادية. “تسونامي” دولي خيري.

اليوم الرابع بعد الألف السابعة.

انتفاضة كبش

توقّدت حماسة كبشٍ عتيق هارب من العصر العباسي، عزّه ما آلت إليه الحال؛ فأخذ يستنهض الهمم، ويذكي نار القيم، ويَرتُق ما هشّ وتمزّع من ذمم، حتى شدّ الأواصر، وجمع الأحلاف و النواصر، حاشدًا البالغين والقواصر، وما لبث أن شاركه الفعل جحش طبّال مقهور على ذبول ذكورته، فأضاف للمشهد إيقاعات تصويرية حماسية، وعندما بلغ الكبش مبتغاه، اعتلا منبرًا وخطب بقاطني الأرض: يا قوم، لنجعل يومنا هذا ليس ككل الأيام، وما كنّا أبدًا ممن يقعقع لهم بالشَنان، والله ضاقت بنا الأرَضين السبع حتى غصّت، مات الزرع ونفق الضرع، وهوى الطير من علٍ بلا نبل أرداه أو رمح حاباه، وتكسّر ضلع الأم على عظم الولد، أنصبر حتى يأكل بعضنا بعضا!!؟.

هاج الجمع وماج، وهتفوا منددين مستنكرين رافضين سوء أوضاعهم، فتشاوروا وقرروا شكوى حالتهم لملك الزمان.

اليوم الخامس بعد الألف السابعة

شاي مُثلّج

ما بكم متجهّمين يا أعزائي! أيها الفيل، “جيب أيس تي للشباب المشوبي”. قالها ملك الزمان ببرودة الشاي المثلّج.

تشجّع الكبش، وتقدّم خطوة إلى الأمام، لكنه لاحظ بطرفة عين أن الجمع تراجع خطوة إلى الخلف، لم تخذله شجاعته وإيمانه بهم فأقدم وقال: ضاقت بنا الأرَضين السبع يا ملك الزمان. لكن الجمع تراجع خطوة ثانية إلى الخلف.

ضاقت بنا الأرَضين السبع، يا ملك الزمان.

تراجع الجمع خطوة ثالثة إلى الخلف وبدأ بعضهم يتسرّب خارجًا من باب قريب.

ضاقت بنا الأرَضين السبع يا ملك الزمان، ألا تدلّنا على أرض من بعض ما عندك، نُحشر فيها وأنت العليم الحكيم يا مولانا؟!

اليوم السادس بعد الألف السابعة.

مَكرُمة

سَرَحَ الطبّالون بمعيّة الفيل يعلنون: بمكرمة من مولانا ملك الزمان والأوان، فُتحت أرض ثامنة للعباد. صحيح أنها معتمة باردة ورطبة وذات أسوار عالية، لكنها محميّة بأسلاك شائكة تصونها كلها بشكل جيد.

اليوم السابع بعد الألف السابعة

مجزرة

دارت رحى الحقد، وبدأت تطحن القلوب، استيقظت أساطير الموتى، ودبّت بالقتلى غريزة القتل، فنهضت الأرواح تقطع بعضها إربًا. غطت مزق الأكفان الأرَضين الثمانية، تشبثت الأنياب والأظافر بالحناجر. رائحة الأنفاس الأخيرة اللاهثة أكثر من رائحة الدم المراق، هتك الأخ كبد أخيه، اغتصب الثُكل الأمهات، بكت الرجال.

ليل اليوم السابع بعد الألف السابعة

شبر دم

القمر بدر. كان مولانا ملك الزمان يتناول عشاءه في شرفة قصره، ويتابع المجزرة كأنها فيلم سينمائي. قبل أن يبتلع لقمة ما زال يلوكها في فمه، قهقه ضاحكًا مخاطبًا حارسه المنتصب على مقربة منه: انظر.. انظر أيها الفيل، ذاك الأبله هل تراه؟ لا يعرف كيف يقتلع الحنجرة بشكل صحيح، “ههههههه”. ثم أخذ يصرخ بصوت عال: ما بكم؟! تغرقون في شبر دم؟! ابتسِموا، ابتسموا، إن الله يلتقط لكم الآن صورة تذكارية “هههههه”.

كان فيل ملك الزمان الحارس، هو الفيل نفسه الذي حدّثني عنه سعدالله ونّوس.




المصدر