أدوار متباينة للإعلام في قضايا العدالة الدولية


 

تختلط، في كثير من الأحيان، مفاهيم تتعلق بجرائم ضد الإ‌نسانية وجرائم الحرب، نظراً للتشابه بينهما بالفعل، لكن الفرق الأساسي هو أن جرائم الحرب هي انتهاك لقوانين الحرب بالتحديد.

وإذا أردنا تعريف الحالتين بشكل تفصيلي يوضح الفرق، فإن الجرائم ضد الانسانية هي تلك التي تشمل: جرائم القتل والإ‌بادة والتعذيب والتهجير والإبعاد والإ‌رهاب والا‌عتقال غير الشرعي والا‌ضطهاد، لأ‌سباب سياسية أو دينية أو عرقية، سواء كانت فردية أو جماعية.

أما جرائم الحرب فهي الا‌نتهاكات لقوانين الحرب من جهة، ولما تعارفت عليه الأ‌مم المتمدنة في حروبها من جهة ثانية، وهي على أنواع: تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، والجرائم الموجهة ضد المدنيين كاغتصاب النساء والتعدي على الممتلكات الشخصية، والتشغيل والتهجير القسري، والتعذيب والإبادة الجماعية.

وقد نظمت اتفاقيات جنيف، التي عقدت على أربع مراحل من عام 1864 حتى 1949، الأعمال التي تصنّف كجرائم حرب، ونصّت الاتفاقية الرابعة على حماية المدنيين في حالة الحرب والحفاظ على حقوقهم المدنية.

واعتُبرت هذه الاتفاقيات المرجعية لتحديد ما إذا كانت الأعمال التي تجري من قبل إحدى القوى التي تدخل في حرب تُصنف كجرائم.

وتعدّ الاتفاقية الرابعة ملزمة بموجب القانون الدولي، وجرى على أساسها تعقب العديد من القادة العسكريين والسياسيين لمحاكمتهم إما محلياً أو في المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست عام 2002 وتختص بمحاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية.

 

وعي وفهم مطلوب

هذه مقدمة لا بدّ منها للحديث عن جرائم الحرب، وتالياً لتوضيح مسؤولية الإعلام عند مطالبة المحاكم الدولية بمعاقبة مجرمي الحرب، فالإعلامي الحربي، بحكم تواجده في مناطق النزاعات والحروب، يستطيع التواصل مع الناس والمتضررين ليوثّق تلك الحالات بدقّة، وهنا عليه أن يتدرب على آليات التوثيق بالإضافة إلى ضرورة فهمه العميق لموضوع جرائم الحروب والجرائم ضد الانسانية، وكل أنواع الجرائم، والتفريق بينها كي  يتمكّن من تحديد المجرمين والقيام بحملات توعية لمحاسبتهم بالمحاكم المتخصصة، وكلما كان الإعلامي حيادياً، ومطّلعا، ومحترفاً، استطاع أن يوثّق حالات تدين مرتكبي الجرائم في حالات الحروب، وأن  يجمعها ويقدمها للمجتمع الدولي في الوقت المناسب.

 

خيارات

لا يستطيع الإعلامي توثيق الحالات إلا بعد اتباع عدد من الدورات التدريبية التي تمكّنه من التدرّب على آلية التوثيق، ولهذا فهناك عدد من الشروط التي على الإعلامي أن يلتزم بها: أهمها عدم التبعية لأية مؤسسة إعلامية وذلك كي لا يتبنى سياستها وينتقي المواضيع التي تؤمن بها، وهذا يضمن الحيادية التي تعدّ الشرط الأساسي في عملية التوثيق، بالإضافة إلى دوره ومسؤوليته في الحفاظ على أمان الأشخاص الذين يوثّق حالاتهم وحمايتهم، والمهنية في طرق التوثيق العالمي الذي يؤخذ به كدليل في المحاكم الدولية.

وفي هذا المجال على الإعلامي أن يختار بين أن يكون “مُوثقاً” للحالات وحسب، وبين أن يلتزم بدوره كإعلامي أي أن يكون مصدراً غير مباشر للتوثيق من خلال القصص التي يرصدها والأفلام والصور والفيديوهات وغيرها، ما يساهم بإيصال القضايا إلى المحاكم الدولية عن طريق أشخاص أومؤسسات تمتهن هذا العمل، فيبقى دور الإعلام مصدراً للمعلومة ومساعداً أساسياً في نشر القضايا الإنسانية والقيام بحملات توعية لنصرة قضية ما، مع تجنب التحريض ونشر رسائل الكراهية لأنه سيحاسب عليها يوماً ما في المحاكم الدولية.

 

 

“محاكمة وسائل الإعلام”

 لعل من أبرز الأمثلة على الدور السلبي للعاملين في مجال الإعلام والذي يوصلهم إلى المثول أمام العدالة، هو المحاكمة التي جرت في المحكمة الجنائية الدولية المخصصة لرواندا لـ “حسن نغيزي” محرر مجلة كانغورا وصاحبها، وهذه المجلة كانت متخصصة ببث الكراهية ونشر مقالات مهينة ومثيرة للانفعالات عن قبائل التوتسي.

وبالإضافة لصاحب المجلة هذه كان هناك أيضاً كل من: جان بوسكو بارياغويزا، وفردينان ناهيمانا، وهما مسؤولان في “محطة الإذاعة والتلفزيون الحرة للتلال العشرة”، التي قامت بإذاعة التعليمات للميليشيات عن أماكن العثور على بعض التوتسي، وتشجيع الناس على البحث عن “شركاء” الجبهة الوطنية الرواندية وقتلهم.

وقد حُوكم هؤلاء الأفراد الثلاثة الذين تعرف محاكمتهم بـ “محاكمة وسائل الإعلام” نتيجة استخدامهم وسائل الإعلام الخاصة بهم للتحريض على جريمة الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

على هذا الأساس يمكن القول أن الإعلام قد يكون محرّضاً في جرائم الحرب، ما يؤدي لمعاقبة القائمين عليه أمام المحكمة الجنائية الدولية تماماً كمحاسبة مجرمي الحرب من القادة العسكريين والسياسيين.

وهنا يظهر دور الإعلام ومسؤوليته وحساسيته وخياراته بين أن يكون شريكاً في الجريمة وبين أن يكون وسيطاً لتحقيق السلام والعدالة.

 

 

تُنشر بالتعاون مع شبكة الصحفيات السوريات

 



صدى الشام