الخطط الأمريكية والخبث الروسي


لا يمكن لمن يتابع الأخبار والوقائع الجارية إلا أن يلحظ مفارقة غريبة، فجميع القوى الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري تعلن رغبتها بالحفاظ على وحدة التراب السوري، ولكن ما يحدث على الأرض هو شيء آخر، فالروس ومنذ سنوات أعلنوا عن رغبتهم بالحفاظ على سوريا المفيدة، وإن لم تُحدد حدودها بشكل دقيق لكنها واضحة المعالم، حيث إنها تشمل، بدءاً من الجنوب، الحدود الشمالية لهضبة الجولان، أي أنها تقريباً الحدود الإدارية لمحافظة القنيطرة، ثم باتجاه الريف الدمشقي بحدوده مع لبنان باتجاه القصير، كما وتضم الغوطة الشرقية باتجاه تدمر ثم إلى حمص وحماة وطرطوس واللاذقية، وهذه المنطقة التي أعلنت عنها روسيا منطقة مفيدة تغطي كل أطماع روسيا في سوريا.

فهناك القاعدة البحرية في طرطوس ثم القاعدة الجوية التي أحدثتها في حميميم ثم مناطق النفط والغاز في تدمر والقلمون، وتبقى دمشق العاصمة المركز السياسي للدولة التي بوجودها يتم الحفاظ على اسم المنطقة المحددة (سوريا).

لقد كانت روسيا أول دولة في العالم شرّعت وسوّقت فعلياً فكرة التقسيم ووضعت الحدود لهذا التقسيم على الرغم من أنها تنادي علناً بالحل السياسي- فيما طائراتها تدمر البلاد وتقتل العباد- والحفاظ على وحدة التراب، وهي من يقسمه.

أما أطماع إيران التي صرفت عليها أمولاً طائلة منذ ثمانينيات القرن الماضي فهي محصورة بالأرض ومن يسكنها، ولكنها ضد الحدود، بل هي من يرغب بكسر الحدود، فهي تريد المنطقة كاملة بدأ من عربستان إلى العراق وسوريا ولبنان وصولاً الى البحر الأبيض المتوسط وبدون حدود، وبتغير واحد فقط وهو السكان، فهي ترغب أن يكون سكان هذه المناطق من لونها الطائفي الذي تريد بالكامل، ولهذا الهدف أرسلت ملاليها وأموالها موجهة خبثهم ودهاءهم على الفقراء المساكين مستغلة حاجتهم وجهلهم.

وبالنسبة للأمريكان فقد سبق أن فوضت الإدارة السابقة (إدارة أوباما) روسيا بلعب الدور الرئيس في سوريا، وكان لها ذلك، فأعلنت خططاً وفعلت عكسها مؤمّنة بذلك مصلحتها ومصلحة أمريكا وإسرائيل.

أما الرئيس الجديد ترامب، فعلى الرغم من تجاوزه فترة المئة يوم الأولى، إلا أنه لم يفصح عن خطته في سوريا إلى اليوم، لكن التناقضات تطفوا على ما ظهر من أفعال إدارته في سوريا، فإدارته المعادية للنظام الأسد (إعلامياً) تتبنى دعم ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وعصبها الأساس وحدات حماية الشعب الكردية، المتحالفة ضمناً مع نظام الأسد.

واشنطن تدعم صديق عدوها (قسد)، التي تصنفها تركيا كمنظمة إرهابية، بينما تُعتبر تركيا صديقة لأمريكا وهي عضو في الحلف الأطلسي!

الأميركيون يلعبون بالنهاية على المتناقضات بل يساهمون بصناعتها للوصول إلى مصالحهم مستخدمين عامل الزمن واستمرار القتل وسيلة لذلك، فواشنطن هي من خطط للتقسيم وفوّض روسيا بالتنفيذ، وها هي قد اقتطعت الجزء الشمالي الشرقي من سوريا على مساحة ثلاث محافظات غنية بالنفط والغاز، ومتصلة مع ثلاث محافظات أخرى من العراق لتصبح أمريكا هي التي تسيطر على الجزء الأكبر مما تبقى من العراق وسوريا.

بالإضافة لذلك يجري تحشيد قوات أمريكية مع أخرى أردنية وعراقية وبريطانية في الجنوب السوري لتسيطر واشنطن على ثلاث محافظات أخرى، أو تضعها في عهدة الأردن أوإسرائيل أو تجد لها طريقة تفصلها فيها عن باقي الأجزاء السورية كالفدرالية أوغيرها، فهي من يعلن وحدة التراب السوري وتعمل على تجزئته.

وبالمقابل منعت هذه القوى- مجتمعة ومتفرقة- تركيا من التدخل في الشأن السوري أو أن يكون لها تأثير فعال، وتركيا هي الدولة الوحيدة التي لها مصلحة استراتيجية ببقاء التراب السوري موحداً لأسباب عدة أهمها الحفاظ على أمن تركيا القومي.



صدى الشام