الفيزا التركية للسوريين.. موافقات محدودة و”الإلغاء” مستحيل


في السابع من شهر كانون الثاني من عام 2016 الماضي، بدأ فرض تأشيرة على دخول السوريين إلى تركيا، ورغم مرور حوالي عامٍ ونصف على تطبيق القرار إلا أن التأشيرة ما زالت مادة شبه يومية لأحاديث السوريين  الذين يأملون في إلغائها، أو تخفيف شروطها، فيما لا تمرّ فترة إلا وتخرج إشاعات عن حلول مرتقبة، حتى باتت أخبار “الفيزا” إحدى أقصر طرق وسائل الإعلام لكسب مزيد من المتابعين المتعطشين.

ولم يتوقّف الأمر على ذلك بل فتحت هذه التأشيرة الباب على مصراعيه أمام السماسرة الذين وجدوا سوقاً قادراً على استقطاب أعداد كبيرة من “الزبائن” بحكم الحاجة، واستمرار تدفق السوريين إلى الخارج.

 

عائلات تفرقت وأعمال توقفت

لم يتوقّف الحديث عن “آخر أخبار إلغاء التأشيرة” إلى تركيا بين السوريين ولو للحظة، وذلك بسبب الظروف السيئة التي خلّفها فرض القرار، والتي أدّت لتفريق شمل معظم العائلات، ومنع كثيرين ممّن لا يملكون الإقامة السياحية من السفر، وقطع الطريق على عدد كبير من الساعين لدخول تركيا.

عمار، شاب سوري يعيش في مدينة غازي عنتاب التركية، ويعمل في مطعم، وبعد أن أقدم هذا الشاب الثلاثيني على خطبة فتاة سورية تعيش في العاصمة دمشق، وبدأ يؤسّس حياته جيداً لاستقبال عروسه، فوجىء بأنه لن يتمكّن من إدخالها إلى تركيا.

يقول عمار الذي وصل إلى تركيا أواخر عام 2012 لـ “صدى الشام”: “كل الأمور كانت تسير على ما يُرام، وكنت أعمل لمدّة 15 ساعة يومياً لتأمين مستلزمات الزواج”، لكن وقبل إتمام زواجه بحوالي ثلاثة أشهر، فوجئ بفرض التأشيرة.

يضيف عمار، أنه حاول مراراً تأمين تأشيرة لخطيبته عبر السفارة في بيروت ومن خلال السماسرة لكنه فشل في ذلك، فطلب منها أن تأتي “تهريب” عبر الحدود لكنها رفضت نظراً لخطورة الأمر في ظل الحديث عن الاستهداف المباشر للمدنيين الساعين للعبور نحو تركيا، وفي نهاية المطاف اضطر لفسخ خطبته وإلغاء فكرة الزواج حالياً.

معاناة من نوعٍ آخر تعيشها إيمان علبي، السورية المقيمة في اسطنبول، إذ ترى أنها “عالقة في سجنٍ كبير”، شارحةً أن أهلها في بيروت، وبعد فرض التأشيرة لم تعد تستطيع السفر إليهم لأنها لا تملك إقامةً تخوّلها  العودة إلى تركيا، في حين حاول ذووها أكثر من مرّة أن يحصلوا على تأشيرة للقائها لكنهم فشلوا.

أما وائل، فهو يعمل منذ ثلاث سنوات بشراء قطع تبديل السيارات من مدينة اسطنبول التركية، والتوجّه لبيعها في العاصمة اللبنانية بيروت، وعلى هذا الأساس فهو يُسافر بمعدّل مرة واحدة كل شهر، لكن عمله توقّف بعد فرض التأشيرة على السوريين.

 

 

سوق مزدهرة

فتحت هذه التأشيرة الباب أمام المنتفعين لتكون مصدراً لتحصيل الأموال، بطرقٍ قانونية أو غير قانونية، وتلخص تجربة عائلة أبو وليد، أحد أوجه هذه الظاهرة، فهذه العائلة تُقيم في مدينة حماة، وقرّرت مطلع عام 2016 أن تتوجّه إلى تركيا للاستقرار هناك، لأن الوضع في سوريا “لم يعد يُحتمل” حسب قول رب الأسرة في حديثٍ مع “صدى الشام”.

يقول أبو وليد: “طرقت باب السماسرة بعد أن علمتُ بوجودِ أشخاصٍ متخصّصين بتأمين تأشيرة مضمونة من السفارة في بيروت”، ويوضّح أن السمسار طلب 2200 دولار عن التأشيرة الواحدة، وبما أن العائلة مكوّنة من 7 أشخاص، فإن المبلغ الذي من المفترض أن يدفعه يصل إلى حوالي 15 ألف دولار أي بما يعادل 7.5 مليون ليرة سورية.

ويشير الأربعيني أبو وليد، إلى أن كل ما يملكه من مال هو ثمن منزله البالغ 4 ملايين ليرة، وبالتالي فهو لا يستطيع دفع هذا المبلغ، ولفت إلى أنه عندما سأل السمسار عن سبب هذا المبلغ الكبير أجابه أنه يأخذ منه القليل “ويدفع لأشخاص آخرين ضمن السفارة التركية”.

وبالمحصلة، تراجع أبو وليد كما الآلاف من أقرانه عن فكرة التوجّه إلى الجارة الشمالية.

وتشير معلومات حصلت عليها “صدى الشام” أن محيط السفارة التركية في بيروت، يشهد تواجداً كثيفاً لمعقّبي معاملات وسماسرة، مهمّتهم “اصطياد” الزبائن لتأمين تأشيراتٍ لهم إلى تركيا، مستخدمين مختلف وسائل الإقناع مع توفر أشخاص كثر يريدون الهرب من “الحرب” بأي ثمن.

لكن على الرغم من عمل مجموعة من السماسرة في هذا المجال إلا أن إيجاد من يلتزم منهم بوعوده بات أمراً صعباً، وسط تزايد حالات سحب الأموال من الزبائن ثم الاختفاء.

أحد السماسرة وعد ظلال، وهي مدرّسة لغة عربية في مدينة حلب، بأن يؤمّن لها تأشيرة دخول لها ولطفلها إلى تركيا، مقابل 2000 دولار فقط، فاقتنعت السيدة الثلاثينية بالأمر ووافقت فوراً بعد أن تلقّت وعوداً من بأنها لن تدفع قرشاً واحداً قبل أن تحصل على فيزا إلى تركيا وبشكلٍ شخصي من داخل السفارة في بيروت.

باعت ظلال معظم مقتنياتها، وجهّزت نفسها للسفر، ففوجئت بأن السمسار طلب منها أن تضع نصف المبلغ في مكتب تأمين يعود لأحد أصدقائه، وعندما أخبرته بالاتفاق الذي ينص على دفعها كامل المبلغ بعد حصولها على التأشيرة، ردَّ بأن أمراً طارئاً حدث ولا يستطيع تأمين التأشيرة قبل أن تدفع نصف المبلغ، عندها شعرت ظلال بعدم ارتياح وانسحبت فوراً من الصفقة، وبحثت عن سمسارٍ بديل طلب 5 آلاف دولار، حسبما ذكرت لـ “صدى الشام”.

وخلال بحثنا في المعايير التي تعتمدها السفارات التركية في المدن العربية عبر سؤالنا لسوريين جرّبوا التقدّم للحصول على التأشيرة، تبيّن أنه لا توجد معايير واضحة للقبول والرفض بشكل فعلي، إذ رفضت السفارة التركية في بيروت معظم طلبات الفيزا للسوريين، في حين كانت السفارة في الأردن أقل تشدّداً ولكن أكثر من 90% من الطلبات قوبلت بالرفض، فيما وافقت السفارة التركية في الدوحة على 60% من الطلبات، وفي الإمارات والسعودية تمت الموافقة على أكثر من ربع الطلبات.

وبما أن لبنان هي أكثر البلدان التي شهدت حالات رفض لطلبات التأشيرات إلى تركيا بين معظم السفارات، فقد أدى ذلك إلى ازدهار عمل السماسرة.

 

 

انتهازية

بعيداً عن “تجّار” الفيزا التركية، فإن هناك نوعاً آخرَ من الانتفاع، ألا وهو استغلال عدد من الوسائل الإعلامية والناشطين وحتّى الأفراد لحالة الترقّب التي يعيشها السوريون بانتظار أي خبرٍ له علاقة بالتأشيرة، فراح هؤلاء يضخّون بين حين وآخر أخباراً منسوبة لمصادر تركية عن قرب إلغاء التأشيرة، لتحقّق هذه الأخبار آلاف المتابعات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل من باتوا ضحايا لهذا النوع من الاستثمار.

ومن بين هذه الحالات تبرز مقاطع الفيديو التي خرج به شخص يدّعي أنه مخرج سوري مقيم في ألمانيا، يُدعى “طارق الباشا”، ومن خلال حسابه راح طارق يبث هذه المقاطع ليعطي فيها الأمل لأعداد كيرة من المترقبين، عبر ادعائه في إحدى المرات بأن بحوزته خبراً مُفرحاً حول الفيزا التركية، ثم ما لبث أن ظهر بعد أيام ونقل خبراً مفاده “إن اللاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا، والذين يمتلكون إقامة مدّتها ثلاث سنوات حصراً بات بإمكانهم الدخول إلى تركيا دون أية تأشيرة”، ما أدّى لانتشار هذا الفيديو بشكلٍ واسع بين المتابعين هناك، ويعود السبب في ذلك إلى أن نسبة كبيرة من هؤلاء تركوا نساءهم وأطفالهم في تركيا، واتّجهوا نحو ألمانيا بغية القيام بـ “لم الشمل” الذي تبيّن أنه ليس بالأمر السهل، لتكون الأنباء عن إلغاء التأشيرة بالنسبة لهم هي “الحدث” الذي طال انتظاره كونه يخوّلهم إعادة وصل ما انقطع في حياتهم الاجتماعية.

لكن “طارق” لم يكتفِ ببث خبرٍ كاذب وحسب، بل ظهرَ لاحقاً ليبرّر ذلك ويقول إن ما أطلقه هو “فتّاشة صغيرة لقنبلة قادمة” الأمر الذي أثار غضباً واسعاً في صفوف السوريين، نظراً لحساسية الأمر وتلاعب هذا المدّعي بمشاعر الناس بهدف كسب الشهرة لنفسه أو الترويج لصفحته الشخصية والعامة.

وبالعودة إلى البدايات فإن فرض الفيزا لم يسلم من الشائعات منذ شهر أيار من عام 2016، أي بعد فرض التأشيرة بحوالي ثلاثة أشهر، ففي ذلك الوقت شاع في وسائل الإعلام خبر مفاده اقتراب تركيا من إلغاء التأشيرة، وضجّ الشارع السوري على إيقاع هذا الخبر، لكن السلطات التركية ما لبثت أن نفته، ليتبيّن أن الأمر لم يكن سوى استغلال إحدى وسائل الإعلام لهذا الموضوع الحساس لكسب مزيدٍ من المتابعين.

وفيما بعد لم تخلُ الساحة الإعلامية من أحاديث متواترة عن التأشيرة التركية واحتمال إلغائها أو تخفيف الشروط المفروضة للحصول عليها، لكن وحتى اليوم لم تعلن الحكومة التركية عن أية خطوة في هذا الاتجاه، ليتضّح أن كل ما تم تداوله هو “انتهازية” إعلامية.

 

 

وعود

في حوارٍ مع الصحافي السوري موسى العمر قبل فترة، قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية ياسين اقطاي، تعقيباً على عدم استجابة السفارات لطلبات التأشيرة للسوريين: “إن السبب يعود إلى أن الطلبات كبيرة جداً في حين أن النظام بسيط وغير قادر على التعامل مع كل هذه الطلبات”.

وأشار أقطاي إلى أنه يتم العمل على جعل النظام مناسباً ليتم قبول طلبات التأشيرات في كل السفارات كما يجري في سفارة الدوحة، حسب قوله.

ولفت إلى أنه من غير الممكن فتح الحدود بشكلٍ كامل حالياً، بسبب وجود اتفاقاتٍ مع أوروبا، وخوفاً من تسلّل الإرهابيين إلى الأراضي التركية.

 

لا أمل بمنح التأشيرة

 “من المستحيل أن تُلغي تركيا التأشيرة عن السوريين حالياً لعدّة أسباب”، هذا ما أكده المحامي غزوان قرنفل رئيس “تجمّع المحاميين السوريين الأحرار” في تصريح لـ صدى الشام، وشرح قرنفل هذه الأسباب بالقول: “إن 99% من السوريين الذين سيدخلون تركيا سوف يقيمون فيها ولن يعودوا، ما يزيد الأعباء الاقتصادية على تركيا”، موضحاً أن من بين الأسباب أيضاً هو أن تركيا ملتزمة مع الاتحاد الأوروبي باتفاقات بعدم إدخال مزيد من السوريين، لأنها في هذه الحالة ستعاود طلب أموال منه نتيجة استضافتهم.

أما فيما يخص قبول ورفض سفارات البلدان العربية لمنح التأشيرة، أكد قرنفل أن الأمر عائد هنا إلى تقدير السلطات التركية، والذي يتضمن دراسة الوضع الأمني ومستوى الدخل ونوع الإقامة للشخص الذي يطلب التأشيرة، فإذا كان، على سبيل المثال، قد سبقَ أن طلبها في لبنان أو السودان فإنه حتماً ليس لديه مصدر عيشٍ ثابت وبالتالي يُقابل طلبه بالرفض، ونوه قرنفل إلى أن الأتراك يريدون ضمانات بأن السوريين سوف يعودون إلى البلد الذي قدموا منه بعد زيارتهم لتركيا.



صدى الشام