على وقع التهجير القسري.. جنيف جديد “فاشل”


واصل نظام الأسد سياسته القائمة على التهجير القسري لمقاتلي المعارضة وذويهم من محيط دمشق ومناطق أخرى في البلاد، فيما يذهب مُتمنّعاً إلى جنيف لإجراء جولة جديدة من المفاوضات مع المعارضة السورية، وسط توقعات منخفضة بإحراز تقدم فيها، بسبب سياسة النظام وإلى جانبه روسيا، القائمة على تسفيه هذا المسار والتركيز بدلاً عنه على مسار أستانا، وعلى ما يسميه المصالحات الوطنية القائمة على التهجير القسري لأبناء مناطق المعارضة، من مدنهم وبلداتهم.

وفي هذا الإطار جرى ترحيل الدفعة الأولى من مهجري حي القابون الدمشقي، نحو شمالي سوريا وذلك تطبيقاً للاتفاق الذي توصلت إليه لجنة التفاوض عن الحي مع ممثلي النظام.

ونقلت عشرات الحافلات نحو ألفين من أبناء حيي القابون وتشرين شرقي دمشق، بينهم مئات المقاتلين، من نقطة قرب شركة “سيرونكس” القريبة من الحي، باتجاه محافظة إدلب، كمرحلة أولى على طريق تهجير نحو 5 آلاف شخص آخرين من حي القابون، وذلك وفق الاتفاق الذي تم إبرامه بين لجنة الحي المفاوضة وبين ممثلين عن النظام.

يأتي ذلك بعد أن اجتمعت لجنة التفاوض عن القابون الممثلة للفعاليات العسكرية والمدنية في الحي، على مدار ثلاثة أيام، مع ضباط من المخابرات الجوية والفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام، وتوصلت إلى اتفاق يفضي إلى إخلاء حي القابون من جميع مقاتلي فصائل المعارضة.

وجاء هذا الاتفاق بعد اتفاق مشابه يشمل حيي برزة وتشرين المجاورين، حيث غادر أكثر من 1200 شخص بينهم نحو 600 مقاتل بسلاحهم الفردي باتجاه إدلب.

وكانت فصائل المعارضة سيطرت على هذه الأحياء ومعها حي جوبر أواخر عام 2011، وخضعت لسيطرة ثلاثة فصائل رئيسية هي “جيش الإسلام، فيلق الرحمن، وأحرار الشام” وبعض فصائل الجيش السوري الحر.

ومع سيطرة قوات النظام على أحياء القابون وبرزة وتشرين، يبقى حي جوبر آخر معقل للفصائل المقاتلة في شرقي العاصمة دمشق، في حين تسيطر فصائل الجيش السوري الحر على أجزاء من منطقة جنوبي دمشق، والتي تضم بلدات “ببيلا ويلدا وبيت سحم”، إضافة إلى الغوطة الشرقية.

 

حشود نحو الغوطة.. والاقتتال مستمر

 وصعّدت قوات النظام والميليشيات المساندة لها من قصفها على بلدات جنوبي الغوطة الشرقية بالصواريخ والمدفعية ما أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين، تزامنًا مع حشود عسكرية في محاولة لاقتحام المنطقة، وتأتي هذه المحاولات بالتزامن مع الاقتتال المستمر بين فصائل المعارضة في المنطقة والذي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 150 شخصًا من جميع الأطراف.

وتحاول قوات النظام دخول بلدة بيت نايم، جنوبي الغوطة الشرقية، وذلك بعد أن تقدمت ورصدت ناريًا كلًا من كتيبة إنشاءات المطار العسكرية، ومداخل بيت نايم والمحمدية من جهة طريق الغوطة الرئيس، في أيار من العام الماضي، ما جعل بلدتي جسرين والمحمدية خط جبهة، وقد تمكنت قوات النظام من فصل كامل القطاع الجنوبي عن الشمالي بعد السيطرة على بالا، والتي تعتبر نقطة التقاء بين ثلاثة قطاعات رئيسة في الغوطة الشرقية .

 

 

 “تسويات” متتالية

 كما تمتد هذا السياسة القائمة على تهجير السكان والمقاتلين من مناطق المعارضة إلى مناطق أخرى في البلاد خاصة في حي الوعر الذي تتواصل فيه عمليات التهجير بمعدل دفعة أو دفعتين أسبوعياً، وشملت حتى الآن أكثر من عشرة آلاف شخص بين مدني وعسكري ومن المتوقع أن تشمل في النهاية أكثر من عشرين ألف شخص.

وفي جنوبي البلاد، وقعت المعارضة السورية في بلدة محجة بريف درعا الشمالي الشرقي، اتفاقاً مع نظام الأسد نص على تسليم السلاح مقابل السماح بإدخال المواد الغذائية إلى البلدة، وعقد مصالحة مع النظام، وذلك بعد أشهر من الحصار الذي فرضته قوات النظام على البلدة، وجرى توقيع الاتفاق بين وفد ممثّل لأهالي بلدة محجة البالغ عددهم 35 ألف شخص، وطرف ممثل عن النظام وهو العميد وفيق ناصر رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية.

وبموجب الاتفاق، سلم عدد كبير من مقاتلي المعارضة أسلحتهم للنظام، مقابل تسوية أوضاعهم، وتطوع بعضهم ضمن قوات النظام، ونصّ الاتفاق على إدخال كافة السلع الغذائية والمواد الأساسية إلى البلدة مقابل هدنة يلتزم بموجبها الطرفان بتحييد المنطقة عن أي عمل عسكري مستقبلاً، وتبقى مجموعة من المعارضة في البلدة مهمتها حفظ الأمن.

وتقع بلدة محجة بالقرب من طريق دمشق-عمان القديم، حيث توجد نحو 12 ثكنة وموقعا عسكرياً لنظام الأسد تحيط بالبلدة من كافة الجهات.

 

شرقي البلاد

 وفي التطورات الميدانية، استولت ميليشيا “الوحدات” الكردية التي تتزعم ما تسمى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، على مناطق جديدة في شمالي سوريا، في مقابل انسحاب تنظيم الدولة، حيث باتت تلك الميليشيات على بعد كيلومترات قليلة عن مدينة الرقة.

وأعلن المكتب الإعلامي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” السيطرة على قرية الأنصار، ومركز اتحاد الفلاحين وسجن ومعمل غزل القطن بريف الرقة الشمالي، بعد معارك مع تنظيم الدولة، وذلك بغطاء جوي ومدفعي من قوات التحالف الدولي، أسفر بحسب وكالة “أعماق” عن مقتل سبعة أطفال وإصابة أكثر من 45 شخصًا، معظمهم أطفال ونساء في قرى شنينة ومزرعة الرشيد في ريف الرقة الشمالي، كما قتلت الوحدات الكردية 6 مدنيين، عقب قصف مدفعي استهدف بلدة مزرعة يعرب شمالي غربي مدينة الرقة.

وكانت “قوات سوريا الديمقراطية” أعلنت أن عملية اقتحام مدينة الرقة، ستبدأ في حزيران المقبل، مؤكدةً إمدادها بأسلحة “نوعية” من قبل قوات التحالف الدولي.

يأتي ذلك بعد أن أعلنت “قسد” سيطرتها على كامل مدينة الطبقة وسد الفرات بعد انسحاب تنظيم الدولة، وذلك عقب اشتباكات استمرت نحو 50 يوماً، بدعم وإسناد مدفعي وجوي من قوات التحالف الدولي، وقد ألحقت دماراً كبيراً بمدينة الطبقة، ودفعت سكانها البالغ عددهم نحو 100 ألف إلى النزوح، وأعلنت تلك الميليشيا أنها ستسلم إدارة مدينة الطبقة إلى مجلس مدني، لإدارة الأمور إلى جانب “قوى الأمن الداخلي” التابعة لها، بعد تأمين المدينة بشكل كامل من الألغام ومخلفات العمليات.

ونفت “قسد” ما راج من أنباء عن نيتها تسليم سد الفرات إلى نظام الأسد، لكن الميليشيا المذكورة كانت سلمت مناطق في مدينة منبج لقوات الأسد والحليف الروسي، بعد تقدم لفصائل “درع الفرات” في المنطقة.

من جهتها، بدأت قوات النظام والميليشيات المساندة لها بالتقدم باتجاه معبر “التنف”، على الحدود العراقية، بعد تأمينها “مثلث البادية”، الذي يعتبر عقدة الوصل بين بغداد والأردن ودمشق، في البادية السورية، وتمثل المنطقة منطلقًا للمعارك المحتملة في محافظة دير الزور، التي تزحف نحوها قوى مختلفة بدعم دولي وإقليمي، ما يعني صدامًا مع فصائل “الجيش الحر” في المنطقة.

وتحاول قوات النظام استباق أي تقدم لقوات المعارضة من أجل السيطرة على المواقع التي يخليها تنظيم الدولة في البادية السورية، وقد تقدمت تلك القوات لتسيطر على “”مثلث ظاظا”، الواقع شرقي منطقة “السبع بيار”، وصولًا إلى “تلول المحدد” التي أحكمت قبضتها عليها، وسط استمرار الاشتباكات والقصف المتبادل بين الأطراف المتنازعة في المنطقة.

وجاء ذلك بعد أن بدأ “جيش أسود الشرقية”، و”لواء شهداء القريتين”، المنضويان تحت راية “الجيش الحر”، هجومًا ضد تجمعات النظام، في منطقتي السبع بيار وظاظا بعد يومين من وصول قوات النظام إليها، إلا أن سيطرة قوات النظام على “مثلث ظاظا”، الذي يفصل ريف حمص الشرقي عن ريف دمشق الشرقي، والتقدم إلى “المحدد” شرق المثلث، أمّنت العقدة التي تربط الطرق الدولية للعراق والأردن ودمشق لمصلحة النظام.

 

 

مفاوضات جنيف

 سياسياً، ووسط توقعات منخفضة بأن تسفر عن نتائج ملموسة، عقدت في مدينة جنيف السويسرية، الثلاثاء، الجولة السادسة من المفاوضات بين الأطراف السورية تحت رعاية الأمم المتحدة.

وشاركت المعارضة السورية في المفاوضات بالوفد نفسه الذي مثّلها في جولة التفاوض السابقة وعلى رأسه نصر الحريري رئيساً للوفد، وسالم المسلط متحدثاً رسمياً باسم “الهيئة العليا للمفاوضات”، ويضم الوفد أيضاً كلاً من أليس المفرج، نائب رئيس الوفد المفاوض، ومحمد صبرة، كبير المفاوضين، إضافة إلى 17 آخرين.

وقال مصدر في المعارضة السورية لـ صدى الشام إن الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف جاءت في “ظل ارتباك دولي وإقليمي من مخرجات أستانا الأخيرة التي تتعارض بشكل كبير مع الاستحقاقات والتوافقات الدولية التي عقدت في ظلها الاجتماعات الأخيرة من مفاوضات جنيف”.

وأضاف المصدر أن محاولة تسفيه مسار جنيف، وفرض مسار أستانا، هو ما خططت له روسيا خلال المرحلة الماضية مستغلةً فترة الغياب الأميركي عن الملف السوري، موضحاً أن النظام يعتمد سياسة التهجير القسري من خلال العمليات العسكرية الواسعة، كما يحصل اليوم في محيط دمشق مثل القابون وتشرين وبرزة.



صدى الشام