افتتاحية مواطنة: الى جنيف 6


المصدر: تيار مواطنة

انتهت جولة أستانة الرابعة، وما تزال الشكوك تحيط بإمكانية تنفيذ مخرجاتها، التي تقول “بمناطق منخفضة التوتر” وهو اتفاق مجبول بالغموض ومثير للجدل من لدن كل الأطراف، المحلية منها والإقليمية، فالمناطق التي تمت الإشارة إليها أو تحديدها تتوزع بين فصائل وقوى تختلف في انتماءاتها السياسية والإيديولوجية بل أن مصادر تمويلها والجهات الداعمة لها متناقضة المصالح والأجندة ،كما أن وجود الراعي أو الضامن الإيراني محل استهجان وتخوف من قبل المعارضة، وهذا حق ،لأن إيران طرف أساسي في الصراع القائم ومن الصعب أن يكون ضامناً، يضاف إلى ذلك عدم وجود استراتيجية دولية واضحة لماهية هذه المناطق وضرورتها وهذا ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا مما نتصوره .

الأهم من ذلك أن هذه المناطق لن تحميها مظلة جوية مما يجعلها مكشوفة أمام طيران النظام، الذي لم يتوان لحظة عن استخدام كل الذرائع لخرق هدن واتفاقيات وقف إطلاق نار سابقة.

لكن التقدم الذي أنجزته روسيا في أستانة، رغم ضحالته، لا يمكن إغفاله، إذ استطاعت أن تجمع في أستانة فصائل مسلحة مختلفة وأساسية في الصراع، وهو الأهم وفق الإستراتيجية الروسية، رغم التحفظات التي أثارتها الفصائل ،وخرجت بما سُمي اتفاق “المناطق منخفضة التوتر”.

المسألة الأخرى، التي يجب ملاحظتها، أن الاستراتيجية الروسية نجحت أيضاً وإن بشكل نسبي، في أن تجمع أطراف الصراع الإقليمي وتجعلها جزءاً مهما، بل ضامنا لهذا الاتفاق، وهو أمر بالغ الأهمية والتعقيد نظراً للمواقف المتناقضة لهذه الأطراف في الصراع الدائر.

المسألة الثالثة التي لا يمكن إغفالها هي تقليم أظافر تركيا وإيران بشكل واضح، وهما الدولتان اللتان لهما أكبر تأثير في مسار الصراع والحل في سورية.

إذن أستانة لم تقدم حلولاً، ولكنها ُسًيرت في المسار الذي يريده الاتحاد الروسي وهو إيجاد إطار للفصائل العسكرية، قد يفضي إلى جسم مشترك أو متناغم في المستقبل يسهل عملية ضبطها والحوار معها عندما يوضع الحل السياسي على سكته الصحيحة أو المطلوبة .

في المقابل الفصائل العسكرية لم تكن في موقع تحسد عليه، فهي فقدت الكثير من قوتها ورونقها ولم تعد تستطيع خوض معارك مؤثرة ضد النظام، ليس فقط لأن النظام قوي، بل لأن ترهلها وتشرذمها أفقداها القدرة على إحداث التغيرالمتوقع في مسار الحل العسكري، وأوصالها قد تقطعت بسيوف “النصرة” وشركائها، في أكثر من مكان وخاصة في إدلب ومؤخراً في غوطة دمشق،والداعم الأساسي(تركيا) أصبح ضامنا للإتفاق.

إذن ليس المهم بالنسبة لروسيا تنفيذ مناطق منخفضة التوتر، كما لم يكن مهما لها تنفيذ اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة بقدر ما يهمها إيجاد قوة عسكرية معتدلة تستطيع اعتمادها كطرف في أي ترتيبات مقبلة، وتدجين الداعمين الأساسيين سواء للمعارضة أو السلطة .

في الواقع روسيا تريد ذلك” ليس كرمى لعيون المعارضة ” بل لأنها تدرك تماماً أن النظام، رغم تماسكه الشكلي، مهترئ ويحتاج إلى سند قوي ومستدام، وهذا ما لاتستطيع موسكو ضمانه طويلاً، وخاصة بعد التقدم الأمريكي في الشمال السوري، ورفض واشنطن مشاركة موسكو أو تركيا في الحرب على داعش، مما يعني، الأمر الذي تدركه موسكو جيداً، أن أمريكا سوف تنزع ورقة الإرهاب من النظام السوري وحليفه الروسي، فيما لو نجحت في طرد داعش من الرقة ودير الزور، وهذا هو المتوقع بعد تحرير الطبقة والتقدم باتجاه الرقة .

وسط هذه التطورات يستعجل ديمستورا الدعوة إلى جولة جديدة من المفاوضات في جنيف قبل أن يجف حبر أستانة، وقبل أن يصبح اتفاق مناطق خفض التوتر في مهب الريح، وقبل أن يتراجع النظام، الذي صفق للإتفاق، عن تعهداته حول ملف المعتقلين والمساعدات الإغاثية، فهل ينجح المبعوث الأممي هذه المرة ؟

لا يزال مبكراً التوصل إلى الإجابة على هذا التساؤل، كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة، ولا يمكن التكهن بما ستؤول الأمور إليه قبل أن تحسم المعركة ضد داعش والنصرة، الطرفان الأكثر خطًورة ورفضاً لأي حل سياسي خارج زعمها في إقامة الدولة أو الإمارة الإسلامية على الأرض السورية، التي لاتستهوي المجتمع الدولي، ولاتروق أيضاً، بكل تأكيد، للشعب السوري.

أمريكا التي تخوض حرباً حقيقية ضد الإرهاب في الشمال السوري تدرك أهمية التخلص من داعش والنصرة قبل التوصل لأي حل سياسي في سورية، وتدرك أيضا أن النظام وروسيا أجادا اللعب بورقة الإرهاب ولذلك لابد من انتزاعها منهما قبل الذهاب إلى أي حل سياسي حقيقي .

لذلك رفضت أمريكا دعوات روسيا والنظام لمشاركتها في تحرير الرقة عاصمة “تنظيم الدولة الإسلامية “المزعومة، ولأنها تدرك حساسية النظام وإيران اتجاه تركيا لذلك فضلت أن تكون قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوات محلية، شريكاً أساسياً في المعركة ضد الإرهاب رغم إدراكها لحساسية الموقف التركي اتجاه هذه القوات.

من هنا نعتقد أن تحرير الطبقة من قبل قوات سوريا الديمقراطية إنجاز هام، وبداية لدحر داعش من كامل سورية، الأمر الذي يسهل إحداث اختراق باتجاه الحل السياسي وبرعاية أمريكية .

إن ما تم إنجازه في الطبقة لا يمكن تجاهله إطلاقاً، ولابد أن تأخذه المعارضة السورية بعين الاعتبار، (رغم كل ملاحظاتنا على هذه القوات وعلى حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل خاص) ومن العماء السياسي غض الطرف عنه، فقد أثبتت هذه القوات أنها قوة حقيقية صادقة في مواجهة الإرهاب ومنخرطة في المشروع الأمريكي، الذي نعتقده أكثر عدلاً من المشروع الروسي في سورية .





المصدر