الأتراك في مدينة كليس يُقبلون على تعلّم اللغة العربية


منتظرين لحظة انتهاء الدوام المدرسي، يتبادل معلمون سوريون وأتراك الجلوس على المقاعد في إحدى المدارس السورية بمدينة كيلس التركية، يكررون ذلك بشكل شبه يومي، ليعلّم كل منهما لغته للآخر.

تبادل الأدوار وسيلة توصل إليها هؤلاء بهدف تعلم اللغتين التركية والعربية، لكن وإن كان من الطبيعي أن يُقبل اللاجئ السوري على تعلم اللغة التركية، كونها اللغة الرسمية هنا، وإتقانها يكفل له تسيير حياته اليومية بشكل أفضل أوحتى الاندماج في المجتمع، فإن الغريب هو أن يسعى الأتراك لتعلم العربية! 

يقول معلم المدرسة السوري محمد خير الحسن، لـ صدى الشام: “إن الدوافع والمبررات الموجودة لدينا لتعلم اللغة التركية، نراها موجودة لدى المعلمين الأتراك في المدرسة، فهم أيضاً لديهم الشغف ذاته بأن يندمجوا معنا، وأن يتحدثوا لغتنا”، ويضيف: “لذلك هم يتابعون حديثنا باهتمام منقطع النظير”.

 

أمر يفرضه الواقع

خطوة إقبال المعلمين الأتراك على تعلم اللغة العربية، ليست الواقعة الأولى في مدينة كليس الحدودية، بل هي واحدة من بين مئات الحالات المشابهة، إذ ذكرت وكالة الأناضول الشهر الماضي، أن الموظفين في السلك القضائي في ولاية كليس، بصدد تعلم اللغة العربية.

وعن سبب إقبال الموظفين على تعلم اللغة العربية، أشارت الوكالة إلى اضطرارهم لذلك نظراً إلى ارتفاع عداد اللاجئين، وأوضحت أنهم يتعلمون اللغة العربية ليكون تواصلهم مع المراجعين السوريين أفضل، بدلاً من الاعتماد على المترجمين.

وفي مثال آخر، أشارت ريم، العاملة في منظمة دولية مهتمة بشؤون اللاجئين، إلى رغبة كبيرة يبديها غالبية الموظفين الأتراك لتعلم اللغة العربية.

تقول ريم لـ صدى الشام: “إن تعلم اللغة العربية بالنسبة للموظفين الأتراك في الدوائر الحكومية يساعدهم على التواصل المباشر بينهم وبين المراجعين السوريين”.

وتضيف: “في البداية رأى الأتراك أن السوري مجبر على أن يتعلم اللغة التركية، لكن وبعد كل تلك المدة اتضح أن نسبة كبيرة من السوريين لم يلتزموا بذلك، الأمر الذي جعل تعلم اللغة العربية على الموظفين الأتراك، أمراً حتمياً”.

 

 

أبواب جديدة

وفضلاً عن الحاجة والاضطرار، تصف ريم تعلم المواطن التركي للغة العربية بالميزة التي من شأنها أن تفتح أمامه أبواباً جديدة للوظائف الحكومية، وخصوصاً التي تتعاطى مع الشأن السوري.

وبحسب ريم، فإن المنظمات التابعة للأمم المتحدة في تركيا تعاني من نقص شديد في عدد الموظفين الذين يتقنون اللغتين العربية والتركية.

وتوضح أنه “كما تعطي اللغة التركية للسوري ميزة للتوظيف في المنظمات الدولية بتركيا، فإن إتقان التركي للغة العربية – ولو بشكل مبدئي- يعطيه الميزة ذاتها أيضاً”.

وينسحب هذا الأمر على كثير من الأتراك من أصول عربية الذين حصلوا على وظائف في مجال الترجمة بمدينة كليس، وذلك في منظمة الهلال الأحمر التركي، أو في المشافي التركية والمراكز الصحية، بعد أن قدموا إلى المدينة من ولايتي أورفه وهاتاي، مع بداية تدفق الدفعات الأولى من اللاجئين السوريين.

ووفقاً للنظرة السابقة، تعتقد ريم أن نسبة كبيرة من الشباب الأتراك يبدون رغبتهم في تعلم اللغة العربية، أملاً في الحصول على فرصة عمل أفضل في المنظمات المحلية أو الدولية.

 

لغة السوق

بعد تمضية وقت قليل في أسواق المدينة، يَخال الزائر نفسه كأنه يتجول في أسواق مدينة عربية، فيتناهى إلى مسامع المارة من أمام محالها التركية والسورية مفردات عربية، وتزدحم واجهاتها بالكلمات العربية.

يقطن مدينة كيلس الصغيرة حوالي 130 ألف لاجئ سوري، متجاوزين بذلك عدد السكان الأتراك المحليين، الأمر الذي جعلهم رقماً صعباً في المعادلة التجارية المحلية.

يقول محمد الراوي، البقال الذي يعيش في المدينة، “إن للسوريين دور كبير في حركة الأسواق، وهذا الأمر نبّه أصحاب المحلات الأتراك إلى أهمية تعلم اللغة العربية، لضرورتها في التواصل مع الزبائن السوريين”.

ويضيف لـ صدى الشام: “بعد افتتاح المحال التجارية السورية، صار الزبون السوري يفضل ارتيادها على التركية، وهذا ما حفز أصحاب المحال التركية على تعلم اللغة العربية، لجذب الزبون السوري ولمنافسة المحال التجارية السورية”، ويستدرك: “بالنهاية يريد التاجر التركي، كما كل التجار، أن يحقق المزيد من الأرباح، وهذا الأمر مرهون بنسبة كبيرة بنجاحه في استمالة الزبائن السوريين”، الذين يشكلون جانباً مهماً من الحركة الاقتصادية في المدينة.

ويؤكد الراوي من مشاهدته، أن غالبية التجار الأتراك تعلموا اللغة العربية، وخصوصاً أصحاب متاجر المواد الغذائية، والألبسة، والأثاث المنزلي.

 

تقارب اللغتين

تحتوي اللغة التركية على نحو ستة آلاف مفردة عربية، وتصل نسبتها إلى ما يقارب الـ20% من عدد كلماتها الإجمالي، وفق دراسات متخصصة، بالمقابل فإن هناك مفردات تركية ضمن اللغة العربية.

وبهذا الصدد يرى الباحث السوري أحمد السعيد، أن الحاجة الراهنة أدت إلى اختراع ما يشبه لغة تواصلية هجينة مؤلفة من كلمات عربية وتركية بسيطة في آن معاً، في سبيل الاندماج.

ويضيف في حديثه لـ صدى الشام :”نرى هذه اللغة الهجينة اليومية في المحال التجارية، وفي المراكز الصحية، وفي المعامل والمصانع التركية، التي يتواجد بها عمال سوريون”، ويجزم السعيد، أن غالبية الأتراك باتوا على معرفة ببعض المفردات العربية الضرورية، وكذلك العكس.

 

 

الموروث الديني والثقافي

وبالإضافة إلى جملة الأسباب السابقة، تبرز أهمية اللغة العربية لدى المجتمع التركي الذين يَدين جزء كبير منه بالإسلام، وبالتالي يأتي الاهتمام بالعربية كونها لغة القرآن الكريم.

ويمكن ملاحظة أن قسماً لا بأس به من الأتراك يقرؤون القرآن دون فهم معناه، ولسد هذه الثغرة يحاولون تعلم اللغة العربية، سواء عن طريق الاحتكاك اليومي بالسوريين، أو من خلال دورات مخصصة لهذا الغرض.

وهنا لا بد من الإشارة إلى تنظيم كثير من الجمعيات التركية في كليس لدورات لتعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها.



صدى الشام