صحيفة فزغلياد: الاتهام الأميركي بـ “المحرقة السورية” خطيرٌ بالفعل


سمير رمان

الصورة: 2017 DigitalGlobe/Zuma/Global Look Press
قالت دمشق الرسمية: إنَّ الأخبار التي صدرت عن وزارة الخارجية الأميركية عن ارتكاب جرائم حربٍ في سجن صيدنايا ووجود محرقة هناك هي “ثمرة فانتازيا إدارة ترامب وعملائها” وهي “سيناريو هوليودي جديد”. يختلف الأمر عندما يكون هدف هذا الادعاء ليس سورية، بل روسيا وإيران، وقد يكون الأمر خطيرًا بالفعل.

يؤكِّد تقرير الدبلوماسي البارز، في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ستيوارت جونس أنَّ السلطات السورية تشنق عشرات المعتقلين يوميًا، ويتمُّ حرق جثث الضحايا في محرقةٍ خاصَّة، ويجري كلُّ هذا بدعمٍ من روسيا وإيران.

من جانبها، توضِّح صحيفة Wall Street Journal  أنَّ هذه الفظائع، تتمّ في سجن صيدنايا قرب دمشق. جاءت الاستنتاجات بوجود “المحرقة” لحرق جثث السجناء الذي شُنقوا في السجن المذكور، استنادًا إلى صورٍ التقطتها أقمارٌ اصطناعية، نشرت وزارة الخارجية الأميركية جزءًا منها. وفيما بعد، تكرر ظهور المشاهد على قناة (سي.إن.إن) ولكن لم تقدَّم دلائل أخرى. وبالطبع، نفت دمشق الرسمية هذه التلميحات.

التُقِطت الصور التي يدور حولها الحديث، في أعوامٍ مختلفة، بدءًا من عام 2013. وفي حال الرغبة، يُمكن تتبّع تطوُّر مجمّع سجن صيدنايا؛ وبالفعل، ظهرت خلال الأعوام الأربعة عدة مبانٍ جديدة، ولكن الأميركان أنفسهم يعترفون أنّه لا يمكن عبر هذه الصور تحديد الهدف من إضافة هذه الأبنية، وبالتالي التأكيد أنَّ أحدها هو بناء محرقة.

لم يقدِّم جونس أيَّ إثبات يؤيد ادعاءاته بـ “حرق 50 شخص كلَّ يوم”. وبدلًا من ذلك، أورد معلوماتٍ حصل عليها من منظَّماتٍ غير حكومية “مغفلة”، وهي تقول جرى في سورية اعتقال من 65- 117 ألف شخصٍ من عام 2011 إلى عام 2015، وما زالوا محتجزين في أماكن الاعتقال.

“صيدنايا” هو واحدٌ من أماكن الاعتقال، وما زال فيه المعتقلون فيه حتى الآن، يؤكد جونس، بحسب مصادر مختلفة، أن النظام يتحمَّل المسؤولية عن قتل 50 سجينًا يوميًا، في سجن صيدنايا. وتؤكِّد مصادر موثوقة أنَّ كثيرًا من الجثث دُفنت في “مقابر جماعية”. والطريقة الأخرى لإخفاء الجثث المعتقلين هي “المحرقة”.

ستيوارت جونس دبلوماسيُّ ذو خبرة ومستقبلٍ مهنيٍّ واعد، عمل لسنواتٍ طويلة في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أنَّ نظام السياسة الخارجية الأميركية ينشر موظفيه في مختلف مناطق الكرة الأرضية، ولكنَّه لا يترك لهم الوقت الكافي للبقاء؛ ليصبحوا خبراء حقيقيين في منطقة معقَّدة ما. إلا أنَّ جونس كان استثناءً نادرًا؛ فقد كان سفيرًا في الأردن والعراق، ومستشارًا حكوميًا في محافظة الأنبار، ونائبًا لرئيس بعثة الولايات المتحدة الأميركية إلى مصر، وترأس القسم العراقي في مجلس الأمن القومي الأميركي.

لنترك لضمير الصحفيين الأميركيين كتابتهم اسم السجن بصورةٍ مختلفةٍ من صحيفةٍ لأُخرى، أمَّا جونس فعليه أنْ يعرف بالضبط كيف تُلفظ، بيدَ أنَّ هذه المعلومات الفاضحة أذيعت أمام الصحفيين المعتمدين لدى وزارة الخارجية الأميركية، وسجّلوا كلَّ شيءٍ نقلًا عن لسان الرجل مظهرين خيالهم الواسع.

سجن صيدنايا الحقيقي يقع على بعد 30 كم شمال دمشق، ويتألف من مبنيين: المبنى الرئيس بُنيَ على شكل وريقاتٍ ثلاث، وكل وريقة ذات نظامٍ منفصل، وتعود ملكيته إلى وزارة الدفاع السورية، وتديره الشرطة العسكرية. وبالفعل، يُستخدم هذا السجن لاحتجاز أسرى الجهاديين، المجرمين السياسيين والمتطرفين. وبالمناسبة، لم ينكر أحدٌ حتى قبل الحرب الأهلية عام 2011. في السابق، كان يُودع في سجن صيدنايا، أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وهي التي كانت، وقتئذ، القوة الرئيسة للجهاد الأصولي في الشرق الأوسط، وبعد اندلاع الحرب، أطلق سراح معظمهم، حتى عندما كانوا يعلنون نيتهم في حمل السلاح من جديد. تبيَّن أنَّ قادة بعض المجموعات القتالية المستقبلية كانوا من بين أولئك الذين أُطلق سراحهم، ومن ضمنها، على سبيل المثال (جيش الإسلام-الإخوة علوش) و(أحرار الشام-حسان عبود وأبو يحيى الحموي). وحتى أنَّ محافظ الرقة الحالي (الأمير) المعيَّن من قبل داعش (أبو لقمان والناطق الرسمي باسم التنظيم أبو محمد العدناني، كانا ضمن هذه اللائحة.

وها هو سجن صيدنايا، يحتل منذ 10 سنواتٍ أعلى قائمة الأماكن السورية التي تنصبُّ فيها جهود منظمة العفو الدولية Amnesty International وقناة الجزيرة. دأب المدافعون الغربيون عن حقوق الإنسان باستجواب الجهاديين الخارجين من السجن بشكلٍ مستمر، وأصدروا “كتبًا سوداء” بالاستناد إلى ذاكرة مثل هؤلاء.

في عام 2014، صدر ما سمِّي بتقرير القيصر، واشترك في إعداده إلى جانب الناشطين الحقوقيين، لورداتٌ محترمون، قضاةٌ سابقون من محكمة لاهاي الخاصَّة بيوغوسلافيا ومحكمة أحداث سيراليون. جُمع في هذا الملف عددٌ من شهادات معتقلي السجون الذين أُطلق سراحهم أو نُقلوا إلى سجونٍ أُخرى، كسجن تشرين أو سجن مطار المزّة. ومن هذا النصِّ بالذات، انتشرت في العالم الحقوقي الأرقام التي أعلنها السفير جونس عن عدد السجناء، عن الذين جرى إعدامهم، أنباء التعذيب، “تصفياتٍ دون محاكمة”، محاكم عسكرية سريعة، وحتى الروايات عن “تجارة الأعضاء البشرية”.

انخرطت منظمة Amnesty International بما يجري، لدرجةٍ أنَّها طلبت، في ربيع عام 2011، من الخبراء أنْ يصمموا نموذجًا مصغَّرًا لسجن صيدنايا. وفي تركيا، راحوا يستجوبون من جديد المعتقلين السابقين، وصمموا بناء على المعلومات المتطابقة نموذجًا ثلاثي الأبعاد 3D للسجن. ولا يُعرف لماذا! إلا أنًّه من الواضح أنَّ صيدنايا ستلعب دورًا متميِّزًا في الحرب الإعلامية على سورية. لم يكن هناك أي “محرقة” في هذا النموذج. فالمحرقة ابتكارٌ جديد، فأين هي جثث “آلاف المشنوقين”؟

الصرعة الجديدة لم تكن في توجيه الاتهام للحكومة السورية، بل إلى إيران وروسيا التي “تتستر على جرائم نظام الأسد”، بحسب جونس. لم يسبق أن جرى التشديد بهذه الدرجة. في وضعنا الراهن، تكون هذه التقارير شديدة الخطورة (خاصّةً وأنَّ مؤلفها سفير متخصص بشؤون الشرق الأوسط). كانت قصة الكيماوي المفبركة في خان شيخون كافيةً لإدارة دونالد ترامب كي تستخدم صواريخ “توماهوك”، والآن لدينا محرقةٌ كاملة “يحرق فيها 50 شخصًا كلَّ يوم”.

خلاف كلِّ شيء، يتضمن الحديث عن محرقة في صيدنايا إشارةً إلى الهولوكوست، ولا يستطيع أحدٌ التنبؤ بما سيحدث، ولن يكون بمقدور أحدٍ التنبؤ بما سيحدث إن وقعت عينا صهر دولةٍ عظمى كالولايات المتحدة الأميركية على هكذا “تقارير”. وفي هذه الحالة، لن يدهش أحدٌ من عدم كفاية الأدلَّة الحقيقية، ولن يهتمَّ أحدٌ باستناد معدِّي التقارير المستمر على معلومات المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين.

لا يتحدَّث أحدٌ عن أنَّ الحرب الأهلية في سورية، جرت في بعض المناطق مترافقةً مع مجازر “الكلُّ ضد الكلِّ”، وعن أنَّ الحرب على الإرهاب العالمي يقوم بها، حصريًا، ذوو القفازات البيضاء، أمّا “الدفاع عن حقوق الإنسان” فهو أسلوبٌ منتشر للغاية للضغط على الرأي العام ولاتخاذ قراراتٍ عسكرية-سياسية فورية؛ ولهذا، فإنَّ كلَّ ما يصدر من جانب الناشطين في لندن يستوجب الرفض القاطع. بالطبع، إنْ لم تكونوا واحدًا من العاملين في وزارة الخارجية الأميركية.

اسم المقالة الأصليАмериканский вброс о «сирийском крематории» действительно опасен
اسم الكاتبيفغيني كروتيكف
مكان وتاريخ النشرصحيفة فزغلياد، 16 أيار 2017
رابط المقالةhttps://www.1prime.ru/articles/20170507/827434131.htm
المترجمسمير رمان



المصدر