هل تستثمر الرياض صفقات السلاح لصالح القضية الفلسطينية؟


بعد ثماني سنوات من التعامل الجاف، من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، مع المملكة العربية السعودية، تشهد العلاقة بين واشنطن والرياض في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، أجواء شهر عسل ممتد، بإغراءات سعودية غير مسبوقة.

وقال محللون سياسيون لـ “عربي21″، إن السعودية أبدت رغبتها في تحمل تكاليف شهر العسل، بأضخم صفقة سلاح في تاريخ المملكة، قبل أيام من الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض.

وأكد المحللون أن زيارة ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سالمان، الأخيرة إلى واشنطن، جرى فيها الاتفاق على كافة التفاصيل المتعلقة بطبيعة العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة المقبلة.

وتبلغ قيمة الصفقة، وفقا لرويترز، أكثر من 340 مليار دولار تسدد قيمتها علي 10 سنوات بعد تسديد الدفعة الأولي 100 مليار دولار. وقال مسؤول كبير بالبيت الأبيض، إن الولايات المتحدة على وشك استكمال سلسلة من صفقات الأسلحة للسعودية، لمساعدتها على تعزيز قدراتها الدفاعية، مع مراعاة الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل على جيرانها.

ومن المنتظر أن توقع الرياض عدة صفقات أخرى مع شركات أمريكية كبرى في مجالات الدفاع والكهرباء والنفط والغاز والصناعة والكيماويات. كما أنه من المتوقع أيضا، أن يزور السعودية وفد من بورصة نيويورك للأوراق المالية بعد زيارة ترامب سعيا لإدراج الطرح الأولي لشركة أرامكو، المقرر أن يتم في عام 2018 بنحو 100 مليار دولار، في بورصة نيويورك.

وفي الوقت الذي تتصدر فيه المملكة العربية السعودية قيادة العالم الإسلامي، هل تستثمر المملكة كل هذه الصفقات الضخمة التي تنعش الاقتصاد الأمريكي، كأوراق ضغط رابحة، أو أدوات تأثير قوية لتسوية بعض القضايا العربية والإسلامية، وفي القلب منها القضية الفلسطينية؟ أو بمعنى آخر هل ستشترط السعودية مقابل كل تلك الأموال والاستثمارات ان يكون هنالك حل حقيقي للقضية الفلسطينية؟.

أكد أستاذ العلاقات الدولية، والخبير في الشأن الأمريكي، صبري سميرة، أن الإجابة على هذا السؤال معقدة ومركبة، نظرا لطبيعة العلاقة بين السعودية وأمريكا التي تمر بمراحل متقلبة ( عادة ما يكون الود فيها من الجانب السعودي والفتور من الجانب الأمريكي).

مصالح متبادلة

وقال في تصريحات لـ “عربي21″: ” الآن يبدو أن العلاقة الأمريكية السعودية تعود إلى الطريقة الاستراتيجية القديمة، الممتدة على مدار عقود، والتي تقوم على مجموعة من المصالح “المتبادلة”، تعتمد على انفاق السعودية الكثير من الأموال في شراء السلاح وغيه من أمريكا مقابل أن تقوم أمريكا بتقديم شيء للسعودية كتحالفات ومحاور دولية أو إقليمية، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في المنطقة.

وتابع: “هذه الطريقة تعتمد على إرساء قواعد السياسة الواقعية المبنية على القوة والمصالح، وبالتالي السعودية تستثمر مبلغ هائل جدا لكي تقنع صانع القرار الأمريكي، وعلى رأسه ترامب، الذي كان يقول خلال الحملة الانتخابية وبعدها أن أمريكا سوف تنسحب من تحالفات دولية وستوقف خدماتها غير المدفوعة او المدفوعة بثمن بخس في عدة دول بالعالم ولن تتدخل في صراعات تكلف أمريكا، في إشارة إلى أن من يريد خدمات أمريكا عليه أن يدفع، والآن السعودية تدفع وعليه سوف تقدم أمريكا خدماتها”.

وأوضح سميرة أن الخدمات الأمريكية للسعودية لا تكون حدودها فقط العلاقة بين البلدين، لكنها تتعلق بمجموعة من القضايا الساخنة في المنطقة (سوريا، اليمن، ليبيا، العراق، وإعادة ترتيب وتركيب المنطقة، وطبعا فلسطين أساس كل القضايا ).

وأشار إلى أن السعودية تحتاج إلى تدخل أمريكي في كثير من القضايا التي تريد أن تحسمها بصورة أو بأخري لصالحها، وتقديم إغراءات كبيرة جدا في سبيل ذلك.

وفيما يتعلق بمحل القضية الفلسطينية، كأساس لكل قضايا المنطقة العربية والإسلامية، في الصفقات الأمريكية السعودية، قال سميرة: ” بالنسبة لترامب وأمريكا لا اعتقد أن القضية الفلسطينية تحتل المرتبة العليا من ناحية أنها اضطرارية أو ضاغطة أو خانقة على المصالح الأمريكية”.

وأضاف أن ” إسرائيل في أحسن أوضاعها في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وهي في أعلى قوة لها مقابل عالم عربي ممزق، وضعيف، ومتشتت، ومتحارب، ويعاني كثير من المصائب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأخرى، وبالتالي أمريكا كحليف استراتيجي لإسرائيل، ومع الخلفية المحافظة التي جاء بها ترامب، لا يشعرون بأي اضطرارية لحل هذه القضية، والذي يقرر هذه المسألة حاليا هو الجانب الإسرائيلي”.

مغامرة غير متوقعة

وأردف: “السعودية الآن وهي في حاجة إلى أمريكا في كثير من القضايا، لا اعتقد أنها سوف تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها، لأن السعودية تدرك بأن توازنات القوة في المنطقة لصالح إسرائيل”.

ولفت إلى أنه ” قد نجد في لحظة من اللحظات أن تكون القضية الفلسطينية من بين الصفقات الكبرى، التي يتم التجهيز لها في المنطقة، وذلك في ظل طريقة ترامب التي تعتمد على اقتناص الفرص”، وأشار في الوقت ذاته إلى أن ترامب لن يغامر كثيرا بتحدي الجانب الإسرائيلي.

وفيما يتعلق بسؤال هل ستشترط السعودية مقابل كل تلك الأموال والاستثمارات أن يكون هنالك حل حقيقي للقضية الفلسطينية؟ أجاب سميرة قائلا: ” أتمني أن يكون للعرب وللسعودية مثل هذه الإرادة، ومثل هذه القدرة، لكن لا أتوقع ذلك، لأن السعودية في حالة صراع مع عدة قوى في المنطقة سواء كانت قوى داخلية، وخارجية، وبالتالي ستكون منحازة لأمريكا في كل القضايا”.

وتحفظ الباحث المختص بشؤون الشرق الأوسط، محمد عويس، على ربط زيارة ترامب إلى السعودية، أو الصفقات التي تبرمها الرياض مع واشنطن، بالقضية الفلسطينية، مؤكدا أنه ربط غير عادل بالنسبة لما يحدث في المنطقة.

ذروة التآمر

وقال في تصريحات لـ “عربي21”: “صحيح أن القضية الفلسطينية هي قلب القضايا العربية والإسلامية، ولولا استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لما كانت كل هذه الفوضى التي تضرب المنطقة، لكن السعودية لا تستطيع وحدها تحمل مسئولية التفاوض نيابة عن القضية الفلسطينية”، مضيفا أن القضية الفلسطينية لم يبقي أحد في العالم، إلا واستغلها وتاجر بها.

وأكد عويس أن الخطر الأكبر على القضية الفلسطينية هي زيارة ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ووعوده الكارثية الخاصة بفتح المجال الجوي الإماراتي أمام الطائرات الإسرائيلية، للسياحة والزيارات المتبادلة وخلافه.

وأضاف: “هناك محاولات من بعض الحكومات العربية التطبيع العلني والكامل مع العدو الصهيوني، وتآمر حقيقي على القضية الفلسطينية بدعم عربي بدأ منذ سنوات واليوم يصل إلى ذروته”.



صدى الشام