يتجاهل رحيل الأسد ويطرحه كشريك في الحل.. لهذه الأسباب يقدم دي ميستورا للنظام ما لم يقدمه أحد قبله


مراد القوتلي - خاص السورية نت

يواصل المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا ما يصفها بـ"جهوده الحثيثة" للتوصل إلى حل للملف السوري الشائك منذ ست سنوات، محاولاً أن لا ينضم إلى قائمة الفشل التي كُتبت فيها أسماء المبعوثين الأممين الأخضر الإبراهيمي، وقبله كوفي عنان، واللذين قررا في النهاية التنحي عن المهمة الشاقة دون تحقيق تقدم يذكر.

ويبدو من خلال المقترحات والتصريحات الصادرة عن دي ميستورا، أنه لم يستطع للآن لعب الدور الحقيقي لما يمكن تسميته "بالوسيط" بين المعارضة والنظام وتسهيل الطريق أمام الطرفين للتوصل إلى حل، وهو ما انعكس في تخبطه مراراً بالمقترحات والمبادرات التي قدمها، والتي لم تخلو من محاولات مبطنة لتعزيز موقع نظام الأسد في بعض الأحيان، أو جاءت انصياعاً لحلفاء النظام في أحيان أخرى لا سيما روسيا.

"الأسد جزء من الحل"

ومنذ تولي دي ميستورا لمنصبه في العام 2014، فقز المبعوث الأممي بين مواقف وتصريحات مختلفة أثارت حفيظة المعارضة السورية، سيما عندما قال في فبراير/ شباط 2015 إن "الأسد جزء من الحل في سوريا"، لتنهال عليه انتقادات شديدة، دفعته بعد أيام إلى تبريرها بطريقة وصفها محللون بأنها "تفتقر للمهنية"، وقال حينها دي ميستورا إنه اتصل برئيس الائتلاف السابق خالد خوجة، وقال إن " المقصود من هذا التصريح، جر الأسد إلى دائرة الحل، وتوريطه ببداية حل سياسي، وليس المقصود منه حرفية التصريح".

وإذا كان الهدف من تصريحات "دي ميستورا" المثيرة مناورة سياسية، فإن المعارضة السورية أعربت عن توجسها مراراً من الأفكار التي يقترحها المبعوث الأممي للحل في سوريا، خصوصاً وأنه بات يدخل العملية السياسية في تفاصيل تبعدها عن هدفها الأساسي الذي نص عليه بيان جنيف المتوافق عليه دولياً، والداعي لتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وهو أمر يرفضه الأسد لأنه سيكون خارج المعادلة السياسية.

وحاول دي ميستورا مراراً إخراج الأسد من دائرة خطر خروجه من السلطة، إذ طرح في سبتمبر/ أيلول 2015 خطة للحل في سوريا، تضمنت وثيقتين، الأولى احتوت على إطار تنفيذي لبيان جنيف، والثانية تأطير عمل أربع مجموعات (السلامة والحماية، والقضايا السياسية والقانونية، والشؤون العسكرية ومكافحة الإرهاب، وإعادة الإعمار والتنمية)، إلا أنها خلت تماماً من دعوة لرحيل الأسد، بل طرحته كشريك في العملية السياسية رغم المجازر التي ارتكبها النظام.

وكان اللافت في تلك الخطة أن دي ميستورا أعطى لنظام الأسد صلاحية اختيار الأعضاء الذين سيتفاوضون باسمه، في حين صادر هذا الحق للمعارضة، وقال إنه هو سيختار بنفسه من يمثل المعارضة السورية، وهو ما قوبل بالرفض القطعي آنذاك من قبل المعارضة.

وحملت الخطة توجهاً واضحاً من استبدال الأسد، إلى ضرورة عمل المعارضة مع النظام عبر دمج قواتهما معاً في مجلس عسكري مشترك، ناهيك عن أن المبعوث الأممي حاول تثبيت سياسة النظام في أية عملية تفاوضية، والقائمة على أن الأولوية لملف مكافحة الإرهاب وليس الانتقال السياسي الذي يفضي لتغيير النظام.

واعتبر حينها محمد صبرا الذي كان عضواً في وفد المعارضة المفاوض في مؤتمر جنيف 2 أن "تحويل الأسد من مجرم حرب ارتكب جرائم مروعة ضد الإنسانية وكان أحدها استخدام السلاح الكيماوي (...) إلى مكافح ضد الإرهاب هي جريمة أخرى بحق الضحايا السوريين الذين يطلبون العدالة وفق قرارات الشرعية الدولية".

ترحيب الأسد

وقبل ذلك كان "دي ميستورا" قد تقدم في العام 2014، بمبادرة أسماها "المناطق المجمدة"، ودعا فيها إلى تخفيف حدة الاشتباكات في مناطق سورية عدة كان من بينها حلب، وتسعى المبادرة لإجراء "مصالحات محلية" بين قوات النظام والمعارضة، وتوحيد جهود الطرفين لقتال "تنظيم الدولة" ومواجهة الإرهاب. وكان اللافت في هذه المبادرة أنها حظيت بترحيب من نظام الأسد.

وفي مفاوضات "جنيف 4" التي عقدت في مارس/ آذار 2017 قدم دي ميستورا مقترحات أثارت الكثير من التساؤلات عن دوره كمبعوث أممي هدفه التوصل إلى حل للملف السوري، وذلك عندما اقترح إقامة إدارات ذاتية، محاولاً نسف قرارات مجلس الأمن الداعية لتشكيل هيئة حكم انتقالي، وهو ما يعد مكسباً لنظام الأسد لو تحقق ذلك، لكون النظام يرفض مناقشة الانتقال السياسي الذي يفضي لتشكيل الهيئة، وبالتالي خروج الأسد من السلطة.

كما قدّم المبعوث الأممي في وثيقته، مقاربة جديدة تقترح بحث مسائل التفاوض الثلاث (الحوكمة، الدستور، الانتخابات) بشكل متزامن، في وقت كان قرار مجلس الأمن ينص على تشكيل حكومة انتقالية أولاً، تقوم لاحقاً بتولي بحث مسألتي الدستور والانتخابات.

وورد في الوثيقة عبارة أن الدولة السورية هي "دولة ملتزمة بالحفاظ على الوحدة الوطنية، والتمثيل العادل للمكونات المحلية، وممارسة الإدارة الذاتية على مستوى البلاد والمنطقة والمستوى المحلي".

ومع ذلك، فإن الوثيقة لا تشرح المقصود بعبارة "المكونات المحلية"، فيما استخدمت عبارة "الإدارة الذاتية على المستوى المحلي"، بدلًا من عبارة "الإدارة الذاتية".

ورأى معارضون سوريون أن هذه المقترحات لـ دي ميستورا، تتناغم مع مشروع دستور جديد تقدمت به روسيا للمعارضة السورية نهاية يناير/ كانون الثاني 2017، يسقط كلمة "العربية" من اسم سوريا، ويجعل تغيير حدود الدولة ممكناً عبر الاستفتاء العام.

تمييع وفد المعارضة

وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2016، كرر دي ميستورا محاولته حماية مصير الأسد، عندما قدم إلى مجلس الأمن مقترحات تحدث فيها عن أطر عامة لأية عملية انتقال سياسي في سوريا، من بينها تحديد مهمة هيئة حكم انتقالي تتقاسم السلطات وتسيطر على المؤسسات الحكومية والأمنية. إلا أن دي ميستورا أغفل فيما بعد الحديث عن الهيئة الانتقالية.

وبعيداً عن مصير الأسد، قاد دي ميستورا جهوداً حثيثة متناغمة مع السياسة الروسية، عندما حاول تفتيت وفد المعارضة السورية وإضعافه، عبر فرض شخصيات عليه معروفون بقربهم للنظام وروسيا، أمثال قدري جميل، ورندة قسيس صديقة المسؤولين الروس، وشخصيات أخرى تطلق على نفسها اسم "مجموعة حميميم" وتربطها صلات وثيقة مع روسيا.

وكان دي ميستورا رافضاً لأن يتم حصر وفد المعارضة بـ"الهيئة العليا للتفاوض" التي ضمت شخصيات عسكرية وسياسية من جميع أطياف الشعب السوري.

كما أنه في أبريل/ نيسان 2016، اقترح دي ميستورا بقاء بشار الأسد في السلطة بـ"صلاحيات محدودة وفترة محددة مع تعيينه ثلاثة نواب من المعارضة للشؤون العسكرية والأمنية والمالية، فيما اعتبرت المعارضة المقترح "خروجاً عن بيان جنيف".

وحالياً يقترح دي ميستورا في محادثات جنيف 6 المنعقدة حالياً تشكيل آلية مشتركة للتشاور حوس المسائل القانونية والدستورية، وقوبل مقترحه من قبل المعارضة بـ 13 تساؤلاً، خصوصاً حول السلطة التي منحها المبعوث لنفسه حول عمل الآلية.

ويشار إلى أن المعارضة السورية اتهمت مراراً دي ميستورا بالانحياز لصالح نظام الأسد، وفي تصريح سابق قال الررئيس السابق لوفد المعارضة السورية المنبثق عن "الهيئة العليا للمفاوضات"، أسعد الزعبي، إن "دي ميستورا أشبه بميسر أمور"، معتبراً أنه لا يمتلك حتى قرار تحريك حقيبته. وأضاف في تصريحات لصحيفة "النهار" اللبنانية، إن "دي ميستورا" يستمع إلى قرار روسيا وأمريكا، ولا يستمع إلى القرارت الاخرى ولا حتى صوت الضمير"، مشيراً أنه ينفذ مصالح أممية كبرى.




المصدر