ضحّت بطرطوسيّتها واتّجهت لإدلب… قصة فتاةٍ مواليةٍ تقع في حبّ ثائر


عبد الرزاق الصبيح: المصدر

لطالما كانت تنعته بالإرهابيّ، وتصفه مع رفاقه بالجماعات المسلّحة، ولطالما راهنت على إلقاء القبض عليه في أولى محادثات الدردشة بينهما مع بدايات الثّورة في العام 2011، ولكن الأيّام اللّاحقة كانت كفيلة بتغيير الصّورة.

(ربا) ابنة الخامسة والعشرين، وابنة القرية الطرطوسيّة المواليّة للنظام، تقع في حبّ (أبو يعرب) الشاب الثّائر من إدلب، ليتطوّر الحبّ حتى تكلّل بالزّواج.

كانت أولى محادثاتهما، أشبه بحوارات سياسيّة لم يستطع أياً منهما إقناع الآخر، وغالباً ما تنتهي بفصل الدردشة، وهي دائماً تصرّ في كلامها على أنّ الطائرات السّورية لا تقتل السّوريين، وأن “الجيش السّوري” خرج من ثكناته للبحث عن “العصابات المسلّحة لحماية المدنيين”.

قريتها كباقي القرى السّاحليّة، خاوية على عروشها كما أخبرته، إلّا من النّساء وكبار السّن، وأما الشّباب فالتحقوا بصفوف قوات النظام، وقُتل الكثير منهم، وهاجر القسم الباقي إلى أوروبا، وأمّا من تبقّى منهم فهو يصارع الحياة، فإن لم يقتله الرّصاص قتله الجّوع، بعد ارتفاع أسعار المواد الأساسية والاستهلاكيّة أكثر من عشرة أضعاف عمّا كانت عليه، بينما حافظ راتب الموظّف على نفسه سويته.

في اللّيل ينتشر في الساحل الخطف والسّرقة والتّشليح، تغيب الكهربائي لساعات، وإذا أردت الانتقال بين منطقة وأخرى، عليك المرور عبر حواجز الأمن، والتي أصبحت بشكل كامل تحت إمرة عناصر حزب الله اللبناني، بل امتدّ نفوذهم حتّى البلدياّت.

اتّخذت (ربا) القرار بالذّهاب إلى إدلب دون علم أهلها، بعد أن باعت ما تملك من الحلي والأساور، وتعهّد لها ضابط في قرية مجاورة بإيصالها إلى آخر نقطة تقع تحت سيطرة النظام من جهة إدلب، مقابل نصف ثمن الحليّ، دون أن تقف على حاجز واحد، أو حتّى تخرج هويتها الشخصيّة من المحفظة.

حرارة اللّقاء بينهما، كادت أن تنسيهما النّاس الذين من حولهم، وصعدت السيّارة ذات الدّفع الرّباعي وهي ترتجف خوفاً، استرقت لحظات بكت فيها على آخر مشهد لمنطقة غادرتها، وبادلته الضحكات في كل مرّة كان ينظر إليها، أخذها الذّهول عندما رأت المنازل المدمّرة في الطريق، وعادت للبكاء عندما رأت النّاس تسكن الخيام، وكانت تسأل عن الفاعل.

تسأله عن هويّة الطّائرات التي تقصف القرية في أوّل يوم من زواجهما، ومن تقتل، ولماذا تقتل الأطفال والنّساء والشّيوخ، وعن السّبب الذي يجعل زوجها يحمل السّلاح عند طلب رفاقه منه الخروج معهم للمؤازرة، لمنع تقدم الجّيش باتجاه القرية، وكانت تجد الجواب في محادثات الدّردشة القديمة بينهما قبل عدّة أشهر.

ومع مرور الوقت ورؤية الصّورة كاملة، ورغم صعوبة الحياة في إدلب، إلا أنها في نظرها أقلّ صعوبة من الحياة في المناطق الموالية للنظام، وترغب (ربا) في مجيء أهلها والكثيرين من أقربائها إلى إدلب، فيما لو توفّر لهم الأمان.

أبعد الحقد السّوريين عن بعضهم البعض مئات الكيلومترات، وتقاسم الغرباء البلد التي ضاعت بين مؤيّد ومعارض، وبعد فوات الأوان عرف السّوريون الحقيقة، فهل يجمعهم الحبّ يوماً؟





المصدر