جنيف6 ينتهي مثلما بدأ: روسيا تنجح بإفراغ المسار السياسي


اختُتمت، أمس الجمعة، الجولة السادسة من مفاوضات جنيف السورية، من دون تحقيق نتائج تُذكر، مكرسة الانطباع الذي أعلنه رئيس النظام السوري بشار الأسد قبل بدء هذه الجولة بأن مسار جنيف هو “مضيعة للوقت”. وتغيب، حتى الآن، الإرادة الجدية من قِبل القوى الدولية الفاعلة لإلزام وفد النظام بالقرارات الدولية الناظمة لهذه العملية، كما أن روسيا تسعى إلى تهميش مسار جنيف لصالح أستانة الذي تتفرد تقريباً في رعايته، وهو بشكل عام يدعم سياسة النظام على الأرض، بعيداً عن المرجعيات الدولية. وقد تجلى هذا التوجّه الروسي خلال اجتماع أعضاء وفد الهيئة العليا للمفاوضات مع نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، في جنيف، والذي حاول إقناعهم بالكف عن مطالبهم بالتركيز على قضية الانتقال السياسي ورحيل النظام، وأبلغهم بأنه لا توجد أي قرارات دولية تقضي برحيل الأسد، ورد عليه الوفد بالقول، إنه لا يمكن قبول أي حل في سورية لا يتضمن رحيل الأسد عن السلطة.

وبدا أن المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، لم يخرج بدوره عن هذه الدائرة، ولم يسع خلال هذه الجولة القصيرة والتي استمرت 4 أيام فقط، إلى طرح قضية الانتقال السياسي، بل طرح ما سماها “آلية تشاورية” حول المسائل الدستورية والقانونية، والتي تحفّظ عليها وفدا النظام والمعارضة. وتضمّن الرد المفصل من وفد المعارضة على هذه الورقة، كثيراً من التساؤلات حول المرجعية التي يستند إليها في تشكيل الآلية التشاورية، من ناحية ولايته، أو دوره كمبعوث خاص، وكيف يمكن إيجاد الصلة بين آلية تشاورية وبيان جنيف، وعلى أساس أي مرجعية. كما تضمّن الرد تساؤلات عن طريقة عمل هذه الآلية التشاورية، وكيف يمكن أن تدفع العملية السياسية في ضوء رفض النظام الانخراط الجدي في هذه العملية.

وحول ما ورد في مقترح المبعوث الخاص بأن الهدف من الآلية ضمان عدم وجود فراغ دستوري أو قانوني أو مؤسساتي في أي وقت خلال مرحلة الانتقال السياسي المتفاوض عليها، تساءل رد المعارضة عن معنى كلمة فراغ دستوري أو قانوني أو مؤسساتي؟ “لأن تحديد هذه المعاني ضروري لتحديد مدى جدوى الآلية التشاورية”. كما تساءل عن “مدى إلزامیة هذه المقترحات والحلول، وما هو مصدر هذه الإلزامية في حال وجودها، وما هو الإطار المرجعي الناظم للحلول والمقترحات التي ستقدمها الآلية التشاورية؟”. وعن “كيفية ضمان عدم توسيع أو تقليص أو تغيير العضوية في الآلية التشاورية، في ظل الصلاحيات “الرئاسية” التي أعطاها مكتب المبعوث الخاص لنفسه على هذه الآلية. وماذا تعني كلمة ترؤس مكتب المبعوث الخاص للآلية التشاورية؟ وهل يعني ذلك ممارسة سلطة رئاسية أو وصائية على عمل هذه الآلية؟”.
وأضافت المعارضة في ردها: “هل سيكون لهذه الآلية نظام عمل، ومن سيضع هذا النظام، ومن سيدعو لاجتماعات هذه الآلية، ويحدّد المواضيع التي ستبحثها وعلى أي أساس قانوني؟ وما الدول التي سيستعين بها دي ميستورا وفريقه لإنجاز عملهم وفق هذه الآلية، وبالتالي ما هو دور السوريين في كل العملية السياسية؟”.
وحول ما ورد في مقترح المبعوث الدولي بأن الآلية التشاورية تأتي لتقديم الحلول والخيارات في المسائل الدستورية والقانونية، وستقدّم عدداً من الخيارات لعقد مؤتمر وطني، قال رد المعارضة: إذا كان عقد المؤتمر الوطني يقع ضمن صلاحيات هيئة الحكم الانتقالي، حسب ما نص عليه بيان جنيف، فكيف يمكن التوفيق بين ما ورد في المقترح وما ورد في بيان جنيف؟

وبينما انهمك وفد المعارضة في تحضير هذا الرد على مقترح المبعوث الدولي، اكتفى وفد النظام برفض هذا المقترح مقدّماً عرضاً بديلاً. وأكد رئيس وفد النظام بشار الجعفري، رفضه بحث قضية الدستور خلال اجتماعات جنيف، لكن الجعفري أعلن مشاركة وفده في اجتماعات “غير رسمية” على مستوى الخبراء بشأن وضع دستوري جديد للبلاد، موضحاً خلال مؤتمر صحافي عقده في جنيف أن الهدف من اجتماع “الخبراء الدستوريين” كان فقط الاتفاق على المبادئ الدستورية العامة، وليس وضع دستور جديد للبلاد، وهي مهمة قال، إنها من اختصاص الشعب السوري.
وأوضح الجعفري أن اجتماعات الخبراء كانت مبادرة من جانب وفده قبِلها دي ميستورا كبديل لفكرة الآلية التشاورية التي لم تنجح لأن سقفها عال كما قال. ورأى أن الاتفاق على اجتماعات خبراء، هو فكرة مشابهة لما طرحه دي ميستورا “من دون أن تعطى شكلاً مؤسساتياً أو شكل مجموعة عمل” إذ إن “الخبراء هم جزء من الفريق والوفد ككل، لكن القرار ليس عندهم، بل هم يدرسون مسائل فنية، ثم يعودون إلى الوفد لاتخاذ القرار”. وفي تصريح صحافي بعد انتهاء آخر لقاء لوفد النظام مع دي ميستورا، قال الجعفري إن الثمرة الوحيدة للجولة السادسة هي الاتفاق على عقد اجتماعات الخبراء التابعين للوفد وخبراء الأمم المتحدة. وشدد على أن هذه اللقاءات لن تحصل بين الجولات وإنما فقط على هامش الجولات التفاوضية التي تعقد على المستوى السياسي.

واللافت أن وفد المعارضة وافق أيضاً على ما قال الجعفري، إنه مقترح قدّمه وفده للمبعوث الدولي، حول إجراء لقاءات على مستوى الخبراء الفنيين بدلاً من الآلية التشاورية التي طرحها دي ميستورا. وأجرى خبراء من مكتب دي ميستورا، الخميس، لقاء مع خبراء تابعين للهيئة العليا للمفاوضات، بحثوا فيه مسائل خاصة بالدستور، في حين قال رئيس وفد المعارضة نصر الحريري خلال مؤتمر صحافي في جنيف، إنه بحث مع المبعوث دي ميستورا موضوع الانتقال السياسي في البلاد. وأوضح الحريري أن وفد المعارضة قدّم تقارير إلى المبعوث الدولي حول الأوضاع الإنسانية، جرى التركيز فيها على ملف المعتقلين. وأشار إلى أنه جرت مناقشة كيفية الانتقال السياسي إضافة إلى أمور فنية أخرى، مشيراً إلى أن جلسة محادثات الخميس ركّزت على الإجراءات الدستورية والقانونية التي تخدم الانتقال السياسي. كما سلّم وفد المعارضة دي ميستورا، أمس الجمعة، مذكرتين عن دور إيران في سورية والذي وصفه بالتخريبي، وكذلك قضية المعتقلين.

من جهته، اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، أن مناقشة المسائل المتعلقة بصياغة مشروع الدستور السوري الجديد، قد تفتح الطريق أمام التفاوض المباشر. وقال غايتلوف، تعليقاً على سير الجولة السادسة من مفاوضات جنيف: “إحراز أي تقدم في مناقشة أي جانب من جوانب الأزمة السورية، يمثل خطوة نحو المفاوضات المباشرة”.
وقبل إسدال الستار عن جولة التفاوض، أعلنت 8 فصائل عسكرية تعليق مشاركتها في الوفد التفاوضي المشارك في مفاوضات جنيف. وقال بيان للفصائل صدر في وقت متأخر الخميس، ووقّعت عليه قوى بارزة باستثناء “جيش الإسلام”، إن من أسباب تعليق المشاركة “عدم وضوح المرجعية والتخبط باتخاذ القرار، وعدم وجود استراتيجية تفاوضية”، وكذلك “العلاقة بين الهيئة العليا للمفاوضات وبين الوفد المفاوض الرئيسي التي لا تصب في مصلحة الثورة”، كما جاء في البيان الذي وقّع عليه كل من “فرقة السلطان مراد، فيلق الشام، جيش الثوار، جيش اليرموك، حركة تحرير الوطن، تحالف قوات الجنوب، جيش أحرار العشائر، والجبهة الشامية”.

وبعد ساعات قليلة من تعليق الفصائل مشاركتها في الوفد التفاوضي، أصدرت الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني، بياناً أكدت فيه مشاركة وفد المعارضة السورية “بكامل أعضائه” في الجلسة الختامية لمفاوضات جنيف. وبدا هذا الإعلان متناقضاً مع قرار تعليق المشاركة، إذ يضم الوفد المفاوض العديد من ممثلي الفصائل الموقّعة على بيان تعليق المشاركة، مثل بشار الزعبي عن “جيش اليرموك” وراكان ضوكان عن “جيش العشائر”، وأحمد عثمان عن “فرقة السلطان مراد”، وهيثم رحمة عن “فيلق الشام”.
وكانت الجولة الخامسة من مفاوضات جنيف عقدت في 31 مارس/آذار الماضي من دون أن يطرأ أي تغيير على مواقف النظام والمعارضة. وناقش المفاوضون فيها أربع سلال، هي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب، فيما أصرت المعارضة السورية على بحث الانتقال السياسي بوصفه مظلة شاملة للعناوين الأخرى، بينما تمسك وفد النظام بأولوية بحث بند مكافحة الإرهاب. وقالت مصادر في جنيف، إن المبعوث الدولي أبلغ المشاركين أن الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف قد تعقد في العشرين من شهر رمضان المقبل.
وكان المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، سالم المسلط، اشتكى من قصر مدة الجولة الحالية والتي دامت 4 أيام فقط، ولم يتمكن خلالها المتفاوضون من الاطلاع على الأوراق الأساسية، واقترح في تصريحات صحافية أن تعقد جولات التفاوض بشكل مكثف ومتصل على مدار شهرين، ويتم تخصيص مدة أسبوعين لكل سلة من السلال الأربع، للانتهاء منها جميعاً خلال هذين الشهرين.



صدى الشام