‘صحيفة فزغلياد: استراتيجية الجيش السوري الجديدة أثبتت فاعليتها’
21 مايو، 2017
سمير رمان
الصورة: خليل الشاوي/ لرويترز
ظهرت في سورية ملامح التحضير لعمليةٍ هجومية ضخمة، على محورٍ جديدٍ تمامًا من محاور الجبهات. وتهدف هذه العملية الطموحة للغاية، بشكلٍ خاص، إلى فكِّ الحصار عن الطريق الدولي السريع دمشق- بغداد. وقد أصبحت مثل هذه العمليات ممكنةً بفضل جملةٍ من الإصلاحات البنيوية، وإتقان بعض الخدع العسكرية التي نُفِّذت في منتصف السنة الماضية.
تتوجَّه إلى محافظة السويداء ومنطقة القلمون الشرقي قوافل ضخمة من العتاد العسكري والقوات الحكومية. وفي الوقت نفسه، ولليوم الثالث على التوالي، تواصل القوات السورية تقدُّمَها، عبر المعارك، في منطقة البادية التي يسيطر عليها الجهاديون.
تتوجَّه التعزيزات التابعة للجيش الحكومي، مقاتلو الدفاع الوطني والميليشيات العراقية إلى الجبهة، لتقوم بعد تشكيل قبضةٍ هجوميّة ضاربة بالسيطرة على الحدود مع الأردن والعراق، على بعد 100 كم من معقل “ظاظا” الذي تمت السيطرة عليه مؤخرًا على طريق بغداد-دمشق.
وقع الطريق السريع دمشق- بغداد بيد تنظيم الدولة الإسلامية، بداية صيف عام 2015، عندما تركت القوات الحكومية المتهالكة أجزاءً كبيرة من محافظتي حمص وحماة. في هذا الوقت تقريبًا، سقطت مدينة جسر الشغور الحدودية، وهي المعقل الأخير للقوات السورية في محافظة إدلب، وقبل هذه التطورات، كانت النقاط الحدودية تحت سيطرة دمشق، بينما كان مقاتلو التنظيمات الإسلامية يسيطرون على منطقة البادية العراقية، ليقطعوا بذلك شريان النقل البريّ الحيوي الذي يربط عاصمتي سورية والعراق.
حاليا، تسيطر “القوات الخاصَّة” التابعة للمعارضة، وتدعمها الولايات المتحدة، ومجموعة “جيش العشائر” على معظم المنطقة الواقعة بين بئر قصب شرق محافظة السويداء، وحدود محافظة دير الزور، بما في ذلك أحد المعابر الاستراتيجية. والآن، وضعت قيادة الجيش الحكومي لنفسها مهمَّة فتحِ هذه الطريق الدولية ذات الأهمية القصوى بالنسبة إلى دمشق. إذا فُتِحت هذه الطريق؛ فإنَّ ذلك لن يسمح باستئناف التعاون العسكري الكامل بين القوات المسلحة السورية والعراقية فحسب، وإنما أيضًا سيؤمّن ممرًا بريًا مريحًا لإيران التي تحصل دمشق منها على الجزء الأكبر من الدعم العسكري والمالي. هذا الدعم بالتحديد، هو ما ساعد سورية على تحمُّل ستّ سنواتٍ من الحرب الوحشية والخسائر البشرية والماديَّة في ظلِّ ظروف قاسية من العزلة الاقتصادية والسياسية، بما في ذلك العقوبات الظالمة المفروضة على كلِّ قطاعٍ من قطاعات الاقتصاد.
وفي الوقت نفسه، يشير عددٌ من المصادر إلى اهتمام إيران الخاص بتسريع العملية في السويداء. تقول نظرية المؤامرة إنَّ طهران تريد بناء خط أنابيب لنقل الغاز، عبر دير الزور والسويداء إلى دمشق، ومن ثمَّ إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، وإلغاء الفكرة القديمة حول خطِّ السيل الشمالي الذي يمرُّ من خلال كردستان أولًا، ومن ثم بمحاذاة كامل الحدود التركية، وصولًا إلى البحر المتوسط، وتزعم نظرية المؤامرة هذه أنَّ دمشق أوكلت للجنرالات الإيرانيين مهمَّة قيادة العملية في جنوب البلاد، بهدف ضمان التحكُّم والسيطرة على العملية.
يعاني بعض المعاقين ولاديًّا من عُقدٍ هذا النوع من المؤامرات. أولًا وقبل كل شيء، لا أحد -ولا حتى آيات الله الذين يروِّجون لمعايير الخلود- يمكنه أنْ يقول الآن، متى تحلّ التهدئة، ومتى ستصل الحرب الأهلية في سورية إلى تلك المرحلة التي يمكن عندها مدُّ الأنابيب. ثانيا، الحرب والسلام، من حيث المبدأ، لم تتمحور -ولن تتمحور الآن- حول الأنابيب والأسلاك وغيرها من المنشآت الزائفة اقتصاديًا. كل هذا يذكرنا، بقوة، بالمنطق الرفيع المستوى، منتصف التسعينيات من القرن الماضي، الذي أكَّد أنَّ أسباب اندلاع حرب الشيشان تعود إلى الرغبة في السيطرة على النفط المحلِّي هناك! ولطالما أثَّر مصطلح “الحتمية الاقتصادية” تأثيرًا سيئًا على مستوى التحليل العسكري والسياسي، وخاصة إذا كانت الثرثرة حول هذه الحتمية الاقتصادية تختلط مع نظرية مؤامرة بدائية. غالبًا؛ ما أدَّى ذلك، وخاصةً في الحالات الصعبة (كما في حالة الاتحاد السوفيتي، أواخر 80)، إلى تجاهلٍ تامٍّ للأسباب التاريخية والعرقية والدينية الحقيقية التي تقف وراء نشوب الصراع، لصالح الروايات الضيِّقة عن “الدوافع الاقتصادية” و”عمليات احتيال المافيا”. هكذا كان الحال، على سبيل المثال، عندما كان بعض المحلّلين السياسيين المتحزِّبين يقوّمون، من موسكو، الوضعَ في “ناغورني كاراباخ” في مراحل الحرب المبكِّرة (بين أرمينيا وأذربيجان).
ولكن لنعُدْ مرة أخرى إلى سورية. تجدر الإشارة إلى أن إحدى أكثر وحدات الجيش السوري من حيث القدرة القتالية -وهي النمور- لم تُرسل باتجاه محافظة السويداء، بل تستمر في مهاجمة مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في الجزء الشرقي من محافظة حلب. وهناك أيضًا، يتواجد الجنرال سهيل الحسن -الخبير الرئيس بالحملات الهجومية واسعة النطاق- المحللون ذاتهم الذين يتحدّثون عن “الأثر الإيراني” في عملية في جنوب البلاد يؤكدون أنَّ “الجيش السوري لم يعد موجودًا تقريبًا”، وأن “بإمكان الأسد جمع قبضة واحدة فقط من الجنود”، وأن “من يقاتل هم من الفُرس والفلسطينيين والشيعة”. واقع الأمر يقول: إنَّ قدرات الجيش السوري القتالية قد تحسَّنتْ بشكل كبير خلال الأشهر الستة الماضية؛ ويرجع ذلك أساسًا إلى الوحدات العسكرية التي شُكّلت من جديد، ودُرّبت على يد المستشارين العسكريين الروس.
وهكذا، استطاع “النمور”، في الأيام القليلة الماضية، اختراق جبهة (داعش) بنجاح شرق حلب، ونجحوا في الوصول إلى سهول مسكنة والسيطرة على بلدات: (جراح الزغيب، المخدومة، وبيلون) بعد اشتباكاتٍ شرسة مع المسلحين. في الوقت نفسه، كان متطوعون من قبيلة “البقارة” المحليَّة يدعمونهم بنشاط. كان هؤلاء البدو، في الآونة الأخيرة، يدعمون “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، ولكن تركيبة القبائل البدوية تغيَّرت كثيرًا، نتيجة للقتال، في عام 2016، بما في ذلك بسبب تعامل الجهاديين الغريب مع القبائل، حتى تلك التي دعمت التنظيم في مرحلة مبكرة من الحرب. أُبيد البدو على يد عناصر (داعش) بسبب “قلَّة إيمانهم”، وضُيِّقَ عليهم في مناطق ترحالهم المعتادة وفي قرى إقامتهم القديمة. تمكَّنت الحكومة السورية من اللعب بنجاح في هذا المجال، واستدرجت إلى جانبها عددًا من القبائل الكبيرة. في المقابل، نظمت قبيلة “الشعيطات” ميليشيا “أسود الشرقية” التي تحارب بنجاح إلى جانب الجيش السوري في منطقة دير الزور، بينما انضوت قبائل (الشرابين، وطي) تحت عباءة الخبراء العسكريين الإيرانيين.
وكان آخر فصيل، ينضمُّ إلى التحالف الحكومي، هو كتيبة “توران”، المعروفة أيضًا باسم “القوات الخاصة التابعة للاتحاد السوفيتي” لأنَّه تشكّل من مواطني آسيا الوسطى، شمال القوقاز في روسيا وما وراء القوقاز. ويتمتَّع هذا الفصيل بتدريب وتسليح عسكري خاص، والكتيبة ليست مختصَّةٌ بالقيام بعمليات على خطوط المواجهة، بل في قتال رجال العصابات الفدائية. وهذا مصطلحٌ جديد تمامًا في تكتيكات التحالف الحكومي. نفذَّت كتيبة “توران” عدة عمليات ناجحة، قرب تدمر وفي حمص، تمكنت خلالها من تدمير مجموعات العدو التخريبية، وتمكّنت من صدِّ عمليات اختراقٍ، اعتاد الإرهابيون تنفيذها عبر الصحراء “الجهاد المتنقل”. في البداية، عملت الكتيبة في محافظة حماة، ولكن بعد التوقيع على اتفاق “مناطق خفض التصعيد”، انتقلت إلى محافظة حمص، حيث بدأت في مطاردة القادة ومجموعات التخريب في “تنظيم الدولة الإسلامية”.
الآن، وبعد اختراق “النمور” جبهة (داعش) في الجزء الشرقي من محافظة حلب، من المفترض أن تتوجَّه القوات الحكومية جنوبًا على طول بحيرة الأسد وسبخة الجبُّول في اتجاه الرقة.
اسم المقالة الأصلي Новая стратегия сирийской армии доказала свою эффективность اسم الكاتب يفغيني كروتيكوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد 18 أيار 2017 رابط المقالة https://www.vz.ru/world/2017/5/18/866178.html
المترجم سمير رمان
[sociallocker] [/sociallocker]