زيارة ترامب للسعودية بعين روسيا: حرب كبرى في الشرق الأوسط


المدن

استبقت موسكو زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية بهجوم صاعق على فكرة “الناتو العربي”، من خلال مقالة مطولة لوكالة “نوفوستي” عنونتها: “ترامب والجنرالات يعدون للحرب: ضد من سيتوجه الناتو العربي؟”.
وعلى الرغم من أن صحيفة الكرملين “ازفيستيا” وافقت مع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير باستبعاد فكرة مثل هذا التحالف في الوقت الراهن، إلا أن “نوفوستي” عبّرت عن جانب من الغضب الكبير الذي يجتاح موسكو في الوقت الراهن بعد الإصرار، الذي يبديه “الإستبلاشمنت” الأميركي على التحقيق بشأن “علاقاتها” بالرئيس ترامب، وبعد الضربات الأميركية لمواقع النظام السوري.
فبعد العنتريات، التي كانت تسود خطاب موسكو في عهد الإدارة الأميركية السابقة، وتوهمها بأنها غدت اللاعب الرئيسي المقرر في شأن المقتلة السورية، عادت روسيا إلى حجمها الحقيقي، شأنها في ذلك شأن حشرة ثمرة القرع، التي تدخل الثمرة من ثقب صغير جداً، وتأخذ في التهامها من داخلها، مما يؤدي إلى تضخم حجمها كثيراً، ويحول دون خروجها من الثقب، الذي دخلت عبره، فتضطر للعودة إلى حجمها الأولي.
في ظل هذا الوضع المستجد، اعتمدت موسكو مقاربة مزدوجة، تعتمد من جهة على الدفاع المستميت عن ترامب بوجه “الحملة الجائرة” التي يتعرّض لها من المؤسسة الأميركية الحاكمة وأجهزة الإعلام الأميركية والغربية بشكل عام، والإستمرار، من جهة الثانية في تصعيد لهجة العداء للغرب، الذي لا هم له سوى محاصرة روسيا وتحيّن الفرص لتدمير ما أحرزته من “عظمة” في سوريا.
ضمن إطار الثنائية هذه، تندرج ردة فعل موسكو على الزيارة التي يقوم بها ترامب للمنطقة في هذه الأيام . وجاءت مقالة “نوفوستي” تعبيراً شديد الوضوح عن القسم الثاني من هذه المقاربة. فهي ترى أن زيارة ترامب هذه تذكر بزيارة الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون إلى الشرق الأوسط في حزيران/يونيو عام 1974 ، في خضم عاصفة “ووترغيت” في واشنطن آنذاك.
لكن هموم ترامب الشخصية لا ينبغي، برأيها، أن تحجب “المبادرات العسكرية-السياسية التي يعتمدها جنرالاته والرأسمال الذي يقف وراءه”، ويستخدمونه من أجل تنفيذها. وما صفقات الأسلحة مع السعودية سوى الدليل على الجدية العميقة التي يتسم بها السعي لإقامة “الناتو العربي”، الذي سيعلن ترامب عن إقامته خلال زيارته هذه.
وترى “نوفوستي” أن هذا الحجم الهائل من السلاح ليس مخصصاً “لحرب السعودية في اليمن”، بل هو مخصص لحرب كبرى في الشرق الأوسط تستهدف بالدرجة الأولى الرئيس السوري بشار الأسد، ومن ثم إيران. والبيت الأبيض لا يخجل من القول علناً، إن التصعيد في الشرق الأوسط يتلاءم مع البنود الأساسية في عقيدة ترامب “أميركا قبل كل شيء”.
والمغامرات الحربية تتلاءم كلياً مع نمط سلوك ترامب في الهيمنة والعنف وتأكيد الذات. لكن ما هو أهم من ترامب ونمط سلوكه، هي مصالح المجمّع الحربي-الصناعي، التي تقف وراء ترامب.
وتتساءل “نوفوستي” عما يعنيه كل ذلك بالنسبة لروسيا؟ وحين يتوحّد ممولو الإرهاب في حلف عسكري-سياسي ويستحوذون على كمية هائلة من السلاح، إلى أي مستوى سوف ترتفع طاقتهم الإرهابية؟ وإلى أين سيوجّه الأميركيون والسعوديون الجيوش الإرهابية المدججة بالسلاح حتى الأسنان؟ وتقول، إن الإرهاب بالنسبة لأميركا ليس مشكلة، بل هو أداة للتخلص من الزعماء غير المطيعين، وإعادة رسم الخارطة السياسية وفقاً لمصالها، والسيطرة على الثروات الطبيعية.
وماذا على روسيا أن تفعل في ظل هذا الوضع؟ تجيب “نوفوستي”، في البداية “علينا أن نتوقف عن تصديق كلام ترامب الفارغ، وأن ندرك، بأنه هو وجنرالاته تهديد مباشر وآني بالنسبة لنا”. وحتى لو ذهب ترامب، فإن “التهديد يبقى، فهو أطلق الجن من القمقم، وفي ذلك كانت تقوم مهمته”. وترى أن على روسيا أن تقوم وعلى نحو عاجل “ببناء نظام متكامل للجم العدوان القادم من الجنوب”.
يجدر القول إن هذا الكلام ليس موجهاً للخارج الذي يعرف تماماً حجم “حشرة القرع” الحقيقي، بل هو موجّه إلى الداخل الروسي ويصب في سياسة الكرملين المعتمدة، التي تصور روسيا “قلعة محاصرة” من جميع الجهات والكل يسعى للنيل من “عظمتها”، بل وتدميرها.
لكن هذه السياسة، ليست التوجه الوحيد الذي تعتمده روسيا في مقاربتها للوضع السياسي القائم بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض. فقد دأبت موسكو، ومنذ أن تفجر الاشتباك في واشنطن بين “الإستابلشمانت” الأميركي والرئيس ترامب، على الدفاع المستميت عن الأخير في وجه “أعدائه” في الداخل الأميركي، وخاصة أجهزة الإعلام الأميركية. وقد اعتبرت صحيفة الكرملين أثناء الاشتباك الذي انفجر خلال زيارة لافروف إلى واشنطن، بين ترامب والأجهزة المذكورة، أن بوتين وترامب “يتساويان” في كره هذه الأجهزة لهما.
وقد واظبت صحيفة الكرملين على نهجها هذا في الدفاع عن الرئيس الأميركي في مواكبتها للزيارة الحالية التي يقوم بها للسعودية. فقالت في اليوم الأول للزيارة “يغادر ترامب البيت الأبيض في واشنطن، لكن ليس كما كان يشتهي أخصامه، بل هو، وببساطة، يبدأ زيارته الأولى للخارج”.
وتقول الصحيفة أنه وخلافاً للتقاليد المتعارف عليها في الزيارة الأولى للرؤساء الأميركيين، لم يزر ترامب الجيران الأقربين كندا أو المكسيك، فالتقاليد بالنسبة لترامب “لا تعني شيئاً”، وهو جاء “لتغيير القواعد”. ولذلك جاء ترامب إلى الشرق الأوسط، أي إلى المسلمين، الذين “أرهبوا بهم كل الحملة الإنتخابية”. وترامب، الكاره للمسلمين والمكسيكيين، تحدث على الفور بعد انتخابه إلى الرئيس المكسيكي، أما المسلمون، فقد جاء ليزورهم “ويقضي نهائياً على كل إمكانيات ابتزازه بشأن كراهيته للمسلمين”.
وتشير الصحيفة إلى أن ترامب، وخلال أسبوع واحد، سوف يتعرف إلى ممثلي 877 دولة في العالم، وهذا ما لم يتحقق لرئيس آخر سواه، خلال المئة يوم الأولى من رئاسته. وترامب، الذي صوّرته أجهزة الإعلام العالمية التي تسيطر عليها النخبة الغربية بشكل أساسي، بأنه يكاد يكون “الإنسان الأخطر في العالم”، سوف يجتمع لأجله في الرياض زعماء جميع البلدان الإسلامية في العالم، وسوف يتنافس الأوروبيون في بروكسل على “لفت انتباهه”.
وتقول الصحيفة، إن قادة الشرق الأوسط، الذين اعتادوا في السنوات الأخيرة على التواصل مع بوتين وعلى أن روسيا أصبحت “اللاعب الخارجي الأنشط” في المنطقة، سيكون من المهم بالنسبة لهم، كيف سيتحدث ترامب عن الرئيس الروسي. كما أن موقف ترامب من بوتين سوف يكون أكثر إثارة للاهتمام من قبل زعماء الدول السبع الكبار في صقلية، لاسيما وأن غالبية المجتمعين سوف تكون من “غير أصحاب الخبرة” في العلاقة مع روسيا، وأن اثنين منهم، ايطاليا واليابان، سوف ينتظرون من الرئيس الأميركي “تلميحاً إلى تحسن مرتقب” في العلاقات مع روسيا.
وتلفت صحيفة الكرملين في ختام مقالتها إلى أن أمن الرئيس الأميركي لم يحظ بمثل هذه الأهمية، التي يحظى بها خلال الزيارة الحالية. وتقول بأن السؤال “هل سيعود ترامب إلى أميركا” من الصعب أن نسميه سؤالاً تشاؤمياً.




المصدر