محمد نور حميدي: المحاكم “الحرة” تقصي القضاة المنشقين


آلاء عوض

أكد القاضي محمد نور حميدي أن غياب المرجعية الواحدة للقضاء، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، أثّر سلبًا في عمل المحاكم وأدائها، وكرّس نوعًا من التشرذم والفوضى القضائية، وعلى الرغم من أن القضاء، في هذه الظروف، يسمى (قضاء ضرورة) ومن الطبيعي أن يكون متعثرًا، إلا أن كثرة المشكلات التي يعاني منها، وعدم الاعتماد على مختصين في العمل جعلا من هذا الجهاز المركزي الذي يُعدّ الضابط والموجّه لشؤون الناس وأحوالهم المفصلية، جهازًا متخبطًا، ضعيفًا، وعاجزًا عن تحقيق العدالة بأدنى مستوياتها.

وفي حديثه لـ (جيرون)، عرضَ حميدي المشكلات التي يعاني منها القضاء، في محافظة إدلب خاصة، وفي مجمل المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة عامة قائلًا: “يعاني السلك القضائي من مشكلات كثيرة، تتمثل في غياب المرجعية الموحدة التي تتولى الإشراف على المحاكم، وتطبيق مبدأ المحاسبة، وإنشاء لجان لتطوير العمل القضائي، تتعدد المحاكم بتعدد الفصائل، ولكل فصيل محكمته الخاصة التي يحاكم بها، ضمن المنطقة التي تخضع لسيطرته، ولا تعتمد المحاكم على إجراءات قانونية موحدة، ولكل محكمة إجراءاتها الخاصة، أضف إلى ذلك عدم وجود مختصين يعملون في المجال القضائي، إذ يبلغ عدد القضاة المنشقين عن النظام 87 قاضيًا في عموم البلاد، لا يعمل أحد منهم في محاكم المناطق المحررة، ومعظم العاملين فيها، أشخاص عاديون، خضعوا لدورات شرعية قصيرة، ومن ثم عُيّنوا في ملاك القضاء، ويطلق عليهم اسم (الناظرين في القضايا)، كذلك الأمر بالنسبة إلى الموظفين الجدد الذين لا يملكون خبرات في العمل القضائي وعمل الدواوين”. ورأى أن “تضمين الخبرات من قضاة وموظفين منشقين من العدلية في تلك المحاكم، يمثل الخطوة الأولى للنهوض بعمل المحاكم وإجراءاتها”.

من جهة ثانية تطرق القاضي المنشق إلى آلية عمل المحاكم، وعدّها “منقوصة وجزئية” وفي هذا المعنى، قال: “إن التقاضي في معظم المناطق المحررة هو تقاضٍ على درجة واحدة، وفي حالات قليلة يكون على درجتين، وهذا يُشكل عقبة في وجه تحقيق العدالة، فقاضٍ واحد قد يخطئ والحل هو تعدد المحاكم، لضمان حقوق المتقاضين، وتحقيق العدالة بشكلها الأمثل، كذلك لا تُطبّق هذه المحاكم مبدأ (القضية المقضية) أي المنتهية لدى المحاكم جميعها، ففي كثير من الأحيان يحصل المواطن على حكم في قضية معينة من محكمة ما، ولا يعجبه الحكم، فيذهب إلى محكمة أخرى ليرفع قضية جديدة فيها، ويعدّ ذلك إرهاقًا للمواطنين من الناحية المادية والمعنوية”.

وحول النيابات العامة أكد حميدي “لا يوجد نيابة عامة في محافظة إدلب، ولا في عموم المناطق المحررة. بشكل عام لا وجود للقضاء المدني في محافظة إدلب، بحيث يغطي كل المحافظة، ويعمل ضمن مرجعية موحدة، ولا تحظى المحاكم بدعم مادي أو بتمويل من جهات محددة، لأنها بالأصل ليست هيئة موحدة ومستقلة”.

عن القوانين التي تطبقها تلك المحاكم، لفت حميدي إلى أنها مختلطة وأوضح ذلك بقوله: “تُطبّق بعض المحاكم (القانون العربي الموحد) وهو ليس قانونًا نهائيًا، إنما هو مشروع طُرح أمام وزراء الخارجية العرب، ولم يُصادق عليه، وبعضها الآخر يُطبّق جزءًا من الشرع الإسلامي، ومنها من يعتمد القانون السوري”.

وأشار إلى أن “قلة الوعي والدراية دفعت العاملين الجدد، في السلك القضائي، إلى الإحجام عن تطبيق القانون السوري، ظانين أن حافظ الأسد وابنه هما منْ وضع القانون، وحاول القضاة المنشقون توعية هؤلاء بإعلامهم أن هذا القضاء لم يُسنّ في زمن عائلة الأسد، وإنما وجد قبلها، ويبدوا أنهم لم يفلحوا؛ وقد فاقم الإحجام عن العمل بالقانون السوري صعوبات العمل في المحاكم الموجودة”.

من جانب آخر نبّه حميدي إلى أن المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر (درع الفرات) بدأت خطوات لا بأس فيها، في مجال العمل القضائي عبر تفعيلها لأدواته وقال: “على الرغم من نقص المختصين، وعدم الاختيار الصحيح لملء الشواغر الموجودة، إلا أنه إذا استمر العمل بهذه الجدية وضمن المرجعية المطبقة -وهي القانون السوري- سيكون عملهم خطوة في الطريق الصحيح مع الإشارة إلى أن القانون السوري هو من أرقى القوانين في العالم”.

في السياق ذاته، لفت حميدي إلى بعض المحاولات التي قام -ويقوم- بها قضاة منشقون للنهوض بالجهاز القضائي، بقوله: “قامت مجموعة من القضاة المنشقين، منذ نحو 6 أشهر، بإنشاء محكمة جنايات خاصة، مقرها إدلب، تضم قضاة منشقين، ومجلس القضاة الأحرار في الداخل السوري، ولكن لم تتلقَ أي دعم مادي أو معنوي، واقتصر عملها على البحث في بعض الموضوعات، وإصدار مذكرات بحق مرتكبي جرائم ضد الشعب السوري، وما يزال عملها في طور توثيق جرائم وانتهاكات النظام”.

وأخيرًا اعتبر حميدي أن وضع الحجر الأساس للقضاء، وهو المرجعية الموحدة في هذه الظروف الانقسامية بين الفصائل، أمرٌ “صعب جدًا وهو أقرب إلى المستحيل” وأضاف: “ينبغي على جميع المرتبطين بهذا الجهاز العمل على إعادة النظر في التركيبة القضائية والنهوض بهذه المؤسسة، لأنه إن صحّ القضاء في بلد ما؛ صحّ البلد واندثرت الخلافات الفصائلية، وكي نصل إلى قضاء يتمتع بالنزاهة والاستقلالية ينبغي وجود مرجعية قضائية واحدة، تختص بتعيين القضاة والموظفين، وتضع الإجراءات الواجب تطبيقها أمام المحاكم”.

القاضي المستشار محمد نور حميدي حاصل على شهادة دكتوراه في القانون الدولي، وصدر له مؤلفان هما: (محاكمة الزعماء والرؤساء أمام محكمة الجنايات الدولية، محكمة الجنايات الدولية)، وكان رئيسًا للنيابة العامة، في محافظة إدلب. انشق بداية العام 2012.




المصدر