ما لم تقله قمم الرياض… سورية الغائب الحاضر


مشعل العدوي

أمضى جُل السوريين ساعات طويلة، يراقبون شاشات التلفاز، ينتظرون سماع كلمة تخص ما تبقى من وطنهم؛ وبين من شعر بخيبة الأمل، وبين من هاجم القمة من منظور يساري (مهترئ)، وآخر من منظور سياسي حاقد، وثالث تساءل عن عدم وجود النساء السعوديات في استقبال زوجة ترامب وابنته، ورُبّما فات الجميعَ أن يقرأ ما نحن مقبلون عليه في حقيقة الأمر.

قد يكون وعيد ترامب وتهديده لإيران من القضايا القليلة التي بقيت من وعوده الانتخابية، عندما كان مرشحًا للرئاسة، وتأكيدًا على جدية ترامب، في تهديده لإيران، كان في زيارته الخارجية الأولى شديد الوضوح، إذ طالب دولَ العالم بعزل إيران، وذهب وزير خارجيته أبعد من ذلك، حين طالب إيران بوقف تمويل ميليشياتها التي تُقاتل في سورية والعراق، وحمّل إيران مسؤولية القتل والدمار في سورية، من خلال دعمها للأسد.

لم يتحدث ترامب عن سورية بشكل مباشر، ولم يزد عن وعده بمواجهة إيران، لترفع يدها عن سورية التي سمحت لها إدارة أوباما، بمدّها، في جزء من الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني، ومن سياسة أوباما بدعم الأقليات لحكم سورية والعراق، واستراتيجية ترامب في ذلك ستكون تصاعدية، ولن تكون بشكل فوري ومباشر؛ إذ ستبدأ بالضغط الاقتصادي وببعض الضربات، كتلك التي حدثت قرب مدينة التنف السورية ضد رتل ميليشياوي إيراني. أي إن ترامب لن يخوض حربًا مباشرة، لا مع روسيا ولا مع إيران، لذلك اختار هذا الأسلوب، وهو أسلوب هجين بين السياسة والعسكرة والاقتصاد، وستكون المواجهة العسكرية هي الأقل استخدامًا، كي لا تدخل أميركا في مواجهة روسيا الحليف الأساس لإيران.

الخطة الأميركية لمواجهة إيران جاهزة، وبدأ العمل بها قبل قمة هذا الأسبوع، وبدأت أميركا تدريجيًا بالعودة إلى العراق، كما بدأت بمراقبة حدوده ومطاراته، وما قصفُ سلاح الجو الأميركي لرتل ميليشياوي على الحدود السورية-العراقية إلا جزءٌ من الخطة للضغط على إيران، ولاحقًا، سيكون الدور الأميركي أكثر وضوحًا على الساحة العراقية، وخاصةً في الانتخابات البرلمانية والحكومية الجديدة.

الخيار الأميركي في مواجهة إيران كان أسهل الخيارات، وربما أذكاها، فإيران اليوم ليست أداة بيد الروس فحسب، وإنما أداة بيد منظمة شنغهاي للأمن والتعاون، تلك المنظمة التي استماتت إيران للحصول على عضوية كاملة فيها، ولم تستطع، وكان آخر طلب قدمته إيران ودعمته روسيا بكل قوتها مطلع العام الحالي، إلا أن الصين رفضت وأعطت الأولوية للهند وباكستان، فالصين لا تريد أن تعطي المنظمة طابع المواجهة مع الغرب، فهي تُفضّل العمل بهدوء وصمت، واتّباع سياسة الماء في الالتفاف على الصخور، لذلك أصبحت المنطقة منطقةَ مواجهة غير مباشرة بين أميركا والغرب من ناحية، والصين وروسيا من ناحية ثانية، والطرفان يحاولان عدم إعلان المواجهة رسميًا.

إن اكتفاء أميركا بمواجهة إيران هو مواجهة مشكلة واحدة في سورية، ولكن هذه المواجهة سلاح ذو حدّين، وأغلب الظن أنها اللعبة الأميركية التي ستحرم الروس من قواتٍ تحارب معها على الأرض، وهذا سيؤدي إلى إحدى نتيجتين:

1 – أن تستشعر روسيا الخطر وتستجيب للضغوطات، وبالتالي تكون مُجبرة على الحل والتخلي عن الأسد.

2 – أن تستعيض روسيا عن القوات الإيرانية بقوات روسية، أو قوات من الجمهوريات السوفياتية المسلمة التي تدور في فلكها، وقد تغيّبت جميعها عن قمم الرياض، وبالتالي تكون سورية قد دخلت في أكثر السيناريوهات سوادًا وظُلمةً، وستتحول إلى كتلة وحل تغرق فيها روسيا، أي إن الأميركي قد يُحوّل سورية إلى أفغانستان، مبتعدًا عن خيار الصوملة الذي لا يلائم ربيبتها “إسرائيل”، لذلك تم فصل الشمال والجنوب بما سُمي (مناطق آمنة)، والحقيقة أنّ الفصل ليس تقسيمًا، وليس مناطق آمنة، وإنما طريقة كي لا ينتشر الحريق إلى دول الجوار، ويبقى حريقًا تحت السيطرة، قد يقول البعض: وجرائم الأسد؟ أقول: لطالما كان الإنسان مجرد سلعة رخيصة في الحروب، فهو أرخص من دبابة أميركية أو طائرة مقاتلة، فالحروب هي حلول لا أخلاقية لمشكلات قد تكون أخلاقية.

يُفسِّر هذا الخيار الانكفاء الأميركي الواضح، وإن كان غير معلن في المفاوضات السورية، في خطّيها جنيف وأستانا، إذ إن الوجود الأميركي خجول وغير فاعل، ما عدا عبارات عامة، تُشجّع فيها أميركا على استمرار التفاوض غير الجدي وغير المجدي، فأميركا ليست على عجلة من أمرها، ويسرّها أن يغرق الروس أكثر في دماء السوريين، فمنطق المصالح لا يقبل أن تنشل خصمك حين يكون غارقًا، وأخلاق الفرسان ما هي إلا روايات رومانسية في زمن الحروب.




المصدر