من ذاكرة الثورة السورية.. إضراب دمشق 2012م


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

يتذكر السوريون بكثير من الأسى ما مرّ معهم خلال سنوات الثورة السورية المستمرة منذ منتصف مارس/آذار 2011، والتي قتل نظام الأسد لقمعها أكثر من 500 ألف ضحية من الشعب السوري، وشرد ملايين السوريين داخل وخارج الوطن، عدا عن تدميره للحجر والشجر في كل أنحاء سوريا.

ولكن محطات مهمة شهدتها سوريا خلال سنوات الثورة، لا يمكن أن تغيب عن ذاكرة السوريين، يبعث بعضها مشاعر مفرحة، رغم ما رافقها من آلام، ومنها إضراب دمشق الذي نفذه تجارها في 28 مايو/أيار 2012 واستمر لعدة أيام.

سبب الإضراب

بعد ارتكاب النظام لمجزرة الحولة في ريف حمص في 25 مايو/أيار 2012، حيث قام شبيحة موالون له بذبح مئات المدنيين، وبينهم عدد كبير من الأطفال، هزّت صورهم العالم بأسره، عمت المظاهرات المدن السورية، وقرر وفد من الأمم المتحدة زيارة المنطقة للاطلاع عن كثب على ما حدث.

واستغلت قوى وتيارات المعارضة المختلفة زيارة هؤلاء المبعوثين ودعت إلى إضراب عام للمحلات التجارية، واستجاب عدد كبير من أصحاب المحال التجارية في دمشق لهذه الدعوة وعم الإضراب عدداً من أحياء مدينة دمشق منها (كفرسوسة، والمجتهد، وقبر عاتكة، وباب سريجة، والحريقة، والميدان، والتضامن، ودف الشوك، والزاهرة، ومخيم فلسطين، ومخيم اليرموك، والإطفائية).

وأفاد شهود عيان بأن نسبة الإضراب تراوحت بين 50 و90 بالمئة في أسواق الحميدية والحريقة والبزورية وباب سريجة وسوق مدحت باشا والحلبوني والخياطين وسوق حوش بلاس وباب الجابية، التي تعتبر من أهم أسواق دمشق وأكثرها ازدحاماً.

ووصل الإضراب إلى أحياء العاصمة كالميدان والقدم وكفر سوسة والتضامن والحجر الأسود ونهر عيشة وقبر عاتكة والعسالي وحي الزهور والزاهرة الجديدة.

ونشر ناشطون سوريون ووسائل إعلام مختلفة صوراً لعدد كبير من محلات دمشق في أسواقها المختلفة، وقد أغلقت تماماً، وتوقف فيها كل نشاط تجاري.

وقال أحد الناشطين معلقاً على الصور: " بالمناسبة يلي على الأرض أحلى (أجمل) بكتير من الصور، حيطان نهر عيشة تمتلئ بعبارات إسقاط النظام وحتى الآن لم يجرؤ أحد على إزالتها، كثير من المحلات المغلقة مكتوب عليها إضراب في تحد كبير، والله أنا لهلأ (للآن) ما لي مصدق يلي شفته".

مشاهدات وشهادات

يقول شاهد عيان واصفاً إضراب دمشق: وصلت إلى السوق الساعة 9 ونص وجدت المحلات مغلقة، وعندما سألت عن السبب علمت أنه إضراب. في البداية شعرت بالصدمة ولم أصدق.

وتابع: تجولت في البزورية كاملة، حريقة، سوق الحميدية، مدحت باشا، باب الجابة، باب سريجة، كل المحال مغلقة، ورجعت على (الساعة) 11 تقريباً أيضاً على البزورية وجدت جيشاً من ضباط وفيهم عميد وعناصر بالسلاح الكامل  يخلعون أقفال المحلات بالبزورية.

ويضيف: لقد قاموا بخلع أكثر من 50 قفلاً في نصف ساعة، وفجأة بدأت المشاجرات في أول سوق مدحت باشا بين الأمن وبين التجار وبدأ السباب والضرب وهجم قطيع شبيحة باتجاه المدنيين.

ويقول شاهد العيان إن جنود النظام وجهوا أسلحتهم باتجاه التجار والمدنيين لإجبارهم على فتح محالهم، وأنه تعرض بنفسه لهذا، حيث أشهر أحد الجنود السلاح عليه  طالباً منه فتح محله، وهو يخبره بأنه مجرد متسوق، وليس من أصحاب المحلات، ولم يتركه حتى طلب جندي آخر ذلك.

وينهي شاهد العيان روايته قائلاً: ركبت سيارتي واتجهت باتجاه زاهرة ميدان الكل مغلق.

إنهاء الإضراب

تفاعل السوريون مع إضراب دمشق، وتوالت الدعوات لاستمراره وللتصعيد على كل المستويات لإسقاط النظام، لكن النظام عمل بكل قوته على إنهاء الإضراب.

فمنذ أن علم النظام بأن المحال التجارية مغلقة توجه جنوده وشبيحته إلى الأسواق وراحوا ينادون "بمكبرات الصوت بأنحاء المدينة القديمة ويأمرون التجار بإعادة فتح متاجرهم". بحسب شهادة أحد الناشطين لوكالة "رويترز" وقتها.

وقال ناشط آخر هو عامر مؤمن للوكالة "إن قوات الأمن أجبرت عشرات المتاجر في دمشق القديمة على فتح أبوابها لكن النشاط التجاري توقف إلى حد كبير مع حلول الليل".

وتابع مؤمن أن "كثيرين من الذين أجبروا على فتح متاجرهم بقوا على تحديهم ورفضوا البيع للزبائن".

استمر الإضراب أربعة أيام، عمل النظام خلالها بكل ما أوتي من وحشية وإرهاب على إنهائه، ولكن ذاكرة السوريين لم تنسَ هذا الإضراب، والذي لو استمر وتصاعد لربما وفّر على سوريا كثيراً من الدماء والدمار.




المصدر