الكعكة العفنة


باسل العودات

يعتقد كثيرون أن التدخلات الإقليمية والدولية العديدة والمتشعبة، والمصالح المتضاربة والمتقاطعة، زادت صعوبةَ إيجاد حلّ للقضية السورية التي دخلت عامها السابع، وأدخلتها في متاهات لا خروج منها، ويلقون اللوم على التناقضات الروسية-الأميركية، أو التباينات التركية-السعودية، أو الخلافات السعودية-الإيرانية، أو على كلها مجتمعة، ويرون أن المشكلة باتت أعقد من أن يحلّها حلّال.

يرى كثيرون أن موسكو تريد الانتهاء من حالة “كريم قوم ذل”، وأن واشنطن تريد فرض نفسها على العالم بلا منافس، وأن إيران “مهووسة” بهاجس أن تصبح دولة ذات شأن، وتريد أن تصوغ من جديد تاج كسرى، وغير ذلك من الافتراضات ذات البعد العسكري والاستراتيجي والقومي والتاريخي وحتى الديني، ويرون أيضًا أن التوفيق بين هذه “الهذيانات” أمرٌ شبه مستحيل؛ ما يعيق إيجاد حل، ليس في سورية وحدها بل في معظم دول الشرق الأوسط، وما حوله.

تُلامس هذه الافتراضات الصواب، وتُقدّم أسبابًا مُقنعة، منطقية سياسية استراتيجية، لاستمرار الحرب السورية، والعراقية واليمنية، وزيادة سعيرها، وتدفع الدول العظمى والكبرى وشبه الكبرى إلى البحث عن حلول هنا وهناك، وعن طريقة لـ “التوفيق بين الرؤوس بالحلال” للوصول إلى حلّ مُرضٍ لكل هؤلاء، وفق نِسَبٍ، توافق الكبار وترضي الصغار.

يبدو أن هذا كلّه صحيح، أو شبه صحيح، حيث يسعى الجميع للتقاسم بالتراضي، أو “الهبش” عنوة، باستخدام القوة المباشرة أو غير المباشرة، ويفتعلون المشكلات ويُعقّدونها، ويستثيرون الغرائز والنزعات القومية والدينية والمذهبية، ويشدّ كل واحد منهم الحبل نحوه، غير آبهين بزوال دول، وإبادة شعوب، وتدمير حضارات، وغير آبهين بماضي كلّ من يعيش في هذه المنطقة سيئة الحظ، أو بمستقبله.

تستخدم بعض هذه القوى الدولية والإقليمية أسوأ ما عندها لتحقيق اختراق، تنفذ منه لتحقيق مصالحها، فروسيا تُجرّب أسلحتها على البشر، وتُفرغ مستودعاتها الصدئة فوق رؤوس السوريين، وتدعم أحطّ الديكتاتوريات وأكثرها دموية، فيما تدعم أميركا أسوأ السيئين، وتبيع كل الأعراف والأخلاق الإنسانية بـ “بَصلة”، بينما ترسل إيران “قطعانها” لتُدمِّر وتُحطّم وتقتل، وتنشر أبشع أنواع الطائفية، ويُخترع تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات “التكفيرية” التي لا تُكفِّر إلا أصحاب الحق، ليكون فرنًا يُنضج الكعكة التي ينتظرها بشراهة مجرمون نهمون.

تسعى بعض هذه القوى الدولية والإقليمية لتقسيم الدول، ولوضع اتفاقات أو صفقات محاصصة جديدة، ولتغيير الواقع وتزوير الحقائق، وتعيد كتابة تاريخ المنطقة وتزوّره، وتتدخل في حاضرها لتنكسه، وترسم مستقبلًا همجيًا، يعيد شعوب هذه المنطقة إلى ما قبل حضارتها.

كل هذا -أو جلّه- معروف وملموس ومفهوم، ومعروف أيضًا أن السوريين والعراقيين واليمنيين، وكل من شابههم في الحال والمآل، مغلوبون على أمرهم، وليس بيدهم من شيء يفعلونه. أنظمة مرتهنة مهلهلة تخريبية، وشعوب مسكينة بائسة تبحث عن حق في حياة كريمة، والقوى الإقليمية والدولية تتصارع على “الكعكة”، غير واعية أنها ما لم تتوقف عن “شذوذها” فإنها سترى -عمّا قريب- سورية والعراق واليمن ولبنان وغيرها، أرضًا بورًا لا خير فيها لأحد، ولن تجد أمامها سوى “كعكة” محترقة، لا يمكن أكلُ أي جزء منها.




المصدر