ترامب في السعودية.. هل انتهى عصر التمدّد الإيراني؟


بعيداً عن الطابع الاقتصادي للصفقات التي أبرمتها “المملكة العربية السعودية” مع حليفتها “الولايات المتحدة الامريكية” خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة، إلّا أن هذه الزيارة، وتلك العقود الاقتصادية التي كلّفت المملكة المليارات، كان لها أبعادها السياسية والعسكرية الاستراتيجية.

ولعلَّ من أبرز القضايا السياسية التي تناولتها الزيارة، تلك الملفات التي تُعنى السعودية بها بشكلٍ مباشر، ولا سيما الملفان السوري واليمني من جهة، وكبح جموح إيران من جهة أخرى.

ويُعتبر الملف السوري من أبرز القضايا الشائكة في منطقة الشرق الأوسط على الإطلاق، بسبب تداخل القوى والمصالح الدولية والإقليمية فيه، ومن شأن هذه الزيارة أن تلعب دوراً في إحداث تغيير على صعيد هذا الملف، على ما يرى الباحث السياسي أحمد غنام، الذي ربط بين الرغبة الكبيرة للولايات المتحدة بمحاربة الميليشيات التابعة لإيران، والخط الأحمر الذي وضعته السعودية بعدم قبولها مطلقاً بوجود الأسد في مستقبل سوريا.

وفي حديث مع صدى الشام، قدّم غنام قراءة في أبعاد الاتفاقات السعودية الأمريكية، وانعكاسها على الوضع السوري في المستقبلين القريب والبعيد.

 

إعادة هيكلة العلاقات

وقال غنام: “إن لزيارة ترامب أكثر من بعد، وأحد هذه الأبعاد الواضحة للعيان هو الجانب الاقتصادي وتوقيع الاتفاقيات التي لها منعكاسات سياسية في داخل السعودية وفي الوطن العربي وقد تطال الشرق”.

وأضاف أن الزيارة تستهدف أولاً تحقيق رؤية ترامب لطبيعة العلاقات الاستراتيجية القائمة بين السعودية والإدارات الأمريكية، والتي بنت دورها على قضية المصالح المشتركة وأولها قضية الغطاء الأمني والحماية السياسية للخليح، موضحاً أن هذه الرؤية كلاسيكية لدى معظم الإدارات الأمريكية التي تولت الحكم، ولكن المتغير الرئيس جاء عبر إدارة أوباما التي أساءت لهذه العلاقات وأطلقت يد إيران لتحقيق رغباتها لتفتيت المنطقة وإثارة المشاكل والنعرات الطائفية في دول الربيع العربي.

وأوضح أنه خلال فترة إدارة أوباما، ضعفت خاصرة السعودية من الجانب اليمني وهذا الأمر أُريدَ منه استهلاك القدرات المالية السعودية، لإضعاف الخليج وإبراز النفوذ الايراني في المنطقة.

وشرح أن ترامب جاء مناقضاً لإدارة أباما، لكن ذلك لا يعني التناقض في الدور والعمق، معتقداً وجود تغيير متدرّج سيحدث في ظل إدارة ترامب، وسيؤسس لعودة العلاقات مع السعودية المتلفهة للدفء مع أمريكا.

 

 

الضغط على نظام الأسد

وحول انعكاسات زيارة ترامب والعقود التي وقّعها على الملف السوري، قال غنام: “هناك معطيات سياسية تشير إلى أن أهداف التحالف السعودي الأمريكي تتمثّل في تهدئة المناطق الساخنة المشتعلة في اليمن وسوريا من خلال ضغوط أمريكية مباشرة وغير مباشرة عبر أدواتها، كالعقوبات الاقتصادية التي ستطال كبار الشخصيات في النظامين السوري والإيراني ومحيطهم المقرّب”.

وأوضح أن “خطوطاً حمراء حقيقية ستوضع في سوريا، بحيث يتم نقاط نفوذ لا يمكن تجاوزها لأن أمريكا متّجهة نحو وضع حدٍ للهلال الشيعي الممتد من طهران إلى العراق والأردن وسوريا ولبنان”، مشيراً إلى أن هذا الهلال سيتم قطعه لآثاره السلبية على منطقة الخليج العربي وطبيعة العلاقات القائمة.

وأردف أنه من خلال وضع خطوط حمراء لإيران، ستقوم بدورها بالضغط على نظام الأسد حتّى يتفاوض مع المعارضة ويقبل بعملية انتقال سياسي، مبيّناً أن المنطقة كاملةً سوف تستفيد من هذه الاتفاقات لتي وقّعتها السعودية مع أميركا قائلاً: “سوف نشهد تداعيات زيارة ترامب إلى السعودية من خلال ضغوط كبيرة على إيران ستمارس عبر الضغط على حلفائها من أجل لملمة الصراع وإيجاد حل سياسي من خلال مسارات اتفاق معيّنة”.

 

تغيّر تدريجي في سياسات واشنطن

وفيما يخص المدى الزمني للتغيّر في السياسة الخارجية الأمريكية، لفت غنام، إلى أن هناك طيف واسع من النتائج لكن ليس على المدى القريب، مؤكّداً أن “بعض الأمور ستنضج خلال الـ 30 يوماً القادمة، وسيبدأ السوريون المتابعون للملف عن كثب بلمس نتائج هذا التغيّر، ولكن التغيّر الجذري لن يكون قريباً، لأن ترامب لا يستطيع أن ينقلب على إدارة أوباما بشكلٍ فردي ومفاجئ”، فالموقف الأمريكي يستند إلى عمل مراكز الدراسات والبحوث والأجهزة الأمنية وليس كلها بيد البيت اللابيض، بسبب وجود دور كبير في رسم السياسات الأمريكية لمجلس الشيوخ والبنتاغون.

وأوضح أن التوجه الأمريكي الجديد سيظهر تدريجياً في المرحلة القادمة، وستكون أهم التغيّرات هي الاتجاه إلى احتواء الصراعات العسكرية في المنطقة والانتقال إلى الجانب سياسي، متوقّعاً أن تنضم مصر إلى الدول التي ستغيّر موقفها من دعم نظام الأسد، “لأن هناك تناقضاً بين وجود مصر في التحالف السعودي الأمريكي من جهة ودعمها لنظام الأسد من جهةٍ أخرى”، حسب قوله.

 

انحسار قادم للدور الإيراني

وتوقّع غنّام أن يكون هناك انحسار قادم للدور الإيراني في الشأن السوري، وفي ملفات أخرى كاليمن، معتبراً أن هذا الانحسار يعني إعطاء فرصة أكبر للاستقرار في المنطقة.

واستند غنام في هذا الرأي إلى “أن وجهة النظر الأمريكية تقوم حالياً على رفض فكرة الانخراط المباشر في الحرب السورية، لكنها ستعمل على تجفيف منابع دعم الميليشيات الإيرانية في سوريا، والأمر نفسه سيحدث بالنسبة للحوثيين وميليشيا حزب الله اللبناني، من خلال الضغط السياسي والاقتصادي على إيران، ما سيدفعها لإجبار النظام على الاتفاق السياسي”.

وتابع: “إذا تقلّص الدعم الإيراني لنظام الأسد، سوف يضطر الأخير للرضوخ والانسحاب من الصراع الدائر، لأن الولايات المتحدة سيكون ضغطها كبيراً على إيران، سواء لجهة العقوبات الكبيرة، أو لجهة التأثير على الدور العراقي التابع لواشنطن، ما يؤدّي لتراجع الموقف العراقي الداعم لنظام الأسد وإيران وبالتالي قطع الدعم اللوجيستي عن النظام، وإدخاله في عزلة دولية تجبره على التنازل عن الحكم”.

وانتقد غنام الأصوات الرافضة لزيارة ترامب إلى المملكة، وعقد صفقات بمبالغ طائلة مع الولايات المتحدة، مضيفاً: “أن هناك مبالغة في الأفكار القائلة بأن الاتفاقات بُنيت على الحديث عن رعاية أمريكية مدفوعة الأجر للسعودية، أو اتهام الأخيرة بأن لديهاً ضعفاً وعدم قدرة على أخذ دورها تجاه الربيع العربي”، لافتاً إلى أن هناك من يحاول إبعاد جميع أصدقاء سوريا عن الواجهة، وترك الشعب السوري يواجه مصيره.

وأشار إلى أن “الأشخاص الذين ينتقدون الصفقات التي وقّعتها السعودية، كان الأجدى بهم انتقاد التدخّل الروسي والإيراني في سوريا، أو تمحيص هذا الاتفاق ومعرفة مكاسب السعودية منها”.

 

 

الموقف الروسي

لكن السؤال الأبرز، هل يكفي وقف الدعم الإيراني لإضعاف الأسد؟ ولا سيما في ظل وجود الدور الروسي الداعم للنظام بشكلٍ مطلق سياسياً وعسكرياً.

هذا الأمر يجيب عنه الباحث غنام قائلاً: “إن السعودية دفعت الكثير من المبالغ، وهي ستطلب مقابلاً للأموال هذه، عبر التمسّك بموقفها الرافض لوجود الأسد، الأمر الذي سيزيد الضغط على روسيا”.

ولفت إلى أن إضعاف الميليشيات الإيرانية، التي يعتمد عليها الروس في المعارك بسوريا، سيمثل ضعفاً لموقف موسكو، لأن التدخّل الروسي الجوي عبر الطيران الحربي يُعدّ غير كافٍ لجعلها صاحبة موقف صلب.

واعتبر غنام أن المصالح الروسية في سوريا “ليست استراتيجية، وإنما هي مصالح سياسية آنية واقتصادية طويلة الأمد، تتمثّل بمد خطوط الغاز عبر سوريا، والتي إن فشلت بمدّها فإنها ستواجه منافسة قوية في السوق الأوروبي ما ينعكس على اقتصادها المتهاوي أصلاً”.

وختم ّ بالقول “إن معظم هذه التغيّرات ستجري في عام 2017، لأنه عام تخفيف الحروب في المنطقة العربية”.



صدى الشام