مجزرة الحولة.. ما زال الدم حارًا


حافظ قرقوط

التاريخ 25 أيار/ مايو عام 2012. الحدث مجزرة مروعة لأهالي (تلدو) في سهل الحولة، الفاعل مدرسة الأسد التي أسقطت جميع القيم، وأنشأت جيلَ الحقد الأسود، والهدم الاجتماعي والوطني للسوريين.

قال ناجون من المجزرة: في عصر تلك الجمعة الحزينة، داهم عشرات القتلة المدججين بالأسلحة الفردية، بعضهم يرتدي زيًا عسكريًا، وآخرون بثيابهم المدنية، داهموا القرية. وقد عرف السكان المحليون أنهم من القرى المجاورة، دخلوا البيوت ليقتلوا داخل الغرف من استطاعوا، ويقتادوا البعض الآخر إلى بيوت مجاورة، يجمعون فيها الضحايا ويُجهزون عليهم.

وأفادت منظمة العفو الدولية أن “شهود عيان أكدوا أن الجيش السوري نفّذ غارات، وأطلق صواريخ، وقذائف الهاون، على منطقة سكنية، شهدت مقتل 108 أشخاص”.

وناشدت المنظمة مجلس الأمن الدولي بأن يقوم، بما هو أكثر من إدانة لتلك المجزرة بريف حمص الشمالي الغربي، وذكرت في بيانٍ أن “ارتفاع معدل القتلى المدنيين منهم أطفال ونساء في قرية الحولة، يجب أن يدفع مجلس الأمن إلى العمل في انسجام، وعرض الوضع في سورية فورًا على المحكمة الجنائية الدولية”.

وأكدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة من جهتها، أن عدد الذين “لقوا حتفهم بلغ 108 ضحايا”، غالبيتهم قُتلوا في “إعدامات نفذتها جماعات موالية للسلطات السورية في قرية تلدو”، وأن أقل من 20 ضحية من هؤلاء قُتلوا “بنيران المدفعية”.

وأوضح روبرت كولفيل -المتحدث باسم المفوضية العليا- أن “49 طفلًا و34 امرأة كانوا بين القتلى”، وأضاف “من الواضح بشدة أن حدثًا بغيضًا تمامًا وقع في الحولة، وأن جزءًا كبيرًا منه كان إعدام مدنيين نساء وأطفال من دون محاكمة”.

أدان مجلس الأمن الدولي -حينئذ- “القتل الجماعي للسكان المدنيين من النساء والأطفال في قرية الحولة بريف حمص”، بينما قالت منظمة (هيومن رايتس ووتش): إن “الفظائع في سورية تستمر من دون عقاب”.

روت إحدى الناجيات -وهي مصابة بجروح- في شريط فيديو بث عبر الأنترنت، أنه تم اقتياد الضحايا كالغنم، وأن “والدها وشقيقها الوحيد، لقيا حتفيهما، وقُتل أيضًا سبعة من أخواتها”.

ونقلت (منظمة هيومن رايتس ووتش) عن الناشط ميسرة الحلاوي الذي شاهد الحدث قوله “عند حلول الليل، تعرضت (تلدو) لقصف عنيف بالدبابات والصواريخ، وقتل عدد من الأشخاص وانسحب الثوار”، وتابع: “رأيت كثيرًا من الناس مقتولين في منازلهم، على طريق السد المؤدية إلى القرى العلوية”.

وأوضح الحلاوي: “أُطلقت نيران البنادق الآلية على الذين حاولوا الهرب، وعُثر في الحقول على جثث تسعة رجال وست نساء، حاولوا الهرب من الموت، وهناك مزيد من جثث الضحايا قرب حواجز طرق، لا يمكننا الوصول إليها”.

لفت حلاوي في شهادته إلى أن “63 شخصًا من عائلة سنّية كبيرة واحدة، اسمها عائلة عبد الرزاق، قتلوا في منازلهم”، وأضاف أن عناصر الميليشيات عادوا ثانية “في الساعة الثانية والنصف صباحًا، وقتلوا أكثر من 15 شخصًا، من عائلة السيّد في منازلهم، ونجا الرضيع علي عادل السيد بأعجوبة”.

بيّنت الفيديوهات والصور التي بُثت عبر الإنترنت للمجزرة، العديدَ من الضحايا الذين فارقوا الحياة بطريقة مؤلمة، ودماؤهم تملأ المكان، ونقلت منظمة (هيومن رايتس ووتش) عن صبي كان مختبئًا ونجا من إطلاق النار، وصف ما رآه، وكيف أنهم أخذوا شقيقه وأعمامه، وصوّبوا البنادق نحو رأس أمه، و”أطلقوا عليها الرصاص خمس مرات”، وكيف ترك المنزل وهو خائف، وقد شاهد جثث أخته وأمه وإخوته في أسرتهم جميعًا.

ما زالت أخبار مجازر الأسد تتوالى، وعوضًا عن وضع حدّ لها، كما كانت المناشدات، فقد دخلت الميليشيات الإيرانية والروسية، لتساعد هذا النظام بإكمال مجازره، وبقي العالم يداوي جراح المدنيين السوريين، بمزيد من البيانات والاحتجاجات، ويعود أولئك الساسة الدوليون ليطبعوا القبلات على جبين أطفالهم، وكأن شيئًا لم يحدث على الجانب الآخر للإنسانية، لتبقى مجزرة (تلدو) في الحولة بشهدائها، إحدى نقاط العلام الفارقة، لهذا التاريخ الذي أحاط يوميات السوريين بالسواد والدماء، حين طالبوا بالسلام والعدل.




المصدر