هل ترتدع إيران؟


القدس العربي

ما أضافته زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض، والقمم، العربية – الأمريكية والإسلامية – الأمريكية، التي كانت العاصمة السعودية مسرحاً لها، واضح بلا أي تزويق: زيادة التسلح والاستقطاب الإقليمي الحاد. هذا ما يمكن استنتاجه بسهولة من كلمة ترامب وصفقة الأسلحة الضخمة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع السعودية. غاب عن الزيارة وقممها أي توجهات متعلقة بالسلام الإقليمي أو التنمية أو الإصلاح السياسي أو الانفتاح الثقافي في دول المنطقة، لتحضر طبول الحرب وحدها: ضد الإرهاب السني والنزعة التوسعية الإيرانية. أو بكلمات أخرى: الإرهاب «الإسلامي» بجناحيه السني والشيعي.
هل هذا جيد؟
قد يبدو كذلك للدول المتضررة من النزعة التوسعية الإيرانية التي تهدد أمنها الوطني، بالنظر إلى المبلغ الضخم الذي تم تخصيصه لمواجهة عسكرية محتملة مع إيران أو امتداداتها داخل المجتمعات العربية. وهذا مما يتلاقى مع السياسة الإيرانية للولايات المتحدة في عهد ترامب. معنى ذلك أن الدول المعنية تستعد، بأموالها وامكاناتها البشرية، لخوض الحرب الأمريكية على إيران، فيما تخوض حربها الخاصة ضد مركز الشيعية العالمية، من دون أن يكلف ذلك الأمريكيين أي شيء، باستثناء تقديم الغطاء السياسي من الدولة العظمى الوحيدة. حرباً لا يمكن أن تكسبها لا إيران ولا خصومها، في حين يذهب الربح الصافي فيها إلى الطرف الأمريكي وحده.
بالمقابل يمكن خفض خسائر العرب والإيرانيين إلى حدودها الدنيا، وتحويلها إلى مكاسب لاحقة، إذا ارتدعت إيران من الموجة العاتية القادمة ضدها، فتخلت عن سياستها التدخلية التي مفادها تصدير الشيعية السياسية المسلحة تحت غلاف «تصدير الثورة» على ما زعمت «الجمهورية الإسلامية» منذ قيامها في أواخر السبعينات. وتشير نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في إيران، يوم الجمعة الماضي، إلى توق المجتمع الإيراني بغالبيته إلى التغيير، سواء في الداخل أو في السياسة الخارجية. قد لا يكون لمنصب الرئاسة في النظام الإيراني أي أهمية في تحديد السياسات العامة أو اتخاذ القرارات الكبيرة، لكن هذا التصويت الكثيف وهذه النتيجة الكاسحة في فوز الرئيس روحاني المحسوب على التيار الإصلاحي، هما بمثابة استفتاء شعبي يعبران عن الرأي العام السائد لدى الإيرانيين. بمعنى أن قراراً من النظام بتغيير السياسة الخارجية نحو الانفتاح على العالم وإقامة علاقات تعاون مع الجيران، سيلاقي دعماً شعبياً مؤكداً، مقابل معارضة ضيقة متمثلة في أوساط الحرس الثوري وبيئته الاجتماعية.
أي أن تغييراً إيجابياً في السياسة الخارجية، لن يكون مجرد خضوع أمام تهديدات خارجية جديرة بإثارة الخوف، بقدر ما هو استجابة لتوق اجتماعي في الداخل الإيراني، فضلاً عن كونه متسقاً مع قيم العصر الإيجابية، وبداية الطريق في ترميم آثار العزلة الطويلة والعقوبات المؤلمة، للانتقال بعد ذلك إلى نهضة اجتماعية – اقتصادية تملك إيران كل مقوماتها، باستثناء… القرار السياسي الشجاع.
تبدو السطور السابقة ضرباً من الخيال الجميل، بالنظر إلى ردود الفعل المتشنجة من القيادة الإيرانية على زيارة ترامب إلى السعودية، وما يبدو أنها أسسته من تحالف معادٍ لها من دول إقليمية بدعم أمريكي كامل. بل إن إيران استبقت زيارة ترامب باستعراض قوة غير رمزي أبداً، وإن حمل رسالة إيرانية، حين أطلق المتمردون الحوثيون صاروخاً حربياً باتجاه الرياض، عشية الزيارة بالذات، تم تدميره في الجو من قبل الدفاعات السعودية. خيار التصعيد لدى إيران، في مواجهة الضغوط الأمريكية الكبيرة، ظهر قبل ذلك أيضاً، بعدما وجهت المقاتلات الأمريكية ضربة موجعة لقوات النظام الكيماوي والميليشيات الشيعية الحليفة قرب معبر التنف، عند تقاطع الحدود السورية – العراقية – الأردنية، الممسوك من قبل قوات معارضة مدعومة من واشنطن. فبدلاً من أن ترتدع طهران من تلك الضربة الموجعة التي كلفتها عدداً غير معروف من القتلى، أعلنت عن توجيه حملة جديدة من قوات حزب الله إلى الهدف نفسه. الأمر الذي يشير، من جهة أخرى، إلى مدى الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة في المشروع الإيراني الساعي إلى بناء ممر بري متصل يمتد من إيران إلى حزب الله في لبنان. وتشير الضربة الأمريكية، بالمقابل، إلى مدى تصميم وزارة الدفاع الأمريكية على منع إيران من تحقيق هذا الهدف، كما إلى استهتارها بالاعتراض الروسي الحانق. فقد جاءت ضربة التنف، بعد ضربة مطار الشعيرات، لتكشف أيضاً مدى هشاشة الادعاءات الروسية حول إغلاقها للأجواء السورية أمام طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، في المناطق الواقعة خارج سيطرة داعش، وعموماً هشاشة إمساك روسيا بالملف السوري. الأمر الذي لاحظنا تعبيره الواضح في الجولة الأخيرة من مباحثات جنيف التي انتهت كسابقاتها بلا أي نتائج من شأنها تبرير التفرد الروسي بتوجيهها.
ولكن إلى أي حد يمكن لإيران أن تذهب في خيار المواجهة؟
إذا نظرنا إلى تاريخ السياسات الإيرانية سنرى أنها لن «تتجرع كأس السم» على حد تعبير الإمام الخميني، ما دامت حربها دائرة خارج حدودها وبأدوات تنفيذية غير إيرانية هي التي تدفع الثمن الباهظ للمغامرة الإقليمية لطهران، أي حزب الله الشيعي اللبناني، والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية، والمتمردين الحوثيين في اليمن. تبدو ولاية الفقيه مستعدة للتضحية بكل هؤلاء في حربها العبثية المدمرة التي تشكل أيضاً المناخ الملائم للتطرف الجهادي السني العالمي. وبهذا المعنى الأخير، لا تشكل «الحرب على الإرهاب» بنسختها الترامبية المحدّثة والملقحة بمواجهة إيران بالوكالة، إلا تأجيجاً إضافياً لنوازع الإرهابين السني والشيعي.

(*) كاتب سوري




المصدر